سورة البقرة

المسألة الخامسة : حول وجود الجنّة والنار

المسألة الخامسة

‏ ‏

حول وجود الجنّة والنار

‏ ‏

ظاهر الآیـة الـشریفـة والأخبار الـمعراجیّـة‎[1]‎‏: أنّ الـدار الآخرة‏‎ ‎‏موجودة بالـفعل، وأنّ الـمتّقین کما یؤمنون بالـغیب وهو موجود بالـفعل،‏‎ ‎‏ویؤمنون بما اُنزل الـیک وما اُنزل من قبلک، وهو الـموجود بالـفعل، کذلک هم‏‎ ‎‏موقنون بالآخرة، وهی الـموجودة بالـفعل فی الـنشآت الـغیـبـیّـة مثلاً، وهذا‏‎ ‎‏هو مقتضیٰ کون «الآخرة» لفظـة موضوعـة للمعنیٰ الـخارجی کالـدنیا، فلابدّ‏‎ ‎‏من أمر یکون حذاءها، وهذا خلاف ما ساقـه أهل الـبرهان: من أنّ الآخرة‏‎ ‎‏والـبرزخ والـدنیا لیست ظرفاً موجوداً، بل هی کلّها من توابع أهل الـدنیا، فلو‏‎ ‎‏لم تکن الأجسام کلاًّ فلایکون شیء یسمّیٰ بالـدنیا، وهکذا إذا لم یکن فی‏‎ ‎‏الـبرزخ موجود برزخیّ لایکون للبرزخ مسمّیً خارجیّ، بل الـبرزخ من توابع‏‎ ‎‏الـموجودین الـمتحرّکین من الـشهادة الـیٰ الـغیب، ولا شیء وراء هؤلاء‏‎ ‎‏الأشخاص وملکاتهم وتوابع ملکاتهم، وهکذا الآخرة، فإنّها لیست شیء وراء‏‎ ‎‏أرباب الـمعاد والـحشر، وأصحاب الـبعث والـنشور، وتجسّمات أعمالـهم‏‎ ‎‏الـحسنـة والـسیّـئـة، وملکاتهم الـفاضلـة والـرذیلـة.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 45
أقول:‏ وبعبارة اُخریٰ: الـجنّـة والـنار إن کانتا فی قوس الـنزول، فلا‏‎ ‎‏معنیٰ لرجوع أهل الـدنیا الـیها؛ للزوم انقطاع الـسیر والـتداخل فی الـقوسین،‏‎ ‎‏وقد قال اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏إِنَّا لِلّٰهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ‏»‏‎[2]‎‏، وإن کانتا فی قوس‏‎ ‎‏الـصعود فلا حقیقـة لهما إلاّ تبعاً لحقیقـة أهل الـجنّـة والـنار، ولأجل أمثال‏‎ ‎‏هذه الـبراهین ذهب کثیر من الـفضلاء الـیٰ إنکار الـجنّـة والـنّار‏‎ ‎‏الـخارجیّـتین.‏

والذی هو الحقّ:‏ أنّ الالتزام بالـجمع بین الـجنّتین والـجهنّمین‏‎ ‎‏الـمتّصلین والـمنفصلین ممکن؛ لأنّ طریق کیفیّـة حصول الـکثرة الـعقلانیّـة‏‎ ‎‏الـنورانیّـة والـکثرة الـبرزخیّـة الـمقداریّـة والـکثرة الـمادیّـة الـظُّلمانیّـة‏‎ ‎‏لیس ما أفاد علماء الـمشّاء والإشراق‏‎[3]‎‏، بل الـحقّ فی هذه الـورطـة مع‏‎ ‎‏أرباب الـیقین والـعرفان وأصحاب الـکشف والإیمان؛ بتفصیل یأتی فی بعض‏‎ ‎‏الـمناسبات إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.‏

‏وعلیٰ ما شرحناه فی قواعدنا الـحَکَمیّـة لا منع من تحقّق الـجنّـة‏‎ ‎‏والـنار فی الـغیب؛ بظهور الأسماء الـمقتضیـة لهما ورجوع أهل الـدنیا‏‎ ‎‏والـمادّة الـیهما؛ علیٰ وجـه مبـیّـن فی محلّـه ومقرّر فی مقامـه، ولایسعنی‏‎ ‎‏الآن أن ندخل فی توضیحـه، واللّٰه الـعالـم بالأسرار والـخفیّـات، والـیٰ هذه‏‎ ‎‏الـمائدة الـعرفانیّـة والـمأدبـة الـملکوتیّـة الإیمانیّـة یشیر قولـه تعالـیٰ:‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 46
‏«‏وَبِالاْخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ‏»‏‏فتأمّل.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 47

  • )) راجع أخبار المعراج إلی علم الیقین 1 : 489 ـ 520 ، وبحار الأنوار 18 : 291 ـ 410 .
  • )) البقرة (2) : 156 .
  • )) راجع الشفاء (قسم الإلهیات) : 528 ـ 538 ، وشرح الإشارات 3 : 243 ـ 263 ، وحکمة الإشراق ، ضمن «مجموعة مصنّفات شیخ إشراق» 2 : 125 ـ 149 .