المبحث الأوّل فیما یتعلّق بماهیّة الصوم

المسألة الثانیة : فی الاشتغال بالأسباب العادیّة لخروج المنیّ

المسألة الثانیة : فی الاشتغال بالأسباب العادیّة لخروج المنیّ

‏ ‏

‏إذا اشتغل فی نهار شهر رمضان بالأسباب الـمنتهیـة عادةً إلـی خروج‏‎ ‎‏الـمنیّ قهراً ـ کالـتقبیل الـمداوم، والـتفخیذ، والـضمّ، والـمباشرة وأمثالـها ـ‏‎ ‎‏یبطل صومـه.‏

‏ویدلّ علیـه مضافاً إلـی الإجماعات فی الـجملـة‏‎[1]‎‏، الـنصوص الـتی‏‎ ‎‏هی تختصّ بهذه الـمسألـة ظاهراً، وهی بکثرتها تدلّ علی الـبطلان.‏

فمنها: ‏ما مرّ من صحیح ابن الـحجاج‏‎[2]‎‏.‏

ومنها: ‏ما رواه ابن أبی عمیر، عن حفص بن سوقـة، عمّن ذکره، عن أبی‏‎ ‎‏عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ فی الـرجل یلاعب أهلـه أو جاریتـه وهو فی قضاء شهر رمضان،‏‎ ‎‏فیسبقـه الـمنیّ فینزل.‏

‏قال: ‏«علیه الکفّارة مثل ما علی الذی جامع فی شهر رمضان»‎[3]‎‏.‏

ومنها: ‏معتبر ابن الـحجّاج أیضاً عن أبی عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ قال: «سألـتـه عن‏‎ ‎‏رجـل یعبث بامرأتـه حتّیٰ یمنی وهو محـرم من غیـر جمـاع، أو یفعـل ذلک‏‎ ‎‏فی شهر رمضان.‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 313
‏فقال ‏‏علیه السلام‏‏: ‏«علیهما جمیعاً الکفّارة مثل ما علی الذی یجامع»‎[4]‎‏.‏

ومنها:‏ معتبر سَماعـة قال: سألـتـه عن رجل لـزق بأهلـه فأنزل.‏

‏قال: ‏«علیه إطعام ستّین مسکیناً، مدٌّ لکلّ مسکین»‎[5]‎‏ ومقتضیٰ هذه‏‎ ‎‏الـطائفـة من الأخبار أنّ الاشتغال بهذه الاُمور، یوجب الـبطلان إذا انتهیٰ إلـی‏‎ ‎‏الإمناء قهراً، وقضیّـة الإطلاق عدم الـفرق بین کون ذلک من الـعادة، أو غیر‏‎ ‎‏عادة بالـنسبـة إلـیٰ شخص الـملاعب الـعابث.‏

‏وهناک طائفـة اُخریٰ یستفاد منها أنّ الإطلاق الـمزبور ممنوع، وتکون‏‎ ‎‏مقیّدة لـها عرفاً:‏

فمنها: ‏ما رواه فی الـمعتبر زرارة ومحمّد بن مسلم جمیعاً، عن أبی‏‎ ‎‏جعفر ‏‏علیه السلام‏‏: أنّـه سئل هل یباشر الـصائم أو یقبّل فی شهر رمضان؟‏

‏فقال: ‏«إنّی أخاف علیه، فلیتنزّه من ذلک، إلاّ أن یثق أن لایسبقه منّیه»‎[6]‎‏.‏

ومنها: ‏معتبر ابن حازم قال، قلت لأبی جعفر ‏‏علیه السلام‏‏: ما تقول فی الـصائم‏‎ ‎‏یقبّل الـجاریـة والـمرأة؟‏

‏فقال: ‏«أمّا الشیخ الکبیر مثلی ومثلک فلا بأس، وأمّا الشابّ الشبق فلا؛‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 314
لأنّه لایؤمن، والقبلة إحدی الشهوتین...»‎[7]‎‏.‏

ومنها: ‏معتبر الـحلبیّ، عن أبی عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏: أنّـه سئل عن رجل یمسّ‏‎ ‎‏من الـمرأة شیئاً، أیفسد ذلک صومـه أو ینقضـه؟‏

‏فقال: ‏«إنّ ذلک لیکره للرجل الشابّ مخافة أن یسبقه المنیّ»‎[8]‎‏.‏

‏ومنها: ما رواه الـصدوق، عن سَماعـة: أنّـه سأل أبا عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ عن‏‎ ‎‏الـرجل یلصق بأهلـه فی شهر رمضان.‏

