کون الأداء والقضاء من العناوین الانتزاعیّة، لا القصدیة
وبعبارة اُخریٰ وملخّص الـبحث: أنّ الأدائیّـة والـقضائیّـة من الـعناوین الانتزاعیّـة، لا الـقصدیّـة، وینتزعان من إیقاع الـمأمور بـه فی ظرفـه، وخارج ظرفـه، ولایعتبر أزید من الالتفات إلـیٰ عنوان الـمأمور بـه،مثل الـکفّاریّـة، والـقضائیّـة، والـظهریّـة، والـعصریّـة، فإذا کان الـمکلّف فی الـوقت الـمشترک، مع عدم اشتغال ذمّتـه إلاّ بصلاة الـظهر مثلاً، أو بصوم الـیوم، وقصد ذلک، فإنّـه صحّ ما صدر منـه وما قصد.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 111
وإذا کان فی ذلک الـوقت ذمّتـه مشغولـة بالأمر الآخر، فلابدّ عقلاً من اعتبار قید فی الـطبیعـة؛ حتّیٰ یعقل تعدّد الأمر الـتأسیسیّ بالـنسبـة إلـی طبیعـة الـصوم الـواحد، والـصلاة الـواحدة، وإلاّ فیصیر أحد الأمرین تأکیداً لـلأمر الآخر، فإذا دخل الـوقت، وتوجّـه إلـیـه الأمر الآخر، فلابدّ وأن یکون متعلّق هذا الآخر غیر الـمتعلّق بالأوّل وحینئذٍ الـقید الـممیّز والـمکثّر للطبیعـة هی الأدائیّـة والـقضائیّـة، فینوی أحدهما دون الآخر؛ حتّیٰ یسقط أمره.
ولکن بحسب الـعقل لایعتبر هذان الـقیدان فی مقام الامتثال؛ لأنّ الـقید الـمأخوذ عقلاً، لایکون إلاّ لأجل إمکان الإیجابین بالـنسبـة إلـی الـواحد الـطبیعیّ، فلو صدر منـه الـفعلان الـمتشابهان خارجاً ، یلزم سقوط الأمرین.
ولکن لـمّا کان الإجزاء فی هذه الـمواقف قهریّاً، فیلزم الإشکال الآخر: وهو أنّ الـمأتیّ بـه بدون الامتیاز، هل یجزئ عن الأمرین؟ وهو خلاف الـفرض، فلابدّ وأن یجزئ عن أحدهما،وهو یستلزم الـترجیح بلا مرجّح، فلذلک بالـمراجعـة إلـی الأدلّـة تنحلّ هذه الـمعضلـة؛ بأنّ الـمأمور بـه بالأمر الـحادث فی هذا الـزمان لا لـون لـه، والـمأمورَ بـه بالأمر الـسابق لـونـه عنوان «الـقضاء» کما فی الأدلّـة، فإذا أتیٰ بالـظهر بقصد امتثال الأمر ـ غفلةً عن الـقضاء والـلاقضاء ـ یسقط أمره، ولایسقط أمر الـقضاء إلاّ بالـنیّـة والإشارة، ولا نعنی من اعتبار قصد الـقضاء إلاّ ذلک؛ لأنّ معنی «الـقضاء» هو تدارک ما فات، فلابدّ من الإشارة إلـی أنّ الـمأتیّ بـه تدارک لـما فات، ولیس استئنافاً للعمل؛ مشروعاً کان، أو غیر مشروع.
ولأجل ذلک لا فرق فی لـزوم هذا الـنحو من الـقصد بالـنسبـة إلـی
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 112
الـقضاء بین الـقول: بأنّ الـمکلّف بالـنسبـة إلـی الـصوم خارج الـوقت، مشغول الـذمّـة بالـصوم الآخر وعدمـه، وبین الـقول : بأنّ الـصوم الـتطوّعی مشروع حال اشتغال الـذمّـة بالـواجب وعدمـه، فلو فات منـه رمضان، فلابدّ من الإیماء إلـیٰ تدارک ما فات منـه فی شهر رمضان مطلقاً، ولایکفی مجرّد الإتیان بالـصیام أیّاماً معدودات ؛ لأنّ من الـممکن ـ وإن لـم تکن مشغولـة ذمّتـه بشیء من الـصیام، ولم یکن مشروعاً لـه الـتطوّع أن یصوم الـصوم غیر الـمشروع، فلابدّ من الإشارة إلـیٰ ماهو الـمشروع علیـه فعلاً؛ وهو الـصوم الـرمضانیّ، ولا نعنی من «قصد الـقضاء» إلاّ ذلک.
