المبحث الأوّل فیما یتعلّق بماهیّة الصوم

کون الأداء والقضاء من العناوین الانتزاعیّة، لا القصدیة

کون الأداء والقضاء من العناوین الانتزاعیّة، لا القصدیة

‏ ‏

‏وبعبارة اُخریٰ وملخّص الـبحث: أنّ الأدائیّـة والـقضائیّـة من الـعناوین‏‎ ‎‏الانتزاعیّـة، لا الـقصدیّـة، وینتزعان من إیقاع الـمأمور بـه فی ظرفـه، وخارج‏‎ ‎‏ظرفـه، ولایعتبر أزید من الالتفات إلـیٰ عنوان الـمأمور بـه،مثل الـکفّاریّـة،‏‎ ‎‏والـقضائیّـة، والـظهریّـة، والـعصریّـة، فإذا کان الـمکلّف فی الـوقت‏‎ ‎‏الـمشترک، مع عدم اشتغال ذمّتـه إلاّ بصلاة الـظهر مثلاً، أو بصوم الـیوم، وقصد‏‎ ‎‏ذلک، فإنّـه صحّ ما صدر منـه وما قصد.‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 111
‏وإذا کان فی ذلک الـوقت ذمّتـه مشغولـة بالأمر الآخر، فلابدّ عقلاً من‏‎ ‎‏اعتبار قید فی الـطبیعـة؛ حتّیٰ یعقل تعدّد الأمر الـتأسیسیّ بالـنسبـة إلـی‏‎ ‎‏طبیعـة الـصوم الـواحد، والـصلاة الـواحدة، وإلاّ فیصیر أحد الأمرین تأکیداً‏‎ ‎‏لـلأمر الآخر، فإذا دخل الـوقت، وتوجّـه إلـیـه الأمر الآخر، فلابدّ وأن یکون‏‎ ‎‏متعلّق هذا الآخر غیر الـمتعلّق بالأوّل وحینئذٍ الـقید الـممیّز والـمکثّر‏‎ ‎‏للطبیعـة هی الأدائیّـة والـقضائیّـة، فینوی أحدهما دون الآخر؛ حتّیٰ یسقط‏‎ ‎‏أمره.‏‏ ‏

‏ولکن بحسب الـعقل لایعتبر هذان الـقیدان فی مقام الامتثال؛ لأنّ الـقید‏‎ ‎‏الـمأخوذ عقلاً، لایکون إلاّ لأجل إمکان الإیجابین بالـنسبـة إلـی الـواحد‏‎ ‎‏الـطبیعیّ، فلو صدر منـه الـفعلان الـمتشابهان خارجاً ، یلزم سقوط الأمرین.‏

‏ولکن لـمّا کان الإجزاء فی هذه الـمواقف قهریّاً، فیلزم الإشکال الآخر:‏‎ ‎‏وهو أنّ الـمأتیّ بـه بدون الامتیاز، هل یجزئ عن الأمرین؟ وهو خلاف‏‎ ‎‏الـفرض، فلابدّ وأن یجزئ عن أحدهما،وهو یستلزم الـترجیح بلا مرجّح،‏‎ ‎‏فلذلک بالـمراجعـة إلـی الأدلّـة تنحلّ هذه الـمعضلـة؛ بأنّ الـمأمور بـه بالأمر‏‎ ‎‏الـحادث فی هذا الـزمان لا لـون لـه، والـمأمورَ بـه بالأمر الـسابق لـونـه‏‎ ‎‏عنوان «الـقضاء» کما فی الأدلّـة، فإذا أتیٰ بالـظهر بقصد امتثال الأمر ـ غفلةً‏‎ ‎‏عن الـقضاء والـلاقضاء ـ یسقط أمره، ولایسقط أمر الـقضاء إلاّ بالـنیّـة‏‎ ‎‏والإشارة، ولا نعنی من اعتبار قصد الـقضاء إلاّ ذلک؛ لأنّ معنی «الـقضاء» هو‏‎ ‎‏تدارک ما فات، فلابدّ من الإشارة إلـی أنّ الـمأتیّ بـه تدارک لـما فات، ولیس‏‎ ‎‏استئنافاً للعمل؛ مشروعاً کان، أو غیر مشروع.‏

