المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

المقام الثانی: الموضوع له عامّ، أو خاصّ، أو جزئیّ علیٰ مصطلحنا

المقام الثانی: فی أنّ الموضوع له عامّ، أو خاصّ، أو جزئیّ علیٰ مصطلحنا

‏ ‏

اعلم :‏ أنّ المتعارف فی المفاهیم الاسمیّة ، کون الموضوع له عامّاً، والمتعارف‏‎ ‎‏فی المعانی الجزئیّة والشخصیّات الخارجیّة، کون الموضوع له خاصّاً، کما فی‏‎ ‎‏الأعلام الشخصیّة، علیٰ ما اشتهر بین القوم‏‎[1]‎‏، ومضیٰ تفصیله ونقده‏‎[2]‎‏، فعلیه إن‏‎ ‎‏کانت معانی الهیئات جزئیّة خارجیّة، یکون الموضوع له خاصّاً أو جزئیّاً، وإن کانت‏‎ ‎‏کلّیة یکون عامّاً.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ المعانی الاسمیّة معانٍ کلّیة، ویکون الموضوع له فیها عامّاً‏‎ ‎‏کالأجناس، أوکلیّاً کالأعلام الشخصیّة علیٰ مصطلحنا. والمعانیالحرفیّة إن کانت فی‏‎ ‎‏ذاتها غیرقابلة للتعقّل الاستقلالیّ، وتکون بذاتها جزئیّات حقیقیّة خارجیّة، ولا تنالها‏‎ ‎‏النفس إلاّ بالعناوین الاسمیّة کعنوان «الربط والنسبة» ویکون عین حقیقة الوجود‏‎ ‎‏الربطیّ غیر قابلة للانتقال إلیٰ وعاء آخر، فیکون الموضوع له فیها جزئیّاً أو خاصّاً.‏

‏وإن کانت تلک المعانی غیر مختلفة مع المعانی الاسمیّة فی الذات والهویّة،‏‎ ‎‏بل هی فی لحاظ الغیر حرف، وفی لحاظها بذاتها اسم، کما عن صاحب‏‎ ‎‏«الکفایة»‏‎[3]‎‏ فیکون الموضوع له عامّاً، ولا حاجة إلیٰ إسراء الوضع بنحو الوضع‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 390
‏العامّ والموضوع له الخاصّ إلی المصادیق والأفراد.‏

‏فهذه المسألة مبنیّة علیٰ تلک المسألة، فمن قال: «بأنّ مفاد هیئة «ضرب»‏‎ ‎‏و«یضرب» معنی حرفیّ، أفاد: أنّ الموضوع له خاصّ، کالوالد المحقّق‏‎[4]‎‏ ـ مدّظلّه ،‏‎ ‎‏والعلاّمة المحشّی ‏‏رحمه الله‏‎[5]‎‏ ومن اعتقد بأنّ مفادها معنی حرفیّ، ولکنّ المعانی الحرفیّة‏‎ ‎‏لاتباین الاستقلال الذهنیّ‏‎[6]‎‏، أو أنکر المعانی الحرفیّة رأساً، أو قال: بأنّ معانیها‏‎ ‎‏اسمیّة، أفاد: أنّ الموضوع له عامّ، فکأنّ الالتزام بالموضوع له الخاصّ، یکون فی‏‎ ‎‏مورد لا محیص عنه حسب حکم العقل.‏

والذی هو الحقّ :‏ أنّ المعانی إمّا یکون الإستقلال ذاتیّها، فلا تختلف الذاتی‏‎ ‎‏فی أنحاء الوجودات، بل هی محفوظة فی الذهن والخارج، أو یکون اللا استقلال‏‎ ‎‏ذاتیّها فهکذا.‏

‏ومثلها الوجود إمّا یکون الاستقلال ذاتیّة کالواجب، أو یکون اللا استقلال‏‎ ‎‏نفس ذاته، کالوجود الإمکانیّ. ولو کان اللا استقلال والاستقلال من العوارض،‏‎ ‎‏فلابدّ من السؤال عن حکم ذاته، ولا جواب إلاّ بأن یقال: هو لیس واجباً ولا ممکناً‏‎ ‎‏فی مرحلة ذاته، وما کان کذلک خارج عن الوجودات، وهو محال وممتنع بالضرورة.‏

