سورة البقرة

أنحاء القراءة واختلافها

أنحاء القراءة واختلافها

‏ ‏

‏1 ـ أجمع الـقُرّاء الـسبعـة علیٰ کسر الـغین وضمّ الـتاء، وروی عن‏‎ ‎‏بعض الـقُرّاء فتح الـغین، وعن الـحسن ضمّ الـغین، وحُکی عن الـمفضل‏‎ ‎‏وإسماعیل بن مسلم والـعاصم فی الـشواذّ: غشاوةً بنصب الـتاء، ولا یُقرأ‏‎ ‎‏بجمیع ذلک، خلافاً لبعضهم کما یأتی‏‎[1]‎‏.‏

‏2 ـ قرأ ابن أبی عیلـة: «أسماعهم»، وقالـوا: الإمالـة فی «أبصارهم»‏‎ ‎‏جائزة، وقد قرأ بها، وقد غلبت الـراء الـمکسورة حرف الاستعلاء؛ إذ لولاها لما‏‎ ‎‏جازت الإمالـة‏‎[2]‎‏.‏

‏والـمحکی عن أصحاب عبداللّٰه: فتح الـغین ونصب الـتاء أیضاً وسکون‏‎ ‎‏الـشین، وعبـید بن عمیر مثلهم، إلاّ أنّـه رفع الـتاء.‏

‏وقرء بعضهم: «غِشوةٌ» بالـکسر والـرفع، وبعضهم «غُشوة»، وهی قراءة‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 168
‏أبی حیاة، وعن الأعمش: أنّـه قرأ بالـفتح والـرفع والـنصب‏‎[3]‎‏.‏

‏3 ـ عن الـثوری: کان أصحاب عبداللّٰه یقرؤونها «غَشیَةٌ» بفتح الـغین‏‎ ‎‏والـیاء والـرفع، وقال یعقوب: «غُشوة» بالـضمّ لغـة، ولم یؤثرها عن أحد من‏‎ ‎‏الـقُرّاء، وقال بعض الـمفسّرین: «الـغِشاوة» کالـعِمامـة والـصِّمامـة والعِصابـة‏‎ ‎‏والـرِیانـة وغیر ذلک؛ کلّها لأجل کونها تجیء للاشتمال تکون هکذا‏‎[4]‎‏.‏

‏4 ـ حکی عن بعضهم «غِشاوةٌ» بالـعین الـمهملـة الـمکسورة والـرفع،‏‎ ‎‏من الـعَشیٰ، وهو شبـه الـعمیٰ فی الـعین‏‎[5]‎‏.‏

‏5 ـ قیل: الـوقف علیٰ «قلوبهم»، وقیل: الـوقف علیٰ «غشاوة»؛ لاشتراک‏‎ ‎‏الـکلّ فی الـتغشّی. وقال ابن کیسان: یجوز «غَشوة» بالـفتح، و«غُشوة»‏‎ ‎‏بالـضمّ، و«غِشوة» بالـکسر، وأجودها «غِشاوة» بالـکسر‏‎[6]‎‏.‏

أقول:‏ لو کان هذا الـتلاعب الـمشاهد عن هؤلاء الـجهلـة جائزاً، لکان‏‎ ‎‏لنا أیضاً اختیار طریق إبداعی فی قراءة کتاب اللّٰه، فنقرأ: «حتم اللّٰه» بالـحاء،‏‎ ‎‏و«علیٰ قلبهم» مفرداً، و«بصرهم» مفرداً، وبدون تکرار الـجارّ، وبناء علیٰ‏‎ ‎‏الـوقف علیٰ «قلوبهم» کانت الاُولیٰ هکذا: «ختم اللّٰه علیٰ قلوبهم وعلیٰ سمعهم‏‎ ‎‏وابصارهم»، وأن نقرأ هکذا: «وعذاب لهم عظیم»، وهکذا.‏

‏ومن الـعجیب: أنّ أرباب الـحدیث کانوا یحافظون علیٰ قراءة الأحادیث‏‎ ‎‏حتّیٰ لا تختلف الـروایـة حسب الـقراءة، وأمّا بالـنسبـة الـیٰ الـقرآن فکان‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 169
‏الأمر بهذا الـعرض الـعریض.‏

فعلیهم ما علیهم،‏ لأجل الإضرار الـذی رخّصوه فی حقّ الـکتاب‏‎ ‎‏الإلهی؛ ذاهلین عن سرایـة هذا الـنحو من الـتحریف الـیٰ سائر الأقسام منـه؛‏‎ ‎‏حتّیٰ یتمکّن بعض الـقاصرین من الاعتقاد بـه نقصاناً، واحتمال الـتحریف‏‎ ‎‏زیادة، ولیس هذا الـتجاسر إلاّ ناشئاً عن تلک الـعثرة، ولا یکون الـقول‏‎ ‎‏بالـتحریف الـممنوع إلاّ ترشّحاً عن مثل هذا الانحراف الـجائز عند الـکلّ.‏‎ ‎‏وغیر خفیّ أنّ الـقارئین الذین قتل منهم فی یوم واحد فی وقعة بئر معونة‏‎ ‎‏سبعون لیسوا إلاّ من أبناء الـعامّـة حسب ما یظهر لی الآن ولحدّ الـساعـة‏‎ ‎‏والـزمان، کما أنّ الـقائلین بالـتحریف بالـنقیصـة الـممنوعـة أکثرهم من أبناء‏‎ ‎‏الـخاصّـة آخذین بالأخبار الـمدسوسـة من قبل أعداء الإسلام، وفیهم بعض‏‎ ‎‏الـفرق الإسلامیـة الأباطیل.‏

‏کما أنّ من الـعجیب تجویز فقهائنا الـمدقّقین الاتّکال علیٰ قراءة‏‎ ‎‏الـقُرّاء، والاجتزاء بالـقراءات الـمختلفـة، وقد رخّص بعضهم فی الاکتفاء‏‎ ‎‏بالـقراءات الاُخـر‏‎[7]‎‏.‏

‏وکلّ ذلک انحراف عن جادّة الـحقّ والـصراط الـسویّ، وقد تبـیّـن فیما‏‎ ‎‏سلف، ویتبـیّـن ـ إن شاء اللّٰه تعالـیٰ ـ فی الـموقف الأنسب: أنّ الـتجاوز عن‏‎ ‎‏هذه الـنسخـة الـموجودة بین أیدینا من الـکتاب الإلهی ـ الـتی هی الـنسخـة‏‎ ‎‏الـمشهورة من الـسلف حسب الـتاریخ الـقطعی، وهی الـنسخـة الـتی کانت‏‎ ‎‏متعارفـة من الـعصر الأوّل وعصر الـنبی الأعظم والأمیر الأفخم ـ غیر جائز‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 170
‏عندنا، وقضیّـة تواتر الـقراءات من الأکاذیب الـواضحـة، کالـنار علیٰ الـمنار،‏‎ ‎‏أو کالـشمس فی رابعـة الـنهار، فصرف الـوقت فی توضیح إعراب هذه‏‎ ‎‏الـقراءات من الـلغو الـمنهیّ عنـه جدّاً.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 171

  • )) راجع تفسیر التبیان 1 : 64 ، والبحر المحیط 1 : 405 .
  • )) الکشّاف 1 : 53 ، التفسیر الکبیر 2 : 53 .
  • )) البحر المحیط 1 : 49 / السطر 28 ـ 29 .
  • )) راجع البحر المحیط 1 : 49 .
  • )) البحر المحیط 1 : 49 / السطر 32 .
  • )) الجامع لأحکام القرآن 1 : 191 ـ 192 .
  • )) راجع العروة الوثقیٰ 1 : 502 .