المسألة السادسة
حول کلمة «العذاب»
«الـعذاب» : کلّ ما شقّ علیٰ الإنسان، ومنعـه عن مراده، جمعـه: أعذبـة «الأقرب»، والـعذاب: الـنکال والـعقوبـة، وعن بعض أهل الاشتقاق: أنّ الـعذاب فی کلام الـعرب من الـعذب، وهو الـمنع، یقال عذبتـه عنـه؛ أی منعتـه وعَذُب عُذوباً؛ أی امتنع، وسُمّی الـماء الـحلو عذباً؛ لمنعـه الـعطش، والـعذابُ عذاباً؛ لمنعـه الـمعاقب من عوده لمثل جرمـه، ومنعـه غیره عن مثل فعلـه. انتهیٰ.
وفی الـراغب: الـعذاب الإیجاع الـشدید، وقد عذّبـه تعذیباً: أکثر حبسـه فی الـعذاب ... الـیٰ أن قال: واختُلف فی أصلـه، فقال بعضهم: هو من قولهم: عذب الـرجل إذا ترک الـمأکل والـنوم، فهو عاذب وعَذوب، فالـتعذیب ـ فی الأصل ـ هو حمل الإنسان أن یعذب؛ أی یجوع ویسهر ... الـیٰ أن قال: وقیل: أصلـه إکثار الـضرب بعذبـة الـسوط أی طرفها. انتهیٰ.
ویؤیّد الأخیر ما عن الـکلّیات: کلّ عذاب فی الـقرآن فهو الـتعذیب إلاّ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 163
«وَلْیَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ» فإنّ الـمراد هو الـضرب. انتهیٰ.
ولا یخفیٰ ما فیـه. وفی صحّـة جمعـه علیٰ «الأعذبـة» إشکال؛ لأنّـه قول الـزجّاج، وعن «الـقاموس»: أنّـه لا یُجمع، وما قالـه الـزجّاج علیٰ قیاس طعام وأطعمـه.
وممّا یخطر بالـبال : أنّ «عذاب» مصدر باب الـتفعیل ککلام، ولا یکون اسماً، ولا یحتاج الـیٰ الـمناسبات الـمذکورة الـمختلِف فیها أربابُ الـذوق وأصحاب الـمحافل وهذا ما یُستنبط من موارد الاستعمالات ومن تنبـیهات أهل الـلغـة.
والـتعذیب: هو الـحبس والـمنع، فکون الـعذاب بمعنیٰ الإیجاع زائداً علیٰ الـوجع الآتی من الـحبس والـمنع، أو بمعنیٰ الـضرب، غیر صحیح، فلو مُنع الـرجل من الـمکیّـفات والـکمالـیّـات الـحیاتیـة، فهو من الـعذاب، وهو فی الـعذاب، وإذا مُنع عن الانطلاق والـحُرّیـة فهو فی الـعذاب والـمنع، وإذا ضُرب الـرجل من غیر أن یُمنع عن شیء ویحبس، فلا یکون فی الـعذاب، وإذا اُدخل فی الـنار ومنع شدیداً عن الـخروج عنها، فهو فی الـعذاب الـعظیم؛ لأجل ممنوعیتـه عن الـخروج، لا لأجل کونـه فی الـنار.
ویؤیّد ذلک: قولـه تعالـیٰ: «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِیداً أوْ لَأَذْبَحَنَّهُ»، وفی
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 164
بعض الأخبار: «أنّـه سُئل سُلیمان: کیف الـتعذیب وراء الـذبح؟ فقال: لأحبسنّـه مع ما لیس من نوعـه فی حبس واحد».
ولکن مع ذلک کلّـه لابدّ من الالتزام بمعنیً آخر لـه، ویؤیّده قولـه تعالـیٰ: «وَلْیَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ»، وسیمرّ علیک تمام الـکلام ـ إن شاء اللّٰه تعالـیٰ ـ فی موضع آخر، فتأمّل.
وإجماله: أنّ من الـممکن أن یصیر الـعذاب ـ لـکثرة الاستعمال فی الـمنع الـمقرون بنوع من الـتعذیب والإیجاع والألم وإیصال الـعقوبـة والـنکال ـ حقیقـة فیـه؛ حقیقـة اکتسابیـة ثانویـة، أو أنّ الـمراد من الـعذاب فی هذه الآیـة أیضاً ـ حسب الإرادة الاستعمالـیـة ـ هو الـمنع، وإن کان الـمراد الـجدّی هو الألم الـواقع علیٰ الـزانی والـزانیـة من الـجَلْد والـتحدید.
ومن عجیب ما قیل فی المقام: أنّ الـعذاب أصلـه الاستمرار وإن اختلف متعلّق الاستمرار، ثمّ اتّسع فیـه فسُمّی بـه کلّ استمرار ألم، واشتقّوا منـه، فقالـوا: عذّبتـه؛ أی داولت علیـه الألم. انتهیٰ ما تخیّـلـه أبو حیان. وأنت قد عرفت أنّـه لم یُعهد أن یجیء الـعذاب بمعنیٰ الاستمرار لغـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 165