کتاب البیع

عدم شمول آیة الوفاء للمعاطاة

عدم شمول آیة الوفاء للمعاطاة

‏ ‏

إن قلت:‏ بلغت الـتخصیصات إلـیٰ حدّ الاستهجان؛ لخروج الـعقود‏‎ ‎‏الـکثیرة عن لزوم الـوفاء بها، فلا وجـه للتمسّک بمثلها.‏

قلت:‏ الـعموم إن کان أفرادیّاً فالـلازم ممنوع، وإن کان أنواعیّاً،‏‎ ‎‏فالـعقود الـجائزة وإن کانت کثیرة، إلاّ أنّ الآیـة لاتختصّ بالـعقود‏‎ ‎‏الـمعاملیّـة قطعاً، وهذا بنفسـه یشهد علیٰ أنّها الـعامّ الأفرادیّ، فلاتغفل،‏‎ ‎‏وتأمّل جدّاً.‏

لایقال:‏ لایتصوّر الـوفاء فی الـمعاطاة؛ ضرورة أنّ الآیـة تأمر بالـعمل‏‎ ‎‏بالـعقود، فالـعقد غیر الـوفاء بـه، فکأنّها وردت هکذا: «یا أیّها الـذین آمنوا‏‎ ‎‏اعملوا بعقودکم» فهو مترتّب علی الـعقد، ومن لوازمـه الـشرعیّـة أو‏‎ ‎‏الـعرفیّـة الـمأمور بها شرعاً، فعلیـه لابدّ من الـعقد قبل الـتسلیم والـتعاطی‏‎ ‎‏الـخارجیّ، وهذا لایمکن إلاّ باللفظ الـموضوع لإنشائـه خصوصاً أو عموماً.‏

لأنّا نقول:‏ الآیـة کما تقتضی الـتسلیم؛ لأنّـه مقتضی الـوفاء بـه، کذلک‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 32
‏تقتضی الـمنع عن الاسترداد؛ لأنّـه أیضاً خلاف مقتضی الـوفاء بـه، فعلیـه إن‏‎ ‎‏حصلت الـمعاطاة من الـطرفین فی زمان واحد، فمعنی الـوفاء عدم‏‎ ‎‏الاسترداد.‏

‏وإن حصلت من جانب واحد، فمعناه - مضافاً إلـیـه - تسلیم الآخر‏‎ ‎‏مورد الـمعاملـة؛ للزوم الـوفاء بـه.‏

‏وإن حصلت بالـمقاولـة - بناءً علیٰ أنّ محلّ الـنزاع، أعمّ من الـفعل‏‎ ‎‏والـقول غیر الـمخصوص - فیتّحد معناه مع الـقول الـمخصوص والـصیغـة‏‎ ‎‏الـخاصّـة.‏

‏ثمّ إنّـه قد یشکل الاستدلال بها لصحّـة الـمعاطاة؛ نظراً إلـیٰ أنّ‏‎ ‎‏مقتضاها اللزوم الـمفقود فی الـمقام بالإجماع‏‎[1]‎‏، فلا کاشف لصحّتها کما‏‎ ‎‏عرفت.‏

وفیه أوّلاً:‏ أنّـه سیأتی أنّها لازمـة.‏

وثانیاً:‏ نفی اللزوم لایلازم الـجواز الـمقصود فی الـعقود الـجائزة،‏‎ ‎‏فیمکن دعویٰ: أنّها مثل الـعقود الـتی فیها الـخیار، فإنّـه یجب الـوفاء‏‎ ‎‏بمقتضاها، مع جواز فسخها قبل الـتفرّق من مجلسـه. ولو صحّ ما قیل، للزم‏‎ ‎‏عدم صحّـة الـتمسّک بها للعقد اللفظیّ إلاّ بعض منـه، کما لایخفیٰ.‏

