سورة البقرة

حول إعراب «سواء»

حول إعراب «سواء»

‏ ‏

‏یخطر بالـبال فی بدو الـمقال إشکال: وهو أنّ الـظاهر کون «سواء»‏‎ ‎‏مبتدأ وما بعده خبره، والـجملـة فی محلّ الـرفع خبراً لـ «إنّ»، والابتداء‏‎ ‎‏بالـنکرة بلا مسوّغ غیر جائز، ولیس من الـمسوّغات فی الـکلام شیء ظاهر،‏‎ ‎‏ولأجل مثل هذه الـشبهـة قالـوا: فی ارتفاع «سواء» وجهان، بل قولان:‏

أحدهما:‏ ارتفاعـه علیٰ الـخبریـة لـ «إنّ»، والـجملـة الـفعلیـة فی‏‎ ‎‏موضع الـرفع بـه علیٰ الـفاعلیّـة، وکأنّـه قیل: إنّ الـذین کفروا مستوٍ علیهم‏‎ ‎‏إنذارک وعدمـه.‏

الثانی:‏ أن تکون الـجملـة الـفعلیـة فی موضع الابتداء، و«سواء» خبر‏‎ ‎‏مقدّم، والـجملـة خبر لـ «إنّ» ، وقال الـفخر: الـوجـه الـثانی أوجـه؛ لأنّ سواء‏‎ ‎‏اسم لاینزل منزلـة الـفعل إلاّ تأوّلاً‏‎[1]‎‏. انتهیٰ.‏

أقول:‏ قد غفلوا عن الـجملـة الأخیرة ، وهی قولـه تعالـیٰ:‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 112
‏«‏لاَیُؤْمِنُونَ‏»‏‏ ، فإنّ الآیـة کأنّها هکذا: إنّ الـذین کفروا لایؤمنون أنذرتهم أم لم‏‎ ‎‏تُنذرهم، فسواء معنیً اسمی یستفاد من همزة الـتسویـة، ولا حاجـة الـیها فیما‏‎ ‎‏هو الـمقصود فی الآیـة. نعم جیء بها تأکیداً لمعنیٰ الـهمزة، وتکون خبراً حُذف‏‎ ‎‏مبتدؤه، وهو الـضمیر الـمستـتر فیـه؛ لأنّـه بمعنیٰ الـمستوی، کما هو الـظاهر،‏‎ ‎‏فالـمعنیٰ هکذا: إنّ الـذین کفروا لایؤمنون أأنذرتهم أم لم تُنذرهم هو سواء،‏‎ ‎‏والـعجب أنّهم یعتقدون أنّ الـجملـة الـفعلیـة الـتصدیقیّـة فی موضع الـفاعل،‏‎ ‎‏فإنّـه لایمکن إلاّ إذا رجع الـیٰ معنیً تصوّری إفرادی. هذا، مع أنّ مفاد سواء‏‎ ‎‏والـهمزة واحدٌ، فلا معنیٰ لأخذ أحدهما مبتدأً والآخر خبراً لرجوعـه الـیٰ‏‎ ‎‏الـحمل الأوّلی الـغیر الـمتعارف فی الـعلوم والاستعمالات.‏

‏ثمّ إنّ الـمحرَّر لدیٰ الـمحقّقین: جواز الابتداء بالـنکرة إذا کان الـنظر‏‎ ‎‏الـیٰ معنیً لایحصل إلاّ بـه، مثلاً إذا اُرید الإخبار عن أنّ واحداً من جنس‏‎ ‎‏الـرجال خیر من واحد من جنس الـنساء، فیقال: رجل خیر من امرأة، ولکن‏‎ ‎‏فیما نحن فیـه لیس «سواء» مبتدأ؛ لأنّـه لایرید الإخبار عن الـتسویـة، بل یرید‏‎ ‎‏الإخبار عن أنّ الإنذار وعدمـه سواء، فهو بحسب الـواقع خبر وإن کان مقدّماً.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 113

  • )) التفسیر الکبیر 2 : 40 .