سورة الفاتحة

المسألة الاُولیٰ : حول کلمة «إیّاک»

المسألة الاُولیٰ

‏ ‏

حول کلمة «إیّاک»

‏ ‏

‏«إیّا» ـ بالکسر مع الـتشدید، وعلیـه اقتصر الـجوهری‏‎[1]‎‏. والـفتح رواه‏‎ ‎‏قطرب عن بعضهم‏‎[2]‎‏، ومنـه قراءة الـفضل الـرقاشی، علیٰ ما یأتی فی محلّـه‏‎ ‎‏علیٰ ما نقلـه الـصنعانی، وتُبدل الـهمزة هاء مفتوحـة، فیقولون: «هَیّاک» ـ اسم‏‎ ‎‏مبهم تتّصل بـه جمیع الـمضمرات الـمتّصلـة الـتی لـلنصب، تقول: إیّاک وإیّاه‏‎ ‎‏وإیای وإیّانا، وجعلت الـحروف بیاناً عن الـمقصود لـیُعلم الـمخاطبُ من‏‎ ‎‏الـغائب، ولا موضع لـها من الإعراب، فهی کالکاف فی ذلک، فتکون «إیّا»‏‎ ‎‏الاسم وما بعدها لـلخطاب، وقد صارا کالشیء الـواحد؛ لأنّ الـمعارف‏‎ ‎‏والـمکنیّات بها لا تضاف.‏

‏وقال بعض الـنحویـین: إنّ «إیّا» مضاف إلـیٰ ما بعده، واستدلّ علیٰ ذلک‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 3
‏بقولهم: «إذا بلغ الـرجل الـستّین فإیّاه وإیّا الـشوابِّ» فأضافوها إلـیٰ‏‎ ‎‏«الـشوابّ» وخفضوها‏‎[3]‎‏. انتهیٰ ما هو الـمعروف والـمشهور عن الـلغویّـین‏‎ ‎‏والـنحویّـین.‏

‏واختلفوا أیضاً فی أصل «إیّا» ووزنـه، فهل هو إفعل وأصلـه «إأوو» أو‏‎ ‎‏«إأوی»، أو فعیل فأصلـه «أوِیو» أو «أوِیی»، أو فعول، أو فِعلیٰ‏‎[4]‎‏، وأنت خبیر‏‎ ‎‏بخبط تلک الأقاویل.‏

وهنا شبهة عقلیّة وهو :‏ أنّ لـنا أن نسأل عن کلمـة «إیّا»، هل لـها الـوضع‏‎ ‎‏الـنوعی، أم لـها الـوضع الـشخصی؟ لا سبیل إلـیٰ الـثانی؛ لأنّـه معناه هو‏‎ ‎‏جزء الـکلمـة، وتکون «إیّاک» موضوعـة لـلخطاب أو الـمخاطب، وعلیٰ‏‎ ‎‏الأوّل فتکون هی موضوعـة مستقلّـة، وهذا مُحال؛ لأنّ الـواضع لابدّ وأن‏‎ ‎‏یلاحظ الـجامع بین أفراد الـموضوع لـه، وبذلک یتمکّن من جعل الـلفظ‏‎ ‎‏مقابلـه، ولا یتصوّر هنا جامع بین الـحاضر والـغائب والـمتکلّم.‏

‏هذا، مع أنّ تصویر الـجامع بین الـمعانی الـحرفیّـة محلّ الـمناقشـة،‏‎ ‎‏واستحالـه جماعـة من الـمحقّقین‏‎[5]‎‏. فعلیٰ هذا یسقط ما توهّمـه جمهور‏‎ ‎‏الـنحاة والـلُّغویّـین، فیدور الأمر بین أمرین: إمّا الالتزام بالوضع الـشخصی،‏‎ ‎‏فتکون جزء الـکلمـة، وهذا یستلزم کون ضمیر الـهاء والـکاف وغیرهما ـ‏‎ ‎‏أیضاً ـ ذا وضع شخصیّ فی هذه الـکلمـة، وهو خلاف الـظاهر.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 4
‏فیتعیّن الأمر الـثانی، وهو ما أفاده ابن کیسان، ولنعم ما قال وهو : أنّ‏‎ ‎‏الـکاف والـهاء والـیاء والـنون هی الأسماء، و «إیّا» عماد لـها؛ لأنّها لا تقوم‏‎ ‎‏بأنفسها، کالکاف والـهاء والـیاء فی الـتأخیر فی یضربک ویضربـه ویضربنی،‏‎ ‎‏فلمّا قَدّمتَ الـکاف والـهاء والـیاء عمدتَ بـ «إیّا»، فصار کلّـه کالشیء‏‎ ‎‏الـواحد‏‎[6]‎‏. انتهیٰ ما أردنا نقلـه.‏

‏وأیضاً یظهر هذا من الـراغب حیث قال: و «إیّا» لـفظ موضوع؛ لـیتوصّل‏‎ ‎‏بـه إلـیٰ الـضمیر الـمنصوب إذا انقطع عمّا یتّصل بـه‏‎[7]‎‏. انتهیٰ.‏

فبالجملة:‏ هذا ما کان یخطر ببالی الـقاصر، ولنعم الـوفاق. وهنا بعض‏‎ ‎‏نکات اُخر لا خیر فی الـغور فیها.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 5

  • )) الصحاح 6 : 2545 .
  • )) راجع لسان العرب 1 : 284 .
  • )) راجع الصحاح 6 : 2545، ولسان العرب 1 : 284.
  • )) البحر المحیط 1 : 23 .
  • )) راجع تحریرات فی الاُصول 1 : 98 ومابعدها .
  • )) الصحاح 6 : 2546 .
  • )) المفردات فی غریب القرآن : 34 .