الاستدلال علی البطلان بعدم شمول آیة الوفاء والتجارة للمعاطاة
ومنها: أنّها لغـة وعرفاً لیست عقداً، بل قیل: «إنّها لیست بیعاً»
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 26
فلاتشملها الآیتان: «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» و«أَحَلَّ الله ُ البَیْعَ» ولو شکّ فلایرجع إلـیهما.
وفیـه: - مضافاً إلـی کفایـة قولـه تعالـیٰ: «لاَ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ» - أنّها أولیٰ بأن تکون عقداً؛ لأسبقیّتها فی إیجاد الـعقدة بها من غیرها، ولم یعهد من أرباب اللغـة مایورث خروجها عنـه؛ لأنّ الـعقد هو الـعهد الـمطلق، أو الـمشدّد، وحیث إنّ الـتشدید لا معنیٰ لـه فی الاعتبارات إلاّ بأن یرجع إلـی الـتشدید فی الأسباب ولواحقها، یمکن اتصاف الـعقد اللفظیّ بالـشدّة والـضعف، ویمکن اتصافها بهما.
وبعبارة اُخریٰ: لیس الـعقد إلاّ أمراً محصَّلاً واعتباراً معنویّاً، فلا نظر فیـه إلـی الأسباب الـمحصِّلـة لـه، فلا تغفل.
نعم، الـظاهر أنّ هذه الآیـة أجنبیّـة عن هذه الـمسائل؛ لأنّ الـعقود الـمعمول بها بین الاُمم والأقوام من بدو حیاتهم الاجتماعیّـة، لاتحتاج إلـی الـتشدید بمثل هذه الآیـة الـکریمـة، خصوصاً بعدما تکون فی سورة الـمائدة، ولا سیّما بعد ملاحظـة الـصدر، وقولِـه تعالـیٰ: «اُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَةُ الْأَنْعَامِ».
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 27
فإنّـه بعد الـتأمّل یظهر: أنّها راجعـة إلـی الـعقود الـخاصّـة، والـعقود الـکلّیـة، لا الـعقود الـمالـیّـة والـتجاریّـة. وتوهّم عدم صدق «الـبیع» مدفوع بالـمراجعـة إلـی الإطلاقات الـعرفیّـة واللغـة.
ولو شکّ فی إطلاقها، فالـقدر الـمتیقّن هی الـمعاطاة، دون الـعقود اللفظیّـة، وهکذا لو شکّ فی أنّها جملـة إنشائیّـة، فإنّـه مع ذلک یعلم حلّیـة الـبیع إجمالاً، کما لایخفیٰ.
إن قلت: آیـة الـتجارة غیر کافیـة؛ لأنّ الـمقصود حصول الـملکیّـة بالـمعاطاة الـتی هی الـبیع، لا الـتی هی الـمعاملـة الـحدیثـة.
قلت: کونها ممضاة وصحیحـة یعرف منها، وکونها بیعاً یعرف من اللغـة والـعرف، فلو فرضنا قصور الآیتین عن تصحیح الـمعاطاة - لأجل أنّها لیست عقداً، ولأجل أنّ الآیـة الـکریمـة الـثالـثـة لا إطلاق لها، فلاتشمل الـمعاطاة - یکفی الآیـة الاُولیٰ.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ هذه الآیـة ناظرة إلـی اشتراط الـرضا، والـنهی عن الأکل بالـباطل؛ وهو الأکل بلا رضا، ولاتعرّض فیها لتصحیح الـتجارة وسببیّتها للحلّیـة. ویشهد لذلک الـنهی أوّلاً عن الأکل، والإتیان ثانیاً بالـرضا، وثالـثاً بکلمـة «مِنْکُمْ»فکأنّها تورث شرطیّـة الـرضا فقط؛ لخروج الأکل من الـباطل إلـی الـحقّ، ولا خصوصیّـة للتجارة، فکون الـمعاطاة سبباً مملِّکاً أجنبیّ عنها.
إن قلت: لایمکن الاستدلال لصحّـة الـمعاطاة بآیـة الـوفاء؛ لأنّ موضوعها الـعقد الـصحیح، لا الأعمّ. ویشهد لـه أنّ الـتخصیص فیها، لایورث الـفساد بوجود الـعقود الـصحیحـة غیر الـلازم الـوفاء بها.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 28
قلت: موضوعها الـعقد عرفاً، إلاّ أنّـه یکشف الـصحّـة من لزوم الـوفاء إلاّ ما خرج عنها، فإنّـه حینئذٍ لا کاشف عنها.
وبعبارة اُخریٰ: مقتضیٰ قاعدة الـملازمـة صحّـة الـعقد الـلازم والـوفاء بـه، وإذا کان من الـعقود مالـیس لازماً الـوفاء بـه، لایمکن کشف الـصحّـة؛ لانتفاء الـلازم، وحیث هو أخصّ لایکشف من انتفائـه انتفاء الـملزوم؛ وهو فساد الـعقد، فتدبّر.
إن قلت: قضیّـة حکم الـعقل - وهو أنّ الـعقد الـباطل لایجب الـوفاء بـه - تخصیص الآیـة لبّاً، فالـتمسّک فیما نحن فیـه غیر جائز.
قلت: هذا هو مقتضیٰ بعض الـمبانی فی تلک الـمسألـة، ولکنّ الـتحقیق جوازه؛ لأنّ الـمخصّصات الـعقلیّـة، لاتورث تعنون الـعمومات اللفظیّـة بها عرفاً، وعلیٰ هذا بعد الـفحص عن دلیل فساد الـمعاطاة، وعدم الـعثور علیـه، یصحّ الـتمسّک بها بلا شبهـة.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 29