ولعلّ منکر اعتبار الـقصد الـقضائیّ لایرید إنکاره؛ لأنّـه من الـضروری اعتباره.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ نتیجـة ذلک اعتبار قصد الأدائیّـة بهذا الـمعنیٰ؛ لإمکان تشریع الـصوم فی الـوقت، فلیتأمّل.
ولأجل ذلک تختلف حالات الـمکلّف فی صورتی اشتغال ذمّتـه بالـصوم الآخر وعدمـه، وفی صورتی مشروعیّـة الـصوم الـتطوّعی وعدمـه، فإنّـه تارةً: إذا قصد الـصوم الـمشروع علیـه فعلاً، یکفی لـوقوعـه قضاءً عمّا فات منـه وإن لـم یقصد عنوان «الـقضاء» واُخریٰ: إذا قصده لایکفی؛ لـتعدّد الـمشروع علیـه، فلابدّ من الإشارة إلـی تدارک مافات، وهو عنوان «الـقضاء».
وأمّا الـصوم الأدائیّ بالـنسبـة إلـیٰ شهر رمضان، فبناءً علی اختصاصـه بـه، فلا حاجـة إلاّ إلـیٰ قصد الـمشروع علیـه فیـه، فیقع رمضان، وبذلک یختلف حکم الأداء والـقضاء؛ لأنّ خارج رمضان قابل لـوقوع الـصیام الآخر، فلایکفی إلاّ فی صورة عدم الاشتغال بالـصوم الآخر، وعدم مشروعیّـة الـصوم
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 113
الـتطوّعی، فافهم واغتنم.
فما فی کتب الـقوم تارةً: من اعتبارهما، واُخریٰ: من إلـغاءهما، وثالـثةً؛ من الـتفصیل، فی غیر محلّـه، بل هناک تفصیل آخر ناشئ من ابتلاء الـمکلّف وکیفیّـة اشتغال الـذمّـة، وإن تراد من یعتبر قصدهما ذلک فهو، وإلاّ فلایمکن الـمماشاة معـه.
کما أنّ الـنافی إن أراد عدم لـزوم قصد عنوانی «الأداء» و«الـقضاء» بالـحمل الأوّلی وبمفهومهما اللغویّ، فهو أیضاً صحیح، وإلاّ فلا.
ولعمری، إمکان إرجاع مقصود الـقوم فی هذه الـمسألـة إلـیٰ أمرواحد وموضوع فارد، موجود، والاختلاف إنّما هو فی کیفیّـة تقریب الـمسألـة، واللّٰه الـعالم.
وبالجملة: لو أرادوا کفایـة الـصوم الـمأتّی بـه بعنوان «الـقضاء» عن یوم شهر رمضان الأدائیّ، فهو غیر صحیح إلاّ لأجل ما مرّ منّا فی الـفصل الـسابق، وإلاّ فلا وجـه للاجتزاء عن صوم رمضان، وللاجتزاء عن الـقضاء وجـه تحرّر تفصیلـه.
إن قلت: قضیّـة الـکتاب عدم شرطیّـة عنوان «الـقضاء» أنّـه یدلّ علیٰ وجوب الـعدّة الاُخر من الأیّام علی الـمریض والـمسافر، فلو أتیٰ بها خارج
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 114
رمضان من غیر اعتبار عنوان «الـقضاء» ولا الـعنوان الـمضادّ لـه یکفی.
قلت: لا شبهـة فی أنّـه لابدّ من الالتفات إلـی الـتدارک، ولا یکفی الـصوم الاستئنافی والابتدائیّ عنـه. نعم لا یلزم اعتبار عنوان «الـقضاء» إذا کان بالـمعنی الآخر.
ولو کانت ذمّتـه مشغولة بصوم الکفّارة، أو قلنا: بصحّـة الـصوم التطوّعی مطلقاً، فلا یکفی نیّـة الـعنوان الـعامّ، بل لابدّ من الـنظر إلـیٰ ما ینطبق علیه.
فبالجملة: هذه الـعناوین الـمأخوذة فی متعلق الأوامر ـ حتّیٰ عنوان «الـصوم» و«الـصلاة» وعناوین «الـظهریّـة» و«الـعصریّـة» و«الـکفّارة» وغیرها ـ لـیست معتبرة بمفاهیمها الاسمیّـة، ولا معتبرة بالـتفصیل، بل کلّ ذلک قابل للتحصیل بالـعناوین الاُخر الـتی یمتاز بها الـمأتیّ بـه، حتّیٰ یسقط بـه أحد الأوامر الـمتوجّـة إلـیـه، فلو صلّیٰ فی أوّل الـوقت بنیّـة ما هو الـمشروع علیـه بالأمر الـحادث فی هذا الـزمان، صحّت صلاتـه، وهکذا.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 115