سورة البقرة

البحث الرابع : حول عموم الحشر

البحث الرابع

‏ ‏

حول عموم الحشر

‏ ‏

‏فیما سبق منّا تبـیّـن أنّ الـتقویٰ صفـة عامّـة لجمیع الأشیاء، وأنّ کلّ‏‎ ‎‏شیء یصحّ توصیفـه بالـتقویٰ والـتحرّز عن الـتخلّف عن الأوامر الـتشریعیّـة‏‎ ‎‏والـتکوینیّـة، فإذا قالـت الـسماوات والأرض: ‏‏«‏أَتَیْنَا طَائِعِینَ‏»‏‎[1]‎‏ فهو عین‏‎ ‎‏الـتقویٰ والـتجنّب عن الـهویٰ بالـخضوع والـخشوع لدیٰ الـمولیٰ، وهذا‏‎ ‎‏الـکتاب هدیً للمتّقین، والإتیان بصیغـة الـجمع الـمخصوصـة بذوی الـعقول‏‎ ‎‏لیس للتغلیب کما یعتقده الـعوامّ، بل هو لأجل ما تحرّر وتکرّر من ثبوت الـعلم‏‎ ‎‏الـمرکّب لکافّـة الـوحدات الـطبـیعیّـة ‏‏«‏یُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِی السَّمَـٰواتِ

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 51
وَالْأَرْضِ وَالطَّیْرُ صَافَّاتٍ کُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِیحَهُ‏»‏‎[2]‎‏.‏

‏وعلیٰ هذا تکون الأوصاف الـمذکورة صفـة الـمتّقین من جمیع الأنواع‏‎ ‎‏الـمادّیّـة والـروحانیّـة، بل کانت نعت الأسماء والـصفات، ومن تلک الأوصاف‏‎ ‎‏أنّهم بالآخرة یُوقنون، وحیث تکون الآیـة فی موقف یستشمّ منها أنّ الـحشر‏‎ ‎‏ثابت للمتّقین، فیعلم منها ثبوت الـحشر لجمیع الـمتّقین من الأنواع الـمختلفـة.‏

‏نعم بناءً علیٰ بعض الـتقاریب الـماضیـة والـتحاریر الـسالـفـة، کانت‏‎ ‎‏الآیـة فی موقف إفادة مدح الـموقنین بالآخرة؛ سواء کانوا من الـمحشورین أو‏‎ ‎‏من غیر الـمحشورین، وعلیٰ الـتقدیر الـثانی سواء کان عدم حشرهم لعُلُوّ‏‎ ‎‏مقامهم؛ لما أنّهم محشورون فی عالـم الأسماء والـصفات بل والـذوات، أو‏‎ ‎‏لعدم لیاقتهم للحشر، فلتـتدبّر تعرف جدّاً.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ ما هو جهـة الـمدح هو الإیقان بالآخرة وبأصل الـمعاد‏‎ ‎‏والـنشأة الـثانیـة، وأمّا اختلاف الـناس حسب الـحشر وحسب الـمعتقدات،‏‎ ‎‏فهو لایضرّ بذلک حسب هذه الـکریمـة الـشریفـة.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 52

  • )) فصّلت (41) : 11 .
  • )) النّور (24) : 41 .