سورة البقرة

البحث الرابع : حول أن النفس فی وحدته کلّ القویٰ

البحث الرابع

‏ ‏

حول أنّ النفس فی وحدته کلّ القویٰ

‏ ‏

‏من الـمسائل الـخلافیـة مسألـة أنّ الإنسان لـه هویّـة واحدة ذات‏‎ ‎‏نشآت ومقامات وتجلّیات، وهو فی وحدتها کلّ الـقویٰ‏‎[1]‎‏، وهی تبتدئ أوّلاً من‏‎ ‎‏أدنیٰ الـمنازل، وترتقی الـیٰ درجـة الـعقل تدریجاً یسیراً یسیراً، والـیٰ‏‎ ‎‏الـوحدة الـظلّیـة للوحدة الإلهیـة، وهی بذاتها قوّة عاقلـة إذا رجعت الـیٰ‏‎ ‎‏موطنها الأصلی، وهی الـقوّة الـحیوانیـة علیٰ مراتبها من حدّ الـتخیّـل؛ أی‏‎ ‎‏حدّ الإحساس بالـلمس، وهی ‏‏[‏‏أدنیٰ‏‎ ‎‏]‏‏مرتبـة الـحیوانیـة فی الـسَّفال، وهی‏‎ ‎‏الـقوّة الـنباتیـة علیٰ مراتبها الـتی أدناها الـغاذیـة، وأعلاها الـمولّدة، وهی ـ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 201
‏أیضاً ـ ذات قوّة محرّکـة طبـیعیـة قائمـة بالـبدن، وتکون الـنفس الـناطقـة ـ‏‎ ‎‏وهی الـقلب ـ رئیستها، وتلک الـقویٰ خُدّامها ومسخّرة لها، والـقلب متصرّف‏‎ ‎‏فیها، وقد خُلقت مجبولـة علیٰ طاعـة الـقلب؛ لا تستطیع لـه خلافاً، ولا علیـه‏‎ ‎‏تمرّداً، فإذا أمر الـعین بالانفتاح انفتحت، وإذا أمر الرِّجْل بالـحرکـة تحرّکت،‏‎ ‎‏واذا أمر الـلسان بالـکلام تکلّم، وکذلک سائر الأعضاء والـحواسّ، وتسخیرها‏‎ ‎‏للقلب یشبـه تسخیر الـملائکـة للّٰه تعالـیٰ ‏‏«‏لاَ یَعْصُونَ اللّٰهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ‎ ‎مَا یُؤْمَرُونَ‏»‏‏. هذا هو قول الـحکماء الـعظام.‏

‏وفی حذائهم من یقول: إنّ الإنسان هی الـنفس الـعاقلـة، وسائر‏‎ ‎‏الـمقامات اُمور عارضـة لها؛ من مبدأ حدوثها الـیٰ آخر دهرها؛ حتّیٰ یکون‏‎ ‎‏الـبدن وقواه بالـنسبـة الـیها کآلات ذوی الـصنائع؛ من حیث لا مدخل لها فی‏‎ ‎‏حقیقتها ونحو وجودها، بل فی تتمیم أفعالـها، فإن کان یرجع هذا الـیٰ أنّ‏‎ ‎‏شیئیـة الـشیء بکمالـه، وکمال الـنفس هی مرتبـة الـعاقلـة، لا مرتبـة‏‎ ‎‏الـعاملـة، فهو فی غایـة الـجودة، فإنّ ما دونها فانیـة فیها فناء الـمظهر فی‏‎ ‎‏الـظاهر، وإلاّ فهی فی نهایـة الـسخافـة.‏

‏وفی مقابلهما قول من یظنّ: أنّ الـجوهر الـنفسانی روحانی الـحدوث‏‎ ‎‏والـبقاء، وتلک الـقویٰ والأعضاء أسباب رفع الـحجب بظهور کمالاتها.‏‎ ‎‏وبالـجملـة: لها الـرئاسـة الـقطعیـة علیها.‏

والـیٰ هذا الـخلاف یؤمی‏ أحیاناً قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏خَتَمَ اللّٰهُ عَلَیٰ قُلُوبِهِمْ‎ ‎وَعَلَیٰ سَمْعِهِمْ‏»‏‏، فإنّ الـظاهر منـه أنّ انطباع الـقلب کان یکفی عن انطباع‏‎ ‎‏قواه، فإذا کانت الآیـة تفید استقلالها فی الانطباع والـغشاوة، یعلم استقلالها فی‏‎ ‎‏الـوجود وتباینها بالـنوع مع الـنفس إذا کانت متباینـة بالـشخص؛ علیٰ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 202
‏الـخلاف الـمعروف فی مسألـة تباین الـقویٰ بعضها مع بعض، والـکلّ مع‏‎ ‎‏الـنفس. فبالـجملـة: یستظهر من الـکتاب الإلهی أنّ الـسامعـة والـباصرة فی‏‎ ‎‏عرض الـناطقـة والـقلوب الـعاقلـة، لا فی طولها وخدمتها.‏

أقـول :

‏أوّلاً:‏‏ قد احتملنا ـ فی بحوث الـبلاغـة ـ أن تکون الآیـة بالـنسبـة الـیٰ‏‎ ‎‏انطباقها علیٰ الـذین کفروا وعلیٰ الـذین لا یؤمنون؛ علیٰ سبـیل منع الـخُلُوّ، لا‏‎ ‎‏الـمنفصلـة الـحقیقیـة، فلا یصحّ الاستدلال الـمزبور؛ لأنّ الـذین طبع اللّٰه‏‎ ‎‏علیٰ سمعهم غیر الـذین طبع اللّٰه علیٰ قلوبهم إمکاناً لا وجوباً.‏

وثانیاً:‏ لأحد أن یستظهر من الـکریمـة اشتداد الـطبع، أو أنّ الـمتکلّم‏‎ ‎‏فی مقام إفادة شدّة الانحراف الـیٰ حدّ الاستغراق فی بحار الـظلمات، فلم تبقَ‏‎ ‎‏لهم قلوب یفقهون بها، ولا آذان یسمعون بها، ولا أبصار یُبصرون بها، بل هم‏‎ ‎‏لأجل هذه الانحطاطات فی الـعذاب الـعظیم خالـدون، ولا تدلّ الآیـة علیٰ‏‎ ‎‏شیء من تلک الـمسائل نفیاً ولا إثباتاً.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 203

  • )) راجع الأسفار 8 : 221 ـ 228 ، وشرح المنظومة (قسم الفلسفة) : 314 ـ 315 .