‏ولأجل ذلک لا فرق فی لـزوم هذا الـنحو من الـقصد بالـنسبـة إلـی‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 112
‏الـقضاء بین الـقول: بأنّ الـمکلّف بالـنسبـة إلـی الـصوم خارج الـوقت،‏‎ ‎‏مشغول الـذمّـة بالـصوم الآخر وعدمـه، وبین الـقول : بأنّ الـصوم الـتطوّعی‏‎ ‎‏مشروع حال اشتغال الـذمّـة بالـواجب وعدمـه، فلو فات منـه رمضان، فلابدّ‏‎ ‎‏من الإیماء إلـیٰ تدارک ما فات منـه فی شهر رمضان مطلقاً، ولایکفی مجرّد‏‎ ‎‏الإتیان بالـصیام أیّاماً معدودات ؛ لأنّ من الـممکن ـ وإن لـم تکن مشغولـة‏‎ ‎‏ذمّتـه بشیء من الـصیام، ولم یکن مشروعاً لـه الـتطوّع أن یصوم الـصوم غیر‏‎ ‎‏الـمشروع، فلابدّ من الإشارة إلـیٰ ماهو الـمشروع علیـه فعلاً؛ وهو الـصوم‏‎ ‎‏الـرمضانیّ، ولا نعنی من «قصد الـقضاء» إلاّ ذلک.‏

‏ولعلّ منکر اعتبار الـقصد الـقضائیّ لایرید إنکاره؛ لأنّـه من الـضروری‏‎ ‎‏اعتباره.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ نتیجـة ذلک اعتبار قصد الأدائیّـة بهذا الـمعنیٰ؛‏‎ ‎‏لإمکان تشریع الـصوم فی الـوقت، فلیتأمّل.‏

‏ولأجل ذلک تختلف حالات الـمکلّف فی صورتی اشتغال ذمّتـه‏‎ ‎‏بالـصوم الآخر وعدمـه، وفی صورتی مشروعیّـة الـصوم الـتطوّعی وعدمـه،‏‎ ‎‏فإنّـه تارةً: إذا قصد الـصوم الـمشروع علیـه فعلاً، یکفی لـوقوعـه قضاءً عمّا‏‎ ‎‏فات منـه وإن لـم یقصد عنوان «الـقضاء» واُخریٰ: إذا قصده لایکفی؛ لـتعدّد‏‎ ‎‏الـمشروع علیـه، فلابدّ من الإشارة إلـی تدارک مافات، وهو عنوان «الـقضاء».‏

‏وأمّا الـصوم الأدائیّ بالـنسبـة إلـیٰ شهر رمضان، فبناءً علی اختصاصـه‏‎ ‎‏بـه، فلا حاجـة إلاّ إلـیٰ قصد الـمشروع علیـه فیـه، فیقع رمضان، وبذلک‏‎ ‎‏یختلف حکم الأداء والـقضاء؛ لأنّ خارج رمضان قابل لـوقوع الـصیام الآخر،‏‎ ‎‏فلایکفی إلاّ فی صورة عدم الاشتغال بالـصوم الآخر، وعدم مشروعیّـة الـصوم‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 113
‏الـتطوّعی، فافهم واغتنم.‏

‏فما فی کتب الـقوم تارةً: من اعتبارهما‏‎[1]‎‏، واُخریٰ: من إلـغاءهما‏‎[2]‎‏،‏‎ ‎‏وثالـثةً؛ من الـتفصیل‏‎[3]‎‏، فی غیر محلّـه، بل هناک تفصیل آخر ناشئ من ابتلاء‏‎ ‎‏الـمکلّف وکیفیّـة اشتغال الـذمّـة، وإن تراد من یعتبر قصدهما ذلک فهو، وإلاّ‏‎ ‎‏فلایمکن الـمماشاة معـه.‏

