إفاضة : حول الأمر بین الأمرین
من الـممکن أن تکون الآیـة هکذا: إنّ الـذین کفروا سواء أنذرتهم یامحمّد أم لم تُنذرهم لایؤمنون لأجل انذارک، وأمّا أنّهم لایؤمنون مطلقاً فلایُستفاد من الـکتاب، فیسقط الاستدلال.
ومن إسناد الـفعل الـیـه صلی الله علیه و آله وسلم ومن إسناد الـکفر الـیهم ـ خذلهم اللّٰه تعالـیٰ ـ یثبت الاختیار، وینتقض قول الـمجبّرة والـقدریـة، ومن إثبات الـتسویـة بین الإنذار والـلاإنذار یستشمّ قول الـمعتزلـة والـمفوضّـة.
ومن انضمام قولـه تعالـیٰ: «إِنَّکَ لاَتَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ» الـیٰ هذه الآیـة، یستظهر أنّ إنذاره صلی الله علیه و آله وسلم وعدم إنذاره متساوی الـنسبـة الـیٰ الـکفّار وغیر الـکفّار، فالـذین کفروا لایؤمنون بإنذارک والـذین آمنوا أیضاً لایؤمنون بإنذارک، ومقتضیٰ الـجمع بین هذه الـمقتضیات الـمختلفـة والآثار الـمتشتّـتـة، ثبوت الـحدّ الـوسط والـقول الـعدل، وهی مقالـة الإمامیّـة، وعلیها بعض أبناء الـتحقیق من الـعامّـة، وهی الأمر بین الأمرین، وهو أنّ الـعلل الـمتوسّطـة فی الـنظام الإلهی علل إعداد، والـعلّـة الـمفیضـة هی
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 132
الـعلّـة الاُولیٰ والـحقّ الأوّل، وضرورة أنّ الـنسبـة الـیٰ علّـة الإفاضـة أقویٰ بمراتب من الـنسبـة الـیٰ الـعلل الإعدادیـة، إلاّ أنّ الـفیض لایصل الـیٰ الـمتأخّر بدون تلک الـوسائط الإعدادیـة.
فالـقول بأنّ الـصغریٰ والـکبریٰ فیحصول الـعلم بالـنتیجـة غیر دخیلـة، قول فی جانب الإفراط، والـقول بأنّ الـعلم الـثالـث معلول الـعلمین الأوّلین إعداداً وإفاضةً، قول فی جانب الـتفریط، والـجاهل: إمّا مُفْرِط أو مُفَرِّط، وأمّا الـصراط الـمستقیم الـخارج عن حدّی الإفراط والـتفریط فقول الـحکماء الـعظام؛ حیث قالـوا:
والـحقُّ أن فاض من الـقدسی الـصُّوَرْ
و إنّما إعداده من الـفِکَرْ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 133