الأمر الثانی : فی وضع تلک المادّة
اعلم : أنّ الألفاظ بین ماهو الموضوع بالهیئة والمادّة، وهی الجامدات؛ بأن تکون الهیئة الخاصّة ملحوظة فی الموضوع له، وهذا هو المراد من «الوضع
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 379
الشخصیّ» أی أنّ شخص کلمة «الشجر» موضوع لمعناه، مع ملاحظة الهیئة المعیّنة، ولاتکون الهیئة هنا مخصوصة بالوضع، ولا دالّة علیٰ خصوصیّة غیر ما تدلّ علیه المادّة، وهذا هو الأمر البدیهیّ.
وبین ماهو الموضوع بمادّته مع قطع النظر عن الهیئة، إلاّ هیئة خاصّة؛ وهی تقدّم حرف «ضاد» علیٰ «راء» وحرف «راء» علیٰ «باء» فی «ضرب» وأمّا هیئة «فَعَلَ» فلا تلاحظ فی الموضوع له.
وربّما یقال : بامتناع ذلک، فلایکون لمادّة المشتقّات وضع علی حدة؛ سوی الوضع فی الهیئات، ووجه الامتناع أنّ التلفّظ بالمادّة من غیر الهیئة الخاصّة، غیر ممکن، وإسراء الوضع إلیٰ تلک المادّة المتّحدة مع تلک الهیئة ـ بمجرّد إرادة الواضع واشتهائه ـ غیر ممکن، وحیث یشترط الإطلاق فی اللفظ الموضوع من جهة الهیئة کما مضیٰ، فلابدّ من الالتزام بالوضع الشخصیّ فی جمیع المشتقّات؛ لأنّه وإن کان بعیداً، ولکنّه ممکن عقلاً، بخلافه.
وأنت خبیر بما فیه؛ لما أنّ الإنشاء وإن تعلّق فی الوضع بما یتکلّم به الواضع، إلاّ أنّ له إظهار الخصوصیّة المرادة بالألفاظ الاُخر، فله إلغاء الهیئة فی وضع کلمة «ضرب» بلا شبهة، کما هو کذلک فی الناذر الذی ینشئ ترک شرب التتن، ویتمّم کلامه بأنّه لایرید خصوصیّته، فیکون المنذور ترک مطلق الدخان.
فتحصّل : أنّ مادّة المشتقّات لها وضع علیٰ حدة، ووضعها نوعیّ؛ لأنّ المراد من «الوضع النوعیّ» لیس إلاّ کون اللّفظ الموضوع، غیر ملحوظ بالمادّة والهیئة جمعاً، بل إمّا تکون المادّة ملحوظة فقط، کما فی وضع موادّ المشتقّات، أو تکون الهیئة ملحوظة فقط، کما فی الهیئات الاشتقاقیّة، فما فی تقریرات الوالد ـ مدّ ظلّه ـ :
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 380
من إنکار الوضع النوعیّ، غیر تامّ وإن أراد منه معنی آخر، کما لایخفیٰ.
إن قلت : لاثمرة فی وضعها؛ لعدم إمکان الاستفادة من تلک المادّة الموضوعة إلاّ فی ضمن هیئة، فالأولیٰ کونها موضوعة فی ضمن إحدی الهیئات الدالّة علیٰ خصوصیّة فی الطبیعة.
قلت : لایلزم فی ثمرة الوضع، کون الموضوع بنفسه قابلاً للاستفادة منه، بل یکفی هیئته لذلک، نظیر الهیئات مع اختصاصها بوضع علیٰ حدة بالضرورة.
وإن شئت قلت : ینقسم الوضع بهذا اللحاظ إلی الوضع الفعلیّ، والتهیّئی، فمن الأوّل: الجوامد، ومن الثانی: الحروف، ومادّة المشتقّات والهیئات. بل لا معنیٰ للوضع الفعلیّ إلاّ علی القول بوضع المرکّبات مستقلاًّ.
ثمّ إنّ الهیئة التی یتکلّم بها لدی وضع المادّة، کما یمکن أن لاتکون من الهیئات الموضوعة بالوضع النوعیّ، بل جیء بها للتمکّن من التکلّم بالمادّة فقط، یمکن أن تکون من الهیئات التی لها الوضع النوعیّ علیٰ حدة، ولکنّها لیست ملحوظة فی هذا المقام:
فإن کانت المادّة المتکلّم بها، متشکّلة بالهیئة علی الوجه الأوّل، فیقال: إنّ الأصل لا هذا، ولا ذاک.
وإن کانت متشکّلة بالهیئة علی الفرض الثانی، فیقال: إنّ الأصل هو الفعل، مع أنّ من الممکن وضعها بهیئة اسمی الفاعل والمفعول. فالمراد من «الأصل» فی النزاع إن رجع إلیٰ ما ذکرناه فهو، وإلاّ فلا أصل لمثل هذا الأصل، کما لایخفیٰ.
ثمّ إنّ الظاهر دخالة الهیئة فی المصادر، بل وکثیر منها قیاسیّ، ولایمکن دعوی الإطلاق فی هیئة المصادر؛ بأن یقال: مصدر «ضرب یضرب» یکون «ضُرباً» بضمّ «الضاد» فعلیه لایعقل کونها أصلاً، ولا یصحّ أن یقال: بأنّ هیئة المصدر واسم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 381
المصدر، لیس لها شأن إلاّ تمکّن الواضع من التکلّم بالمادّة، فافهم وتدبّر جیّداً.
إن قیل : بناءً علیه یلزم کون هیئة المصدر واسم المصدر، ذات معنی زائد