سورة البقرة

بحث اجتماعی

بحث اجتماعی

‏ ‏

من المسائل المحرّرة فی علم الاجتماع:‏ أنّ الـیأس والـقنوط من‏‎ ‎‏الـمهلکات والـموبقات، وأنّ الإنسان الآیس عن الـوصول الـیٰ الـخیرات‏‎ ‎‏والـسعادات، والآیس عن نیل الـحقائق ودرک الـواقعیّـات، ربما لا یکون‏‎ ‎‏ساقطاً عن الاهتداء الـیٰ جلب الـسعادة الأبدیـة، ولا خارجاً عن نطاق‏‎ ‎‏الـدائرة الإنسانیـة، ولکنّـه لتلک الـصفـة الـمذمومـة والـرذیلـة الـموحشـة،‏‎ ‎‏یصیر فی حدّ الأشقیاء، ویصیر قلبـه کالـحجارة أو أشدّ قسوة. فالـیأس من‏‎ ‎‏رحمـة اللّٰه من الـکبائر، کما علیـه أخبارنا‏‎[1]‎‏، ویدلّ علیـه الـکتاب والـسُّنّـة‏‎ ‎‏والـعقل والإجماع.‏

‏وعلیٰ هذا الـنَّسَق ربّما یختلج بالـبال: أنّ هذه الـکریمـة الـشریفـة‏‎ ‎‏تعتبر دلیلاً علیٰ یأس هؤلاء الـجماعـة من الـناس، وتلک الـثلّـة من الـکفّار،‏‎ ‎‏فإذا یئسوا من الـرحمـة فهو أیضاً إغواء وإضلال، لا ینبغی إسناده الـیٰ‏‎ ‎‏الـکتاب الـذی هو الـنور والـهدایـة.‏

وإن شئت قلت:‏ إذا لم یکن الـکافر آیساً، وکان لدیـه رجاء الـهدایـة فی‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 220
‏زمن من الأزمان وفی وعاء من الأوعیـة، ولم یکن قانطاً، وکان عنده الـرَّوْح‏‎ ‎‏وارتیاح الـنجاة، فلیس فیـه الـشقاوة کلّها، بخلاف ما إذا کان آیساً وقَنِطاً.‏

‏وإذا وصل الـیٰ هذه الآیـة وسمعها أو قرأها، فربّما تکون الآیـة موجبـة‏‎ ‎‏لاشتداد شقاوتـه وتأکّد ضلالتـه.‏

أقـول :

‏أوّلاً:‏‏ إذا کانت الآیـة مخصوصـة بطائفـة قلیلـة من الـکفّار الـسابقین ـ‏‎ ‎‏کما مرّ أنّـه هو مختار الأکثر ـ فلا منع من الالتزام بأنهم کانوا آیسین من ذلک‏‎ ‎‏قبل نزولها، فلا یتقوّیٰ انحرافهم بها.‏

وثانیاً:‏ بناءً علیٰ عموم الآیـة وعدم إشعارها بجماعـة خاصّـة، لا دلالـة‏‎ ‎‏للآیـة علیٰ الأفراد الـخاصّـة؛ حتّیٰ یعتقدوا بأنّهم مندرجون تحتها، ولا‏‎ ‎‏یتمکّنون من الـخروج من الـظلمات الـیٰ الـنور، بل الآیـة تُفید أنّ جماعـة‏‎ ‎‏من الـکفّار تکون حالـهم هکذا، فکلّ من یُصغی الـیها یتمکّن بعد استماعها أن‏‎ ‎‏یؤمن باللّٰه الـعظیم؛ حتّیٰ ینجو من الـعذاب الـعظیم الـموعود فیها.‏

وثالثاً:‏ ربّما تکون هذه الآیـة وسابقتها فی موقف ذمّ الـکُفّار، وفی مقام‏‎ ‎‏تحریضهم علیٰ الإیمان، وترغیـبهم فی الإسلام، وتکون إنشائیـة، وعند ذلک‏‎ ‎‏یکون فیها الـتشویق الاجتماعی والـتعزیر والـتوقیر لمن لا تکون حالـه مثل‏‎ ‎‏حالـهم، فتصبح الآیـة بناءً علیٰ هذا شاملـة لأهمّ الـمسائل الاجتماعیـة، فإنّ‏‎ ‎‏الـتوبیخ ـ وفی بعض الأحیان ـ من الـواجبات؛ لما فیـه من الـصَّرْف عن‏‎ ‎‏الانحراف جدّاً.‏

‏ ‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 221

  • )) راجع الکافی 2 : 212 ـ 217 / 3 و 10 و 24 .