المقام الثانی: فی أنّ الموضوع له عامّ، أو خاصّ، أو جزئیّ علیٰ مصطلحنا
اعلم : أنّ المتعارف فی المفاهیم الاسمیّة ، کون الموضوع له عامّاً، والمتعارف فی المعانی الجزئیّة والشخصیّات الخارجیّة، کون الموضوع له خاصّاً، کما فی الأعلام الشخصیّة، علیٰ ما اشتهر بین القوم، ومضیٰ تفصیله ونقده، فعلیه إن کانت معانی الهیئات جزئیّة خارجیّة، یکون الموضوع له خاصّاً أو جزئیّاً، وإن کانت کلّیة یکون عامّاً.
وبعبارة اُخریٰ : المعانی الاسمیّة معانٍ کلّیة، ویکون الموضوع له فیها عامّاً کالأجناس، أوکلیّاً کالأعلام الشخصیّة علیٰ مصطلحنا. والمعانیالحرفیّة إن کانت فی ذاتها غیرقابلة للتعقّل الاستقلالیّ، وتکون بذاتها جزئیّات حقیقیّة خارجیّة، ولا تنالها النفس إلاّ بالعناوین الاسمیّة کعنوان «الربط والنسبة» ویکون عین حقیقة الوجود الربطیّ غیر قابلة للانتقال إلیٰ وعاء آخر، فیکون الموضوع له فیها جزئیّاً أو خاصّاً.
وإن کانت تلک المعانی غیر مختلفة مع المعانی الاسمیّة فی الذات والهویّة، بل هی فی لحاظ الغیر حرف، وفی لحاظها بذاتها اسم، کما عن صاحب «الکفایة» فیکون الموضوع له عامّاً، ولا حاجة إلیٰ إسراء الوضع بنحو الوضع
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 390
العامّ والموضوع له الخاصّ إلی المصادیق والأفراد.
فهذه المسألة مبنیّة علیٰ تلک المسألة، فمن قال: «بأنّ مفاد هیئة «ضرب» و«یضرب» معنی حرفیّ، أفاد: أنّ الموضوع له خاصّ، کالوالد المحقّق ـ مدّظلّه ، والعلاّمة المحشّی رحمه الله ومن اعتقد بأنّ مفادها معنی حرفیّ، ولکنّ المعانی الحرفیّة لاتباین الاستقلال الذهنیّ، أو أنکر المعانی الحرفیّة رأساً، أو قال: بأنّ معانیها اسمیّة، أفاد: أنّ الموضوع له عامّ، فکأنّ الالتزام بالموضوع له الخاصّ، یکون فی مورد لا محیص عنه حسب حکم العقل.
والذی هو الحقّ : أنّ المعانی إمّا یکون الإستقلال ذاتیّها، فلا تختلف الذاتی فی أنحاء الوجودات، بل هی محفوظة فی الذهن والخارج، أو یکون اللا استقلال ذاتیّها فهکذا.
ومثلها الوجود إمّا یکون الاستقلال ذاتیّة کالواجب، أو یکون اللا استقلال نفس ذاته، کالوجود الإمکانیّ. ولو کان اللا استقلال والاستقلال من العوارض، فلابدّ من السؤال عن حکم ذاته، ولا جواب إلاّ بأن یقال: هو لیس واجباً ولا ممکناً فی مرحلة ذاته، وما کان کذلک خارج عن الوجودات، وهو محال وممتنع بالضرورة.
فلو کان المعنی الحرفیّ هو الوجود الرابط، فلابدّ من الالتزام بلا استقلاله الذاتیّ، ومن الالتزام بانحفاظه فی الذهن والخارج وقد مضی البحث فی هذه المرحلة فی مباحثه، فلیراجع.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 391
والذی هو الظاهر عندی : أنّ الواضع فی وضعه التصوّری، لابدّ له من لحاظ المعنی الکلّی؛ حتّیٰ یتمکّن من الوضع، وإذا أراد وضع هیئة «ضرب» مثلاً لإفادة صدور الضرب وتحقّقه، فلابدّ من لحاظ مفهوم «الصدور» ومفهومِ «التحقّق» ـ وهما مفهومان اسمیّان، ولا خارجیّة حین الوضع لهما؛ أی لا مصداق لهما حین الوضع ـ حتّیٰ یتمکّن من إسراء الوضع بتلک العناوین العامّة إلیٰ تلک المصادیق الخارجیّة. مع أنّک قد عرفت فیما مضی امتناع الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، فعلیه لابدّ من الالتزام بأنّه وضع تلک الهیئة لمعنی کلّی محلوظ اسماً، وإن کان هذا المعنیٰ فی الخارج معنی حرفیّاً.
وقد مضیٰ : أنّ جمیع المعانی الاسمیّة الجوهریّة والعرضیّة، ذات مصادیق هی الروابط المحضة؛ حسبما تقرّر فی العلم الإلهیّ: من أنّ الوجودات بأجمعها عین الربط؛ ونفس التدلّی إلیٰ ربّها، ولیست ذات روابط حتّیٰ یلزم الاستقلال فی رتبة الذوات، فلاتغفل.
ثمّ إنّه لو سلّمنا أنّ المحکیّ بهیئة «ضرب» هو المعنی الحرفیّ، وهو مصداق الصدور والتحقّق، لا المفهوم الاسمیّ، فلایمکن ذلک فی المضارع؛ لعدم تحقّقه فی الخارج، فلا یتصوّر إلاّ معنی کلّیاً، ولایمکن له تصوّر مصداقه إلاّ بمفهوم اسمیّ، فما یوجد بعد ذلک لیس هو الموضوع له بنفسه، بل هو مصداق الموضوع له بالضرورة، فیلزم التفکیک بین هیئة الماضی والمضارع، کما فکّکنا فی مفادهما بحسب الزمان وعدمه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 392
ذنابة : اختار الوالد المحقّق ـ مدّظلّه تعدّدَ الوضع فی الماضی اللازم والمتعدّی، وأنّ هیئة «فَعَل» اللاّزم موضوعة للحکایة عن الحلول، والهیئةَ فی المتعدّی موضوعه للحکایة عن الصدور، قائلاً: «أنْ لا جامع بین الحلول والصدور؛ حتّیٰ یکون هو العنوان فی الوضع، أو یکون هو الموضوع له؛ بناءً علیٰ کون الموضوع له عامّاً».
والذی یظهر لی : أنّ ماهو الجامع علیٰ مسلکه سهل؛ لأنّه یکفی علیٰ مسلکه مطلق الجامع ولو کان عنوانیّاً؛ وکافیاً للإشارة، کما إذا وضع هیئة «ضرب» مثلاً للحکایة عن معنی أعمّ من الصدور والحلول، فإنّه فی ذلک غنی وکفایة.
وأمّا علیٰ مسلکنا؛ من أنّ الموضوع له عامّ، فلا منع من کون الجامع هو عنوان «التحقّق» فإنّه أعمّ من الصدور والحلول، فتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 393