تتمیم: حول الاستدلال بآیة التجارة علیٰ صحّة المعاطاة
قصور الآیتین عن شمولها لایلازم قصور آیـة الـتجارة عنـه؛ لأنّ ظاهرها هو أنّ الـمیزان لصحّـة الأکل وجوازه، هی الـتجارة غیر الـمنطبق علیها عنوان «الـباطل» وتکون حقّاً، والـمعاطاة تجارة عرفیّـة عقلائیّـة، ولیست باطلاً عند الـعقلاء.
بل الـظاهر منها أنّ الـمدار علی الـحقّ والـباطل، ولا خصوصیّـة لباب الأموال والـمعاملات والـعقود والإیقاعات، فما هو الـحقّ هو الـممضیٰ، وماهو الـباطل منهیّ بها؛ لأنّ وجـه الـنهی عن الأکل والـتصرّفات بإطلاقها هو الـبطلان عرفاً، لا الأمر الآخر، ویصیر عرفاً وجـه الـتجویز کونها حقّاً؛ سواء کانت تجارة، أو نکاحاً.
وربّما یخطر بالـبال قصورها؛ لما فیها من الاحتمالات الـکثیرة الـناشئـة من اختلاف الـقراءة رفعاً ونصباً فی لفظـة «الـتجارة» ومن اختلاف الآراء فی کون الاستثناء منقطعاً، أو متّصلاً.
ومن أنّها علیٰ فرض کونها منصوبـة، تکون خبراً، أو قائمةً مقامـه؛ أی یصیر الـمعنیٰ «إلاّ أن تکون الـتجارة تجارة عن تراضٍ» أو «أن تکون الأموال أموال تجارة».
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 46
ومن اختلافهم فی أنّ «الـباء» للسببیّـة أو لغیرها، وفی أنّ «الأکل» کنایـة عن الـتصرّف، أو هو الـمقصود مع قصد الـتصرّفات، وبلا قصدها، أو یکون الـغرض الـنهی عن الـتملّک بالـباطل، کالـقمار، والـسرقـة، والـخیانـة.
هذا مع أنّ مقتضیٰ قراءة الـرفع، کون جملـة الـمستثنیٰ مستقلّـة؛ لما أنّ الاستثناء منقطع.
وأمّا علیٰ أن یکون متّصلاً، فیشکل تصحیح الآیـة إعراباً، إلاّ علیٰ أن یقال: بأنّ الـمحذوف کلمـة «الأموال» وهی الاسم، وقد حذفت لعدم خصوصیّـة لها، ولدعویٰ: أنّ الـتجارة هی الأموال، أو لأجل انتقال الـمخاطب إلـی أنّ تمام الـموضوع هی الـتجارة؛ وإن وقعت علیٰ ما یقابل الأموال، کالـحقوق مثلاً، بناءً علیٰ أنّ الـظاهر من «الأموال» هی الأعیان، أو هی والـمنافع.
فحینئذٍ کیف یمکن استفادة الـحکم منها مع هذه الـوجوه الـکثیرة؟!
وتوهّم: أنّـه یمکن الاستدلال لصحّـة الـمعاطاة علیٰ جمیع الـوجوه الـممکنـة، فاسد؛ ضرورة أنّ بناء الـعقلاء علیٰ عدم الـعمل بمثل هذه الـظواهر غیر الـمعلوم منها مراد الـمتکلّم، لا الـعمل بالـقدر الـمتیقّن فیها،
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 47
کما لایخفیٰ.
أقول: تکثیر الـوجوه لایوجب سقوط الـظواهر، إلاّ إذا تردّد الأمر، ولم یتمکّن من تعیـین ماهو الـظاهر.
ولعمری، إنّ الآیـة ظاهرة فی الاستثناء الـمنقطع؛ لأنّ الـباطل بذاتـه ممنوع، ولیس قابلاً للإمضاء، وجعلُ جملـة «بِالْبَاطِلِ» علّةً للنهی، خروجٌ عن الـظاهر؛ فإنّها من متعلّقات الـفعل الـناقص، ویکون الـمقصود طریق الـباطل والـسبب الـساقط، فیصیر ظاهر الآیـة الـنهی عن أکل الأموال بالـوجوه الـباطلـة، إلاّ أن تکون الأموال من تجارة عن تراضٍ، فالـنّصب علیٰ حذف کلمـة الـجارّ، وإذا کانت الـمعاطاة من الـتجارة، ولم تکن باطلـة، تصیر صحیحـة ونافذة.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 48