الجواهر و الأعراض

فصل (2) فی إثباتها من جهة مبدأیتها للحرکات و الآثار

فصل (2) فی إثباتها من جهة مبدأیتها للحرکات و الآثار

‏ ‏

قوله:‏ لإعراضهم عن الـحکمـة.‏‏[‏‏5 : 159 / 2‏‏]‏

‏و لعمری إنّـه قد وقع الـخلـط الـعظیم لأصحاب الـحکمـة بین ما هو‏‎ ‎‏الـحکمـة الـحقیقیـة، و بین ما هو الـحکمـة الـمجازیـة. فما فی هذا الـکتاب‏‎ ‎‏أکثرُها الـحکمةُ بالـمعنیٰ الـثانی دون الأوّل. أفلا تریٰ أنّ مباحث الـجواهر و‏‎ ‎‏الأعراض کلّها باطلـة عند حکماء الـیوم، و کثیر من مباحث الـماهیات غیر‏‎ ‎

کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [ص‍درال‍دی‍ن ش‍ی‍رازی ]صفحه 553
‏صحیحـة عندهم.‏

‏ثمّ کیف یحکم هو بأنّـه حکمـة و غیره بأنّـه حکمـة مع أنّهما فی الـرأی‏‎ ‎‏نقیضان؟! فالـحکمـة تؤتیٰ من قبل الله تعالـیٰ و هو لا یحصل بهذه الأبحاث‏‎ ‎‏الـجدلیـة الـغیر الـموصلـة إلـیٰ دار الـحیوان و الآخرة، و إلاّ فأوّل الـحکماء‏‎ ‎‏هو الـفخر؛ لأنّـه أدقّ من غیره، فکان ینبغی أن یوصف مباحثُ الـمبدأ و‏‎ ‎‏الـمعاد بالـحکمـة بشرط حصولها من الـعالـم الأعلـیٰ بتوسّط الـریاضات و‏‎ ‎‏الـعبادات لا بالـتدبّر الـعلـمی الـذی هو أکبر الـحجب.‏

‏فلله الـحمد أن وفّقنا لأن ننظر إلـیٰ هذه الـمباحث نظر الآیس من‏‎ ‎‏الـوصول بها إلـیٰ الله، و نظر الـغضیب من الـبلوغ إلـیٰ غایـة الـقصویٰ و‏‎ ‎‏هو الـفناء الـذاتی، و لا یحصل إلاّ بما حصل لنبیّنا محمّد ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏فجمیع‏‎ ‎‏الـمباحث الـعلـمیـة الـتی یتحصّل من هذه الـکتب لا یُثمِن و لا یُغنی من‏‎ ‎‏جوع، فافهم و اغتنم.‏

من العبد السیّد مصطفیٰ الخمینی عفی عنه

قوله:‏ و لغفلـة أکثر الـناس.‏‏[‏‏5 : 162 / 21‏‏]‏

أقول:‏ و الإنصاف  أنّ هذه الـمسألـة من عویصات الـمسائل الـحکمیـة،‏‎ ‎‏و حلّها کان علیٰ عهدتـه و لم یتعرّض لتفصیلها. و ما قیل هنا لا یکفی بعدما‏‎ ‎‏صرّح مراراً بأنّ الـطبیعـة الـجسمیـة تتحرّک إلـیٰ الـطبیعـة الـنوعیـة ثمّ‏‎ ‎‏تستکمل بها، فالـطبائع مع الـنوعیـة تحصل بالـحرکـة و لیست من‏‎ ‎‏الإبداعیات.‏

‏فعلـیٰ هذا مجرّد احتیاج الـجنس إلـیٰ الـفصل لا یقتضی احتیاج کلّ‏‎ ‎‏صورة جسمیـة إلـیٰ کلّ فصل، بل الـصورة الـجسمیـة بالـقیاس إلـیٰ الـفصل‏‎ ‎


کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [ص‍درال‍دی‍ن ش‍ی‍رازی ]صفحه 554
‏الـتالـی غیر محتاج بالـفعل. فمن أیّـة جهـة کانت الـحصّةُ لتلـک الـصورة دون الـصورة الاُخریٰ؟ و لعمری إنّ الـحلّ غیر میسور إلاّ بإرجاع ذلک إلـیٰ‏‎ ‎‏الإبداع، و تفصیلـه خارج عن وضع الـکتاب.‏

من العبد السیّد مصطفیٰ الخمینی عفی عنه

قوله:‏ لم یحصل تلـک الآثار من الأجسام.‏‏[‏‏5 : 165 / 19‏‏]‏

أقول:‏ و أنت بعد الـتدبّر فی کلامـه صدراً و ذیلاً تریٰ أنّـه لا یرجع إلـیٰ‏‎ ‎‏برهان متین بل هو مجرّد الإحالـة إلـیٰ الآثار، و اختلافُها یدلّ علـیٰ اختلاف‏‎ ‎‏الـمبادئ و اختلاف الـمبادئ لیست بالأعراض لـکون الآثار أقویٰ من الآثار‏‎ ‎‏الـسابقـة. فیعلـم أنّ لـه جهـة تقویم فیثبت الـصورة الـجسمیـة و الـنوعیـة،‏‎ ‎‏بل یثبت جوهریتهما و هو الـمطلـوب.‏

‏ولـکن کما لا یمکن إبداع الآثار إلاّ بتوسیط الـوسائط الـمادّیـة فی هذه‏‎ ‎‏الاُمور، لا یمکن تودیع الـحقائق الـجوهریـة إلاّ بتوسیط الـوسائط. و ما هو‏‎ ‎‏الـواسطـة لحصول الـصورة الـنوعیـة فی قوس الـصعود هو الـصورة‏‎ ‎‏الـجسمیـة، فهو أقویٰ من الـصورة الـنوعیـة، مع أنّ الأمر عندهم عکس ذلک.‏‎ ‎‏فما اتّفقوا علـیـه غیر تمام، مع أنّ الـمطالـبـة من جهـة الاختصاص تعود أیضاً‏‎ ‎‏و لا جواب یرفع بـه الإشکال.‏

‏فتحصّل: أنّ الـصورة الـنوعیـة یحتاج إلـیٰ الـوسائط، و الـواسطـة‏‎ ‎‏أقویٰ من ذی الـواسطـة مع أنّ الأمر بالـعکس فلـیس فی الـدار أثر من‏‎ ‎‏الـصورة الـنوعیـة، فلـیتدبّر.‏

من العبد السیّد مصطفیٰ الخمینی عفی عنه

 

کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [ص‍درال‍دی‍ن ش‍ی‍رازی ]صفحه 555