‏کما أنّ الـنافی إن أراد عدم لـزوم قصد عنوانی «الأداء» و«الـقضاء»‏‎ ‎‏بالـحمل الأوّلی وبمفهومهما اللغویّ، فهو أیضاً صحیح، وإلاّ فلا.‏

‏ولعمری، إمکان إرجاع مقصود الـقوم فی هذه الـمسألـة إلـیٰ أمرواحد‏‎ ‎‏وموضوع فارد، موجود، والاختلاف إنّما هو فی کیفیّـة تقریب الـمسألـة، واللّٰه‏‎ ‎‏الـعالم.‏

وبالجملة: ‏لو أرادوا کفایـة الـصوم الـمأتّی بـه بعنوان «الـقضاء» عن‏‎ ‎‏یوم شهر رمضان الأدائیّ، فهو غیر صحیح إلاّ لأجل ما مرّ منّا فی الـفصل‏‎ ‎‏الـسابق‏‎[4]‎‏، وإلاّ فلا وجـه للاجتزاء عن صوم رمضان، وللاجتزاء عن الـقضاء‏‎ ‎‏وجـه تحرّر تفصیلـه‏‎[5]‎‏.‏

إن قلت:‏ قضیّـة الـکتاب عدم شرطیّـة عنوان «الـقضاء» أنّـه یدلّ علیٰ‏‎ ‎‏وجوب الـعدّة الاُخر من الأیّام علی الـمریض والـمسافر، فلو أتیٰ بها خارج‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 114
‏رمضان من غیر اعتبار عنوان «الـقضاء» ولا الـعنوان الـمضادّ لـه یکفی.‏

قلت: ‏لا شبهـة فی أنّـه لابدّ من الالتفات إلـی الـتدارک، ولا یکفی‏‎ ‎‏الـصوم الاستئنافی والابتدائیّ عنـه. نعم لا یلزم اعتبار عنوان «الـقضاء» إذا‏‎ ‎‏کان بالـمعنی الآخر.‏

‏ولو کانت ذمّتـه مشغولة بصوم الکفّارة، أو قلنا: بصحّـة الـصوم التطوّعی‏‎ ‎‏مطلقاً، فلا یکفی نیّـة الـعنوان الـعامّ، بل لابدّ من الـنظر إلـیٰ ما ینطبق علیه.‏

فبالجملة: ‏هذه الـعناوین الـمأخوذة فی متعلق الأوامر ـ حتّیٰ عنوان‏‎ ‎‏«الـصوم» و«الـصلاة» وعناوین «الـظهریّـة» و«الـعصریّـة» و«الـکفّارة»‏‎ ‎‏وغیرها ـ لـیست معتبرة بمفاهیمها الاسمیّـة، ولا معتبرة بالـتفصیل، بل کلّ ذلک‏‎ ‎‏قابل للتحصیل بالـعناوین الاُخر الـتی یمتاز بها الـمأتیّ بـه، حتّیٰ یسقط بـه‏‎ ‎‏أحد الأوامر الـمتوجّـة إلـیـه، فلو صلّیٰ فی أوّل الـوقت بنیّـة ما هو‏‎ ‎‏الـمشروع علیـه بالأمر الـحادث فی هذا الـزمان، صحّت صلاتـه، وهکذا.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 115

  • )) مستمسک العروة الوثقیٰ 8 : 205 ، مستند العروة الوثقیٰ ، کتاب الصوم 1 : 28 .
  • )) العروة الوثقیٰ 2 : 168، کتاب الصوم ، فصل فی النیّة ، مهذّب الأحکام 10 : 20 .
  • )) العروة الوثقیٰ 2 : 168، کتاب الصوم ، فصل فی النیّة ، الهامش 10 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 86 ـ 89 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 89 ـ 90 و 100 .