بحث وتحقیق : حول بیان ما هو المفطر والممنوع

‏‏بحث وتحقیق : حول بیان ما هو المفطر والممنوع‏

‏‏ ‏

‏‏فی الـصوم مشکلـة لابدّ من حلّها: وهی أنّ الـممنوع إن کان الأکل‏‎ ‎‏والـشرب، فصدقهما فی بعض الـموارد ـ کما إذا لـم یکن متعارفاً، کالـحدید‏‎ ‎‏والـجصّ ـ علیٰ وجـه الـحقیقـة مشکوک جدّاً، بل ممنوع ظاهراً، ولایصدق‏‎ ‎‏قطعاً فیما إذا أدخل فی جوفـه اُنبوباً، ومن ثقبـه یدخل الأغذیـة، کما هو‏‎ ‎‏الـمتعارف فی زماننا فی الـمستشفیات، والالتزام بجواز ذلک ممنوع قطعاً.‏

‏‏وإن کان الـموضوع الـممنوع هو الـطعام والـشراب والاجتناب عنهما،‏‎ ‎‏کما فی معتبر محمّد بن مسلم‏‎[1]‎‏، فلازمه جواز غیرالـطعام والـشراب ممّا‏‎ ‎
‏‎

‏‏وإن کان الـممنوع هو الإدخال فی الـجوف الأعمّ من الـحلق وغیره؛‏‎ ‎‏مؤیّداً ذلک بالـحقنـة، فلازمـه عدم جواز إدخال کلّ شیء فیـه، مع أنّ‏‎ ‎‏الـنصوص متظافرة علیٰ جواز الاکتحال وإدخال الـدواء فی الاُذن‏‎[2]‎‏، ولایمکن‏‎ ‎‏الالتزام بممنوعیّـة إدخال الـسکّین والإبرة بالـضرورة، فلو أمکن الـتقیـید‏‎ ‎‏بموارد الأخبار ـ ومنها الاحتقان بالـجامد ـ ولکن لایمکن الالتزام بممنوعیّـة‏‎ ‎‏الـعنوان الـمزبور أیضاً.‏

‏‏ولو قلنا: ‏‏بأنّ الـموضوع الـممنوع هو إدخال الـمأکول والـمشروب فی‏‎ ‎‏الـجوف، سواء وصل الـی الـمعدة، أم لـم یصل، وأیضاً یتحقّق الأکل‏‎ ‎‏والـشرب سواء کان من الـمأکول، أو لـم یکن، فکلّ شیء إدخالـه من الـحلق‏‎ ‎‏بالأکل والـشرب ممنوع، وکلّ طعام وشراب إدخالـه فی الـجوف ممنوع،‏‎ ‎‏فیطالـب من یدّعیـه بالـدلیل، وهو غیر ناهض قطعاً؛ لأنّ الأدلّـة الـتی بین‏‎ ‎‏أیدینا هی ما مرَّ من الأخبار والـکتاب‏‎[3]‎‏.‏

‏‏نعم، فی معقد الإجماع‏‎[4]‎‏ ما یدلّ علیٰ ممنوعیّـة ما لـیس بمتعارف‏‎ ‎‏ولکنّـه یکون من الـحلق بصورة الأکل والـشرب وإن لـم یکن منهما لـغـة‏‎ ‎‏ومفهوماً.‏

‏
‏‎

‏‏ویمکن منع الإدخال بالاُنبوب؛ لأجل معتبر ابن مسلم‏‎[6]‎‏ الـناطق بلزوم‏‎ ‎‏الاجتناب عن الـطعام والـشراب، فلو أوصل إلـیٰ جوفـه ومعدتـه بتوسیط‏‎ ‎‏الاُنبوب ما لـیس بطعام ولا شراب لـلإنسان فی قطر من الأقطار، فلا دلیل علیٰ‏‎ ‎‏ممنوعیّتـه.‏

‏‏فبالجملة تحصّل: ‏‏أنّ کلّ واحد من هذه الـعناوین مأخوذ فی الأخبار:‏‎ ‎‏عنوان «الاجتناب عن الـطعام والـشراب» وعنوان «الأکل والـشرب» ولا بأس‏‎ ‎‏بالالتزام بأنّ کلّ واحد منهما مفطر علیٰ حدة، ولایلزم إرجاع أحدهما إلـی‏‎ ‎‏الآخر؛ لـما نجد فیـه الاختلاف بحسب الآثار والأحکام، فعلیٰ هذا تلقیح‏‎ ‎‏الـموادّ الـشربیّـة خلاف الاجتناب الـمأمور بـه، کما لایخفیٰ.‏

‏‏إن قلت: ‏‏ما فی معتبر محمّد بن مسلم من الاجتناب عن الـطعام‏‎ ‎‏والـشراب، کنایـة عن الأکل والـشرب، وإلاّ یلزم الاجتناب عن الـطعام ولو‏‎ ‎‏من جهات اُخر غیر راجعـة إلـی الانتفاع منـه.‏

‏‏قلت: ‏‏هذا لایکاد یخفیٰ علیٰ أهل اللسان؛ فإنّ الاجتناب عن کلّ شیء‏‎ ‎‏بحسبـه، والاجتناب عن الـطعام والـشراب والـنساء فی الـصیام بحسبـه. نعم‏‎ ‎
‏‎

‏‏وبالـجملـة تحصّل إلـیٰ هنا: أنّ الـمفطر لایختصّ بعنوان «الأکل‏‎ ‎‏والـشرب» بل هنا أمر آخر یجب علی الـصائم رعایتـه؛ وهو الاجتناب عن‏‎ ‎‏الـطعام والـشراب، سواء کان بالأکل والـشرب، أو بالـتلقیح، أو بالاُنبوب،‏‎ ‎‏فافهم واغتنم.‏

‏‏وممّا ذکرناه یظهر ضعف ما عن «الـمبسوط» و«الـمختلف» من بطلان‏‎ ‎‏الـصوم بإدخال الـسکّین والـرمح فی الـباطن الـجوف ولو من طریق الـحلق‏‎ ‎‏إلـی الـمعدة‏‎[7]‎‏. نعم صبّ الأدویـة فی الإحلیل إذا کان من الـشراب، خلاف‏‎ ‎‏الأمر بالاجتناب، وما عن «الـمبسوط» و«الـمختلف» فی خصوصـه‏‎[8]‎‏ لایخلو‏‎ ‎‏من وجـه، فتأمّل.‏

‏‏ ‏

‏‎ ‎

‏‎

• )) تهذیب الأحکام 4 : 189 / 535 ، وسائل الشیعة 10 : 31 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 1 ، الحدیث 1 .
• )) وسائل الشیعة 10 : 72 ـ 77 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب24 و 25 .
• )) تقدّم فی الصفحة 269 ـ 271 .
• )) تقدّم فی الصفحة 266 ، الهامش 7 .
• )) العروة الوثقیٰ (المطبوع فی المطبعة الإسلامیة سنة 1373 هـ . ق) : 351 .
• )) تهذیب الأحکام 4 : 189 / 535 ، وسائل الشیعة 10 : 31 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 1 ، الحدیث 1 .
• )) مستمسک العروة الوثقیٰ 8 : 239 ، المبسوط 1 : 273 ، مختلف الشیعة 3 : 415 .
• )) مدارک الأحکام 6 : 104 ، المبسوط 1 : 273 ، مختلف الشیعة 3 : 414 .