‏فقال: ‏«ما لم یخف علیٰ نفسه فلا بأس»‎[9]‎‏.‏

‏علیٰ هذا ربّما یشکل أن یکون الـمیزان لـجواز الـمبادرة إلـی‏‎ ‎‏الـملاعبـة هو الـوثوق والأمن من الإمناء؛ سواء کانت الـعادة، أو لـم تکن‏‎[10]‎‏.‏‎ ‎‏ولعلّ الـمراد من الـتقیـید بالـعادة بیان أنّ مع الـعادة لایحصل الـوثوق، ومع‏‎ ‎‏عدم الـعادة یحصل الأمن والـوثوق؛ وذلک لأنّ الـمقصود من «الـعادة» هی‏‎ ‎‏الـعادة الـشخصیّـة، لا الـنوعیّـة والـسنخیّـة، فتأمّل.‏

وبالجملة: ‏إذا کان من عادتـه الإمناء بالـملاعبـة فیبطل معـه قطعاً، وأمّا‏‎ ‎‏إذا لـم یکن من عادتـه الإمناء کمن لاتعلم بعدُ لـه الـعادة، فإن کان مأموناً من‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 315
‏الاستباق فلا یبطل، وإلاّ فبحسب هذه الـطائفـة من الأخبار‏‎[11]‎‏ یبطل، وبهذا‏‎ ‎‏یحصل الافتراق بین الـتقیـید بالـعادة، وبین الـتقیـید بعدم الأمن وعدم‏‎ ‎‏الـوثوق، والأمر سهل.‏

‏ ثمّ إنّ الـمحکیّ عن «الـمدارک» عدم تمامیّـة أخبار هذه الـمسألـة؛‏‎ ‎‏لـعدم صحّـة إسنادها إلاّ معتبر ابن الـحجّاج‏‎[12]‎‏ الأجنبیّ عنها‏‎[13]‎‏، وأنت قد‏‎ ‎‏عرفت أنّ فیهـا الأخبار الـمعتبرة، وإنّما اختلافنا معـه فی الـمبنیٰ، وتفصیلـه‏‎ ‎‏فی محلّـه‏‎[14]‎‏.‏

إن قلت: ‏إنّ الـکفّارة مخصوصـة بصورة الـعمد، وهذه الـصورة خارجـة‏‎ ‎‏عنـه.‏

قلت: ‏لا ینحصر الـعمد بصورة قصد الإمناء، بل من لا یأمن، ویکون من‏‎ ‎‏عادتـه الإمناء عند الـتفخیذ والـملاعبـة، یعدّ إمناؤه من الـعمد والاختیار. ولو‏‎ ‎‏نوقش فیـه عقلاً ولکنّـه منـه عرفاً، ولاسیّما مع تنبیـه الأخبار بذلک.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 316

  • )) تقدّم فی الصفحة 307 .
  • )) الکافی 4 : 102 / 4 ، وسائل الشیعة 10 : 39 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 4 ، الحدیث 1 ، تقدّم فی الصفحة 191 ، الهامش 1 .
  • )) الکافی 4 : 103 / 7 ، وسائل الشیعة 10 : 39 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 4 ، الحدیث 2 .
  • )) تهذیب الأحکام 5 : 327 / 1124 ، وسائل الشیعة 10 : 40 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 4 ، الحدیث 3 .
  • )) تهذیب الأحکام 4 : 320 / 980 ، وسائل الشیعة 10 : 40 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 4 ، الحدیث 4 .
  • )) تهذیب الأحکام 4 : 271 / 821 ، وسائل الشیعة 10 : 100 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 33 ، الحدیث 13 .
  • )) الکافی 4 : 104 / 3 ، وسائل الشیعة 10 : 97 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 33 ، الحدیث 3 .
  • )) الکافی 4 : 103 / 1 ، وسائل الشیعة 10 : 97 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 33 ، الحدیث 1 .
  • )) الفقیه 2 : 71 / 300 ، وسائل الشیعة 10 : 98 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 33 ، الحدیث 6 .
  • )) مستند العروة الوثقیٰ ، کتاب الصوم 1 : 124 ـ 126 .
  • )) وسائل الشیعة 10 : 39 و97، کتاب الصوم، أبواب ما یمسک عنه الصائم، الباب4 و33.
  • )) الکافی 4 : 102 / 4 ، وسائل الشیعة 10 : 39 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 4 ، الحدیث 1 .
  • )) الحدائق الناضرة 13 : 130 ، مدارک الأحکام 6 : 61 و 62 .
  • )) لعلّه قدس سره فصّله فی قواعده الرجالیّة ، وهی مفقودة .