سورة البقرة

المسألة الثانیة : حول کلمة «الناس»

المسألة الثانیة

‏ ‏

حول کلمة «الناس»

‏ ‏

‏الـناس یکون من الإنس ومن الـجنّ، لـکن غلب استعمالـه فی الإنس،‏‎ ‎‏وهو جمع إنس أصلـه اُناس جمع عزیز اُدخل علیـه «أل».‏

وقیل:‏ الـناس اسم وضع لـلجمع کالـرهط والـقوم، واحده إنسان من‏‎ ‎‏غیر لفظـه، ویُصغّر «الـناس» علیٰ نویس‏‎[1]‎‏.‏

‏والـناس یُذکَّر، قال الله تعالـیٰ: ‏‏«‏ثُمَّ أَفِیضُوا مِنْ حَیْثُ أَفَاضَ النَّاسُ‏»‏‎[2]‎‎ ‎‏و‏‏«‏یَوْمَئِذٍ یَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً‏»‏‎[3]‎‏.‏

وقیل:‏ الـناس قد یذکّر ویراد بـه الـفضلاء، دون من یتناولـه اسم‏‎ ‎‏الـناس تجوُّزاً‏‎[4]‎‏. وفیـه ما لایخفیٰ.‏

وقیل:‏ إطلاقـه علیٰ الـجنّ ضَرْب من الـمجاز، وهو غیر واضح؛ لأنّ ما‏‎ ‎‏یقابل الـجنّ ـ حسب الاستعمال ـ هو الإنس کثیراً.‏

والذی هو التحقیق:‏ أنّ الاستعمال أعمّ، ولایستفاد منـه شیء من‏‎ ‎‏الـحقیقـة، والـذی هو الـمتبادر منـه أنّـه منصرف عن الـجنّ، وهذا هو‏‎ ‎‏الـمطّرد، فما فی بعض کتب الـلغـة غیر ثابت جدّاً. وعن ابن خالـویـه: أنّ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 233
‏الـعرب تقول ناس من الـجنّ‏‎[5]‎‏، ولعلّـه اُرید منـه: أنّ طائفـة من الـناس‏‎ ‎‏تشبـه الـجنّ.‏

وبالجملة:‏ حکی عن سیـبویـه والـفرّاء: أنّ مادّتـه همزة ونون وسین،‏‎ ‎‏وحذفت الـهمزة شذوذاً. وأصلـه اُناس لـقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏یَوْمَ نَدْعُو کُلَّ أُنَاسٍ‎ ‎بِإِمَامِهِمْ‏»‏‏ ووزنـه فُعال‏‎[6]‎‏.‏

‏وعن الـکسائی: أنّ مادّتـه نون وواو وسین، ووزنـه فَعْل من الـنَّوْس،‏‎ ‎‏وهی الـحرکـة، یقال: ناس ینوس نَوْساً إذا تحرّک، والـنَّوْس تذبذب الـشیء‏‎ ‎‏فی الـهواء‏‎[7]‎‏.‏

‏وحُکی عن جماعـة: أنّـه من «نسی»، وأصلـه نسی، ثمّ قُلب فصار‏‎ ‎‏نَیَس، ولتحرّک الـیاء وانفتاح ما قبلها قُلِبت ألفاً، فصار ناس، وهذا لـقولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ فی آدم ‏‏علیه السلام‏‏: ‏‏«‏فَنَسِیَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً‏»‏‎[8]‎‏، وهذا مرویّ عن ابن‏‎ ‎‏عباس‏‎[9]‎‏. وعلیٰ هذا یکون وزنـه «فلع»، کما کان الأوّل وزنـه فُعال.‏

‏وقیل: هو من «الـنسیّ» بمعنیٰ الـتأخیر مقلوباً، أو محذوف الـلام.‏

‏وقیل: هـو من أنس بمعنیٰ أبصر؛ وذلک لأنّـه ظاهر محسوس فی مقابل‏‎ ‎‏الـجنّ. وهذا من قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً‏»‏‎[10]‎‏.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 234
‏وحُکی عن ابن عاصم: أنّـه جزم بأنّ کُلاًّ من ناس واُناس مادّة‏‎ ‎‏مستقلّـة‏‎[11]‎‏.‏

‏وقیل: إنّ الـناس اسم جنس من أسماء الـجموع، وواحده الإنسان‏‎ ‎‏والإنسانـة علیٰ غیر الـلفظ.‏

‏ویختصّ بـه عند الـصوفیـة غیر الأولیاء، فإذا اُطلق لایشملهم‏‎[12]‎‏. ولا‏‎ ‎‏یخفیٰ ما فیـه. نعم ربّما یکون منصرفاً فی مورد عنهم لـقرائن خاصّـة.‏

أقول: والذی هو التحقیق:‏ أنّ فی الـمشتقّات الـتزمنا بالـوضعین‏‎ ‎‏الـنوعیّـین: وضع لـلمادّة ووضع لـلهیئـة، وکان ذلک قضاء لـحقّ الـمشاهدة‏‎ ‎‏والـوجدان، وأمّا فی سائر الألفاظ فلا معنیٰ لإرجاع مادّة الـیٰ مادّة فی‏‎ ‎‏الـلغات، ولا وجـه لـلفحص عن الأصل والـفرع، بل الـکلّ صاحب الـوضع‏‎ ‎‏الـشخصی الـمخصوص بـه؛ من غیر صحّـة الـنزاع الـمذکور الـمتعارف فی‏‎ ‎‏الاشتقاقات الـصغیرة والـکبـیرة‏‎[13]‎‏.‏

‏والإنسان والإنس والـناس والاُنس والـنسیان، کلّ وإن کان متقارب‏‎ ‎‏الـلفظ والـمادّة، أو متقارب الـمعنیٰ ومتناسب الـمفهوم أحیاناً، إلاّ أنّـه‏‎ ‎‏لابُرهان علیٰ الـتأصّل والـتفرّع، ولا مرجّح لـکون أحدها أصلاً والآخر فرعاً؛‏‎ ‎‏حتّیٰ یصحّ أن یقال: إنّ الاُناس هو الـمزید من الـناس، أو یقال: إنّ الـناس هو‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 235
‏الـمحذوف الـهمزة من الاُناس، ولزوم کون الأسماء الـعربیـة تحت الـبرنامج‏‎ ‎‏والـمیزان الـصرفی الـعامّ، ممنوع بما یشهده الـوجدان کثیراً.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 236

  • )) راجع أقرب الموارد 2 : 1358 .
  • )) البقرة (2) : 199 .
  • )) الزلزلة (99) : 6 .
  • )) المفردات فی غریب القرآن : 509 .
  • )) البحر المحیط 1 : 52، روح المعانی 1 : 133 .
  • )) راجع البحر المحیط 1 : 52 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) طه (20) : 115 .
  • )) التفسیر الکبیر 2 : 60 ـ 61، الجامع لأحکام القرآن 1 : 193، روح المعانی 1: 133.
  • )) التفسیر الکبیر 2 : 61، روح المعانی 1 : 133 .
  • )) راجع روح المعانی 1 : 133 .
  • )) اُنظر الجامع لأحکام القرآن 1 : 192 .
  • )) راجع تحریرات فی الاُصول 1 : 357 وما بعدها .