‏فلو کان المعنی الحرفیّ هو الوجود الرابط، فلابدّ من الالتزام بلا استقلاله‏‎ ‎‏الذاتیّ، ومن الالتزام بانحفاظه فی الذهن والخارج وقد مضی البحث فی هذه‏‎ ‎‏المرحلة فی مباحثه، فلیراجع‏‎[7]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 391
‏والذی هو الظاهر عندی : أنّ الواضع فی وضعه التصوّری، لابدّ له من لحاظ‏‎ ‎‏المعنی الکلّی؛ حتّیٰ یتمکّن من الوضع، وإذا أراد وضع هیئة «ضرب» مثلاً لإفادة‏‎ ‎‏صدور الضرب وتحقّقه، فلابدّ من لحاظ مفهوم «الصدور» ومفهومِ «التحقّق» ـ وهما‏‎ ‎‏مفهومان اسمیّان، ولا خارجیّة حین الوضع لهما؛ أی لا مصداق لهما حین الوضع ـ‏‎ ‎‏حتّیٰ یتمکّن من إسراء الوضع بتلک العناوین العامّة إلیٰ تلک المصادیق الخارجیّة. مع‏‎ ‎‏أنّک قد عرفت فیما مضی امتناع الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ‏‎[8]‎‏، فعلیه لابدّ‏‎ ‎‏من الالتزام بأنّه وضع تلک الهیئة لمعنی کلّی محلوظ اسماً، وإن کان هذا المعنیٰ فی‏‎ ‎‏الخارج معنی حرفیّاً.‏

وقد مضیٰ :‏ أنّ جمیع المعانی الاسمیّة الجوهریّة والعرضیّة، ذات مصادیق‏‎ ‎‏هی الروابط المحضة‏‎[9]‎‏؛ حسبما تقرّر فی العلم الإلهیّ: من أنّ الوجودات بأجمعها‏‎ ‎‏عین الربط؛ ونفس التدلّی إلیٰ ربّها، ولیست ذات روابط حتّیٰ یلزم الاستقلال فی‏‎ ‎‏رتبة الذوات‏‎[10]‎‏، فلاتغفل.‏

‏ثمّ إنّه لو سلّمنا أنّ المحکیّ بهیئة «ضرب» هو المعنی الحرفیّ، وهو مصداق‏‎ ‎‏الصدور والتحقّق، لا المفهوم الاسمیّ، فلایمکن ذلک فی المضارع؛ لعدم تحقّقه فی‏‎ ‎‏الخارج، فلا یتصوّر إلاّ معنی کلّیاً، ولایمکن له تصوّر مصداقه إلاّ بمفهوم اسمیّ،‏‎ ‎‏فما یوجد بعد ذلک لیس هو الموضوع له بنفسه، بل هو مصداق الموضوع له‏‎ ‎‏بالضرورة، فیلزم التفکیک بین هیئة الماضی والمضارع، کما فکّکنا فی مفادهما‏‎ ‎‏بحسب الزمان وعدمه.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 392
ذنابة :‏ اختار الوالد المحقّق ـ مدّظلّه تعدّدَ الوضع فی الماضی اللازم‏‎ ‎‏والمتعدّی، وأنّ هیئة «فَعَل» اللاّزم موضوعة للحکایة عن الحلول، والهیئةَ فی‏‎ ‎‏المتعدّی موضوعه للحکایة عن الصدور، قائلاً: «أنْ لا جامع بین الحلول والصدور؛‏‎ ‎‏حتّیٰ یکون هو العنوان فی الوضع، أو یکون هو الموضوع له؛ بناءً علیٰ کون‏‎ ‎‏الموضوع له عامّاً»‏‎[11]‎‏.‏

والذی یظهر لی :‏ أنّ ماهو الجامع علیٰ مسلکه سهل؛ لأنّه یکفی علیٰ مسلکه‏‎ ‎‏مطلق الجامع ولو کان عنوانیّاً؛ وکافیاً للإشارة، کما إذا وضع هیئة «ضرب» مثلاً‏‎ ‎‏للحکایة عن معنی أعمّ من الصدور والحلول، فإنّه فی ذلک غنی وکفایة.‏

‏وأمّا علیٰ مسلکنا؛ من أنّ الموضوع له عامّ، فلا منع من کون الجامع هو‏‎ ‎‏عنوان «التحقّق» فإنّه أعمّ من الصدور والحلول، فتأمّل.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 393

  • )) کفایة الاُصول: 25، أجود التقریرات 1: 14، محاضرات فی اُصول الفقه 1: 49 ـ 50 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 73 .
  • )) کفایة الاُصول: 60.
  • )) مناهج الوصول 1: 205.
  • )) نهایة الدرایة 1 : 56 و 176 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 37.
  • )) تقدّم فی الصفحة 91 ـ 98 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 75 ـ 76 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 85 ـ 87 .
  • )) الحکمة المتعالیة 1: 329 ـ 330، شرح المنظومة، قسم الحکمة : 62 ـ 63.
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 109 ، مناهج الوصول 1 : 205 ـ 207 .