البحث الرابع
تقدیم القلب علی السمع والسمع علی البصر
قیل فی وجـه تقدیم الـقلب علیٰ الـسمع، والـسمع علیٰ الـبصر: أنّ الآیـة تقریر لعدم الإیمان، فناسب تقدیم الـقلوب؛ لأنّها محلّ الإیمان، والـسمع والأبصار طرق وآلات لـه، وأنّ الـسمع أقویٰ وجوداً من الـبصر، ولذلک یقدّم علیـه فی الـکتاب.
وممّا یشهد علیٰ أقوائیـة وجوده: أنّ شرائط الاستماع أقلّ من شرائط الأبصار، فإنّـه یسمع الإنسان لیلاً ونهاراً، ولا یبصر إلاّ نهاراً، ویسمع الإنسان من کلّ جانب، ولا یبصر إلاّ عند الـمواضع الـخاصّـة والـمقابلـة الـمخصوصـة. وقد ذکرنا وجوهاً اُخر فی تعالـیقنا علیٰ بعض الـکتب الـعقلیـة.
ولک أن تقول: قُدّم الـقلب لأنّـه إذا خُتم علیـه یکون الأعضاء الـتابعـة للرئیس مختوماً علیها بالـطبع والـتبع، ولا یُطبع علیها استقلالاً؛ لأنّها الـوجودات الـفانیـة فی تلک الـقوّة الأصلیـة الـساریـة الـرئیسـة.
وإن شئت قلت: نسبـة الـقلب الـیٰ الـسمع والـبصر نسبـة إیجاب، ونسبـة الأعضاء والـحواسّ الـیـه نسبـة إعداد، فإن کان الـمتکلّم فی موقف الـبحوث الإدراکیـة الـعقلیـة، فیلاحظ الـقلب أوّلاً، وإذا کان فی موقف
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 186
الـبحوث الـعملیـة والـعلوم الأفعالـیـة کالأخلاقیّـات، یقدّم الـقُویٰ الإعدادیـة علیٰ الـقُویٰ الإیجابیـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 187