ولو قیل:‏ الآیـة ناظرة إلـیٰ إیجاب الـعمل بالـعقد مطلقاً؛ إن لازماً‏‎ ‎‏فلازم، وإن جائزاً فجائز، ولاتخصیص فیها، ولایصحّ الـتمسّک بها حینئذٍ؛ لأنّ‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 33
‏اللزوم والـجواز یعلمان من الـخارج، ولا دلالـة لها علیٰ حکم الـعقد وإن‏‎ ‎‏أوجبت الـوفاء بمقتضاه قبل الـفسخ‏‎[2]‎‏.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ لایعقل أن یکون الـحکم حافظ موضوعـه، فلا وجـه‏‎ ‎‏للتمسّک بها للزوم عدم فسخ الـعقد، فإذن یجب الـوفاء بـه مادام موجوداً،‏‎ ‎‏ولـه أن یعدم موضوعـه - وهو الـعقد - بالـفسخ ونحوه.‏

قلنا:‏ ظاهر الآیـة الـکریمـة وإطلاقها أنّها توجب الـوفاء، وفسخ‏‎ ‎‏الـعقد یعدّ خلافـه عرفاً، ولیس وجوب حفظ الـعقد إلاّ حکم الـعقل بأنّـه إذا‏‎ ‎‏وجب الـوفاء علی الإطلاق، فلابدّ من إبقائـه، ولذلک یجب إبقاء الـدار فی‏‎ ‎‏الإجارة للمستأجر.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ وجوب الـوفاء بالـعقد، غیر حرمـة نقض الـعهد‏‎ ‎‏وفسخ الـعقد، ولایعقل استفادة الـحکمین من الآیـة الـکریمـة، فهی تفید‏‎ ‎‏الأوّل؛ أی إذا تحقّق الـعقد یجب الـوفاء بـه وإن جاز إعدامـه، فعلیـه یشکل‏‎ ‎‏الـتمسّک بها لصحّـة الـمعاطاة؛ لأنّ لزوم الـعقد وجوازه لایعلم من قبلها،‏‎ ‎‏وإیجاب الـوفاء وإن استلزم أحدهما وهو الـمطلوب، إلاّ أنّ الآیـة بعد ذلک‏‎ ‎‏تصیر ناظرة إلـی الـعقود الـمتنوّعـة باللزوم والـجواز، وکون الـمعاطاة‏‎ ‎‏واحدة منها محلّ الـکلام، ومورد الـنقض والإبرام، فافهم.‏

لایقال:‏ إنّ الـمتبادر من وجوب الـوفاء بالـعقد هو الـقیام بـه، وعدم‏‎ ‎‏الـبناء علیٰ خلافـه، دون الالتزام بالآثار، ولذا یستهجن استعمال «وجوب‏‎ ‎‏الـوفاء» فی سائر أسباب الـملک، کالإرث ونحوه.‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 34
والسرّ فیه:‏ أنّ الـعقد هو الـعهد، والـوفاء بالعهد مقابل لنکثه‏‎ ‎‏والإعراض عن نفسـه، لا عن آثاره، ولذا لایعدّ سرقـة البائع الـمبیع نکثاً لـه،‏‎ ‎‏فهی بالدلالة علیٰ عدم جواز الـرجوع، أولیٰ من دلالتها علیٰ وجوب الـعمل‏‎ ‎‏بمقتضاه‏‎[3]‎‏.‏

فإنّه یقال:‏ کیف یحتمل ذاک، والـوجدان قاضٍ بأنّ الـعهد الـواجب‏‎ ‎‏الـوفاء بـه، هو الـذی یلزم ترتیب آثاره؟! ومثلـه الـنذر والـیمین. بل لا‏‎ ‎‏معنیٰ لإیجاب الـوفاء بالـعقد والـعهد، إلاّ باعتبار الـبعث إلـیٰ ترتیب‏‎ ‎‏مقتضیاتـه والإتیان بلوازمـه، وأمّا نفس عدم الـبناء علیٰ خلافـه فهو لیس‏‎ ‎‏نکثاً وحنثاً. وعدم کون الـسرقـة نکثاً؛ لأجل دخالـة الـقصد فی الـوفاء‏‎ ‎‏بالـعقد ونحوه، وهکذا فی نقضـه ونکثـه.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 35

  • )) المکاسب، الشیخ الأنصاری: 85 / السطر 29، لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتی: 9 / السطر12.
  • )) الإجارة، المحقّق الرشتی: 9 / السطر 15.
  • )) الإجارة، المحقّق الرشتی: 9 / السطر 19 وما بعده.