سورة البقرة

المسألة السادسة : حول کلمة «العذاب»

المسألة السادسة

‏ ‏

حول کلمة «العذاب»

‏ ‏

‏«الـعذاب» : کلّ ما شقّ علیٰ الإنسان، ومنعـه عن مراده، جمعـه: أعذبـة‏‎ ‎‏«الأقرب»‏‎[1]‎‏، والـعذاب: الـنکال والـعقوبـة، وعن بعض أهل الاشتقاق: أنّ‏‎ ‎‏الـعذاب فی کلام الـعرب من الـعذب، وهو الـمنع، یقال عذبتـه عنـه؛ أی‏‎ ‎‏منعتـه وعَذُب عُذوباً؛ أی امتنع، وسُمّی الـماء الـحلو عذباً؛ لمنعـه الـعطش،‏‎ ‎‏والـعذابُ عذاباً؛ لمنعـه الـمعاقب من عوده لمثل جرمـه، ومنعـه غیره عن مثل‏‎ ‎‏فعلـه‏‎[2]‎‏. انتهیٰ.‏

‏وفی الـراغب: الـعذاب الإیجاع الـشدید، وقد عذّبـه تعذیباً: أکثر‏‎ ‎‏حبسـه فی الـعذاب ... الـیٰ أن قال: واختُلف فی أصلـه، فقال بعضهم: هو من‏‎ ‎‏قولهم: عذب الـرجل إذا ترک الـمأکل والـنوم، فهو عاذب وعَذوب، فالـتعذیب‏‎ ‎‏ـ فی الأصل ـ هو حمل الإنسان أن یعذب؛ أی یجوع ویسهر ... الـیٰ أن قال:‏‎ ‎‏وقیل: أصلـه إکثار الـضرب بعذبـة الـسوط أی طرفها‏‎[3]‎‏. انتهیٰ.‏

‏ویؤیّد الأخیر ما عن الـکلّیات: کلّ عذاب فی الـقرآن فهو الـتعذیب إلاّ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 163
‏«‏وَلْیَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ‏»‏‎[4]‎‏ فإنّ الـمراد هو الـضرب‏‎[5]‎‏. انتهیٰ.‏

‏ولا یخفیٰ ما فیـه. وفی صحّـة جمعـه علیٰ «الأعذبـة» إشکال؛ لأنّـه‏‎ ‎‏قول الـزجّاج‏‎[6]‎‏، وعن «الـقاموس»: أنّـه لا یُجمع، وما قالـه الـزجّاج علیٰ‏‎ ‎‏قیاس طعام وأطعمـه‏‎[7]‎‏.‏

وممّا یخطر بالـبال :‏ أنّ «عذاب» مصدر باب الـتفعیل ککلام، ولا یکون‏‎ ‎‏اسماً، ولا یحتاج الـیٰ الـمناسبات الـمذکورة الـمختلِف فیها أربابُ الـذوق‏‎ ‎‏وأصحاب الـمحافل وهذا ما یُستنبط من موارد الاستعمالات ومن تنبـیهات‏‎ ‎‏أهل الـلغـة.‏

‏والـتعذیب: هو الـحبس والـمنع، فکون الـعذاب بمعنیٰ الإیجاع زائداً‏‎ ‎‏علیٰ الـوجع الآتی من الـحبس والـمنع، أو بمعنیٰ الـضرب، غیر صحیح، فلو‏‎ ‎‏مُنع الـرجل من الـمکیّـفات والـکمالـیّـات الـحیاتیـة، فهو من الـعذاب، وهو‏‎ ‎‏فی الـعذاب، وإذا مُنع عن الانطلاق والـحُرّیـة فهو فی الـعذاب والـمنع، وإذا‏‎ ‎‏ضُرب الـرجل من غیر أن یُمنع عن شیء ویحبس، فلا یکون فی الـعذاب، وإذا‏‎ ‎‏اُدخل فی الـنار ومنع شدیداً عن الـخروج عنها، فهو فی الـعذاب الـعظیم؛‏‎ ‎‏لأجل ممنوعیتـه عن الـخروج، لا لأجل کونـه فی الـنار.‏

‏ویؤیّد ذلک: قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِیداً أوْ لَأَذْبَحَنَّهُ‏»‏‎[8]‎‏، وفی‏‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 164
‏بعض الأخبار: «أنّـه سُئل سُلیمان: کیف الـتعذیب وراء الـذبح؟ فقال:‏‎ ‎‏لأحبسنّـه مع ما لیس من نوعـه فی حبس واحد».‏

‏ولکن مع ذلک کلّـه لابدّ من الالتزام بمعنیً آخر لـه، ویؤیّده قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏وَلْیَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ‏»‏‎[9]‎‏، وسیمرّ علیک تمام الـکلام ـ إن شاء اللّٰه‏‎ ‎‏تعالـیٰ ـ فی موضع آخر، فتأمّل.‏

وإجماله:‏ أنّ من الـممکن أن یصیر الـعذاب ـ لـکثرة الاستعمال فی‏‎ ‎‏الـمنع الـمقرون بنوع من الـتعذیب والإیجاع والألم وإیصال الـعقوبـة‏‎ ‎‏والـنکال ـ حقیقـة فیـه؛ حقیقـة اکتسابیـة ثانویـة، أو أنّ الـمراد من الـعذاب‏‎ ‎‏فی هذه الآیـة أیضاً ـ حسب الإرادة الاستعمالـیـة ـ هو الـمنع، وإن کان‏‎ ‎‏الـمراد الـجدّی هو الألم الـواقع علیٰ الـزانی والـزانیـة من الـجَلْد‏‎ ‎‏والـتحدید.‏

ومن عجیب ما قیل فی المقام:‏ أنّ الـعذاب أصلـه الاستمرار وإن اختلف‏‎ ‎‏متعلّق الاستمرار، ثمّ اتّسع فیـه فسُمّی بـه کلّ استمرار ألم، واشتقّوا منـه،‏‎ ‎‏فقالـوا: عذّبتـه؛ أی داولت علیـه الألم‏‎[10]‎‏. انتهیٰ ما تخیّـلـه أبو حیان. وأنت قد‏‎ ‎‏عرفت أنّـه لم یُعهد أن یجیء الـعذاب بمعنیٰ الاستمرار لغـة.‏

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 165

  • )) أقرب الموارد 2 : 755 .
  • )) تاج العروس 1 : 370 .
  • )) المفردات فی غریب القرآن : 327 .
  • )) النّور (24) : 2 .
  • )) أقرب الموارد 2 : 755 .
  • )) تاج العروس 1 : 370 .
  • )) راجع تاج العروس 1 : 370 ، والقاموس المحیط 2 : 156 .
  • )) النّمل (27) : 21 .
  • )) النّور (24) : 2 .
  • )) البحر المحیط 1 : 46 / السطر 8 .