تذنیب : فی تصحیح الصوم بالنیّة الثانیة بعد إفساده

‏‏تذنیب : فی تصحیح الصوم بالنیّة الثانیة بعد إفساده‏

‏‏ ‏

‏‏لو نوی الـصوم لـیلاً، أو بعدما طلع الـفجر، وکان ممّن یصحّ منـه‏‎ ‎

‏
‏‎

‏‏وبالجملة:‏‏ لـو نویٰ، ثمّ نوی الإفطار ولم یفطر، فأفسد صومـه من أجل‏‎ ‎‏الإخلال بالـنیّـة، وأمّا لـو قلنا بعدم فساد الـصوم بالإخلال بها بقاءً؛ لـعدم‏‎ ‎‏اعتبار أزید من الـنیّـة حدوثاً، فهو بحث آخر مضیٰ اعتبارها وتفصیلـه‏‎[1]‎‏.‏

‏‏وبالجملة:‏‏ فهل یمکن بعد ذلک تصحیح الـصوم بالـنیّـة الـثانیـة‏‎[2]‎‏، أم‏‎ ‎‏لا‏‎[3]‎‏، أو یفصّل‏‎[4]‎‏ بین ما إذا أفسده بالـریاء ونحوه، وما إذا أفسده بترکها‏‎ ‎‏والإخلال بها بقاء علی الـوجـه الـمعتبر شرعاً؟‏

‏‏فما قد یتراءیٰ من الـمناقشـة فی هذه الـمسألـة؛ لأجل الـمناقشـة فی‏‎ ‎‏أصل اعتبار الـنیّـة بقاءً‏‎[5]‎‏، فهو خروج عن الـجهـة الـمبحوث عنها.‏

‏‏نعم یمکن أن یقال: إنّ قضیّـة الأصل عدم اعتبار الـنیّـة بقاءً؛ لـعدم‏‎ ‎‏اعتبـارها حدوثـاً، ولا دلیـل علی أنّـه لـو نـویٰ لابـدّ من الإبقاء علیها،‏‎ ‎‏فلایبطل الـصوم من جهـة الإخلال بالـنیّـة حتّیٰ یقال: إنّ الـصوم الـباطل‏‎ ‎‏لایمکن تصحیحـه بالـنیّـة الـثانیـة، ومایمکن تصحیحـه هو الـصوم‏‎ ‎‏والإمساک غیر الـباطل، وعلیٰ هذا لا فرق بین ما إذا أفسده بالـریاء الـمحرّم،‏‎ ‎

‏
‏‎

‏‏والـذی یُبتنیٰ علیـه الـمسألـة؛ هـو أنّ الأدلّـة الـواردة الـسابقـة‏‎ ‎‏تحتمل وجوهاً:‏

‏‏فإن قلنا:‏‏ بأنّ الـمستفاد منها لـیس إلاّ توسعـة وقت الـنیّـة إلـی الـزوال‏‎ ‎‏بالـنسبـة إلـیٰ طائفـة من الـصیام، وإلـی الـغروب بالـنسبـة إلـی الـطائفـة‏‎ ‎‏الاُخریٰ، فلایلزم من الإخلال بالـنیّـة الاُولیٰ إشکال فی الـتوسعـة الـمزبورة،‏‎ ‎‏ولا من إحداث الـشرط تضیـیق فی وقتـه. فلو حصّل الـشرط، ثمّ أخلّ بـه،‏‎ ‎‏فلـه أن یحصّلـه ثانیاً وثالـثاً، وعند ذلک یصحّ الـصوم بالـنیّـة الـثانیـة ولو‏‎ ‎‏بطلت الـنیّـة الاُولیٰ بالـریاء.‏

‏‏وإن قلنا:‏‏ بأنّ الـمستفاد من تلک الأدلّـة هی الـتوسعـة ، ولکن بمعنی أنّ‏‎ ‎‏الـشرط هی الـنیّـة الاُولیٰ بوجودها الامتدادیّ؛ وأنّـه هو الـمرتکز علیـه‏‎ ‎‏أذهان الـمتشرّعـة، بل لـو کان الـشرط وجودها الـحدوثیّ فکان هو حاصلاً ،‏‎ ‎‏بل الـشرط هی الـنیّـة بوجودها الامتدادیّ إلـی آخر الـوقت، فلو أخلّ بها‏‎ ‎‏فلابدّ من الـتماس الـدلیل علیٰ صحّـة الـصوم ثانیاً بالإمساک ولو کان أبطلـه‏‎ ‎‏لا بالـریاء؛ إذ لا دلیل علیٰ کفایـة الـنیّـة الـثانیـة، لأنّ الـمنساق من الأدلّـة‏‎ ‎‏الـسابقـة غیر هذه الـصورة بالـضرورة.‏

‏‏ودعوی الـتوسعـة فی الـجواب؛ بأنّ الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ یرید بیان توسعـة وقت‏‎ ‎‏الـشرط علی الـوجـه الـمحرّر آنفاً، بلا بیّنـة وبرهان.‏

‏‏والذی هو الأظهر:‏‏ أنّ الـمستفاد من الأدلّـة حصول الـشرط بالـنیّـة‏‎ ‎‏الاُولیٰ، ولزوم استمرارها مفروغ عنـه، ومع الإخلال بها بعد حصولها،‏‎ ‎‏لا دلیل علیٰ کفایـة الـنیّـة الـثانیـة إلاّ دعوی الـقطع بعدم الـفرق،‏‎ ‎
‏‎

‏‏نعم، إن قلنا:‏‏ بأنّ الأدلّـة وإن کانت قاصرة عن إثبات هذه الـصورة، وعن‏‎ ‎‏تصحیح الـصوم بالـنیّـة الـثانیـة، ولکن دلالتها علیٰ عدم إمکان تصحیحها‏‎ ‎‏أیضاً ممنوعـة، وما فی الـمغروسات الـذهنیّـة بالـنسبـة إلـی الـعبادات‏‎ ‎‏الـشرعیّـة غیر واضحـة حدودها، فلابدّ من الـمراجعـة حینئذٍ ـ بعد الـشبهـة ـ‏‎ ‎‏إلـیٰ مقتضی الأصل، وقد تحرّر أنّـه الـصحّـة فی الـمسألـة‏‎[6]‎‏، فلاحظ.‏

‏‏وبناءً علیٰ هذا یتقوّی فی الـنظر أقربیّـة قول الـحلبیّ و«الإرشاد»‏‎[7]‎‎ ‎‏و«شرحـه» للفخر‏‎[8]‎‏، و«الـدروس» و«الـبیان» بل و«الـمسالـک»‏‎[9]‎‏ وغیره‏‎[10]‎‏؛‏‎ ‎‏وهو الـبطلان، من مقالـة الـمشهور، کما عن «الـمدارک» و«الـحدائق»‏‎[11]‎‏ ومن‏‎ ‎‏هنا یظهر قصور جمع فی الـوصول إلـیٰ سرّ بطلان الـمسألـة ، وماتبتنی علیـه،‏‎ ‎‏حتّیٰ تمسّک بعضهم بالاستصحاب‏‎[12]‎‏! وهو لایخلو من غرابـة.‏

‏‏ ‏

‏‎ ‎

‏‎

• )) تقدّم فی الصفحة 169 ـ 170 .
• )) شرائع الإسلام 1 : 169 .
• )) لاحظ جواهر الکلام 16 : 215 .
• )) العروة الوثقیٰ 2 : 173، کتاب الصوم ، فصل فی النیّة ، المسألة 13 .
• )) اُنظر الحدائق الناضرة 13 : 50 .
• )) لاحظ ما تقدّم فی الصفحة 170 ـ 171 .
• )) الکافی فی الفقه : 182 / السطر الأخیر ، إرشاد الأذهان 1 : 300 .
• )) لاحظ مستند الشیعة 10 : 219 .
• )) الدروس الشرعیّة 1 : 267 ، البیان : 362 ، مسالک الأفهام 2 : 15 .
• )) إیضاح الفوائد 1 : 223 .
• )) مستمسک العروة الوثقیٰ 8 : 218 ، مدارک الأحکام 6 : 40، الحدائق الناضرة 13 : 51.
• )) مستمسک العروة الوثقیٰ 8 : 218 .