کتاب البیع

الاستدلال علی البطلان بعدم شمول آیة الوفاء والتجارة للمعاطاة

الاستدلال علی البطلان بعدم شمول آیة الوفاء والتجارة للمعاطاة

‏ ‏

ومنها:‏ أنّها لغـة وعرفاً لیست عقداً، بل قیل: «إنّها لیست بیعاً»‏‎[1]‎‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 26
‏فلاتشملها الآیتان: ‏‏«‏أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ‏»‏‎[2]‎‏ و‏‏«‏أَحَلَّ الله ُ البَیْعَ‏»‏‎[3]‎‏ ولو شکّ‏‎ ‎‏فلایرجع إلـیهما.‏

‏وفیـه: - مضافاً إلـی کفایـة قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏لاَ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ‎ ‎بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ‏»‏‎[4]‎‏ - أنّها أولیٰ بأن تکون عقداً؛‏‎ ‎‏لأسبقیّتها فی إیجاد الـعقدة بها من غیرها، ولم یعهد من أرباب اللغـة مایورث‏‎ ‎‏خروجها عنـه؛ لأنّ الـعقد هو الـعهد الـمطلق، أو الـمشدّد، وحیث إنّ‏‎ ‎‏الـتشدید لا معنیٰ لـه فی الاعتبارات إلاّ بأن یرجع إلـی الـتشدید فی‏‎ ‎‏الأسباب ولواحقها، یمکن اتصاف الـعقد اللفظیّ بالـشدّة والـضعف، ویمکن‏‎ ‎‏اتصافها بهما.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ لیس الـعقد إلاّ أمراً محصَّلاً واعتباراً معنویّاً، فلا نظر فیـه‏‎ ‎‏إلـی الأسباب الـمحصِّلـة لـه، فلا تغفل.‏

‏نعم، الـظاهر أنّ هذه الآیـة أجنبیّـة عن هذه الـمسائل؛ لأنّ الـعقود‏‎ ‎‏الـمعمول بها بین الاُمم والأقوام من بدو حیاتهم الاجتماعیّـة، لاتحتاج إلـی‏‎ ‎‏الـتشدید بمثل هذه الآیـة الـکریمـة، خصوصاً بعدما تکون فی سورة‏‎ ‎‏الـمائدة، ولا سیّما بعد ملاحظـة الـصدر، وقولِـه تعالـیٰ: ‏‏«‏اُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَةُ‎ ‎الْأَنْعَامِ‏»‏‎[5]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 27
‏فإنّـه بعد الـتأمّل یظهر: أنّها راجعـة إلـی الـعقود الـخاصّـة، والـعقود‏‎ ‎‏الـکلّیـة، لا الـعقود الـمالـیّـة والـتجاریّـة. وتوهّم عدم صدق «الـبیع»‏‎ ‎‏مدفوع بالـمراجعـة إلـی الإطلاقات الـعرفیّـة واللغـة.‏

‏ولو شکّ فی إطلاقها، فالـقدر الـمتیقّن هی الـمعاطاة، دون الـعقود‏‎ ‎‏اللفظیّـة، وهکذا لو شکّ فی أنّها جملـة إنشائیّـة، فإنّـه مع ذلک یعلم حلّیـة‏‎ ‎‏الـبیع إجمالاً، کما لایخفیٰ.‏

إن قلت:‏ آیـة الـتجارة غیر کافیـة؛ لأنّ الـمقصود حصول الـملکیّـة‏‎ ‎‏بالـمعاطاة الـتی هی الـبیع، لا الـتی هی الـمعاملـة الـحدیثـة.‏

قلت:‏ کونها ممضاة وصحیحـة یعرف منها، وکونها بیعاً یعرف من اللغـة‏‎ ‎‏والـعرف، فلو فرضنا قصور الآیتین عن تصحیح الـمعاطاة - لأجل أنّها لیست‏‎ ‎‏عقداً، ولأجل أنّ الآیـة الـکریمـة الـثالـثـة لا إطلاق لها، فلاتشمل‏‎ ‎‏الـمعاطاة - یکفی الآیـة الاُولیٰ.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ هذه الآیـة ناظرة إلـی اشتراط الـرضا، والـنهی‏‎ ‎‏عن الأکل بالـباطل؛ وهو الأکل بلا رضا، ولاتعرّض فیها لتصحیح الـتجارة‏‎ ‎‏وسببیّتها للحلّیـة. ویشهد لذلک الـنهی أوّلاً عن الأکل، والإتیان ثانیاً بالـرضا،‏‎ ‎‏وثالـثاً بکلمـة ‏‏«‏مِنْکُمْ‏»‏‏فکأنّها تورث شرطیّـة الـرضا فقط؛ لخروج الأکل‏‎ ‎‏من الـباطل إلـی الـحقّ، ولا خصوصیّـة للتجارة، فکون الـمعاطاة سبباً‏‎ ‎‏مملِّکاً أجنبیّ عنها.‏

إن قلت:‏ لایمکن الاستدلال لصحّـة الـمعاطاة بآیـة الـوفاء؛ لأنّ‏‎ ‎‏موضوعها الـعقد الـصحیح، لا الأعمّ. ویشهد لـه أنّ الـتخصیص فیها،‏‎ ‎‏لایورث الـفساد بوجود الـعقود الـصحیحـة غیر الـلازم الـوفاء بها.‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 28
قلت:‏ موضوعها الـعقد عرفاً، إلاّ أنّـه یکشف الـصحّـة من لزوم الـوفاء‏‎ ‎‏إلاّ ما خرج عنها، فإنّـه حینئذٍ لا کاشف عنها.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ مقتضیٰ قاعدة الـملازمـة صحّـة الـعقد الـلازم‏‎ ‎‏والـوفاء بـه، وإذا کان من الـعقود مالـیس لازماً الـوفاء بـه، لایمکن کشف‏‎ ‎‏الـصحّـة؛ لانتفاء الـلازم، وحیث هو أخصّ لایکشف من انتفائـه انتفاء‏‎ ‎‏الـملزوم؛ وهو فساد الـعقد، فتدبّر.‏

إن قلت:‏ قضیّـة حکم الـعقل - وهو أنّ الـعقد الـباطل لایجب الـوفاء‏‎ ‎‏بـه - تخصیص الآیـة لبّاً، فالـتمسّک فیما نحن فیـه غیر جائز.‏

قلت:‏ هذا هو مقتضیٰ بعض الـمبانی فی تلک الـمسألـة، ولکنّ‏‎ ‎‏الـتحقیق جوازه؛ لأنّ الـمخصّصات الـعقلیّـة، لاتورث تعنون الـعمومات‏‎ ‎‏اللفظیّـة بها عرفاً، وعلیٰ هذا بعد الـفحص عن دلیل فساد الـمعاطاة، وعدم‏‎ ‎‏الـعثور علیـه، یصحّ الـتمسّک بها بلا شبهـة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 29

  • )) تقدّم فی الصفحة 25، الهامش 3.
  • )) المائدة (5): 1.
  • )) البقرة (2): 275.
  • )) النساء (4): 29.
  • )) المائدة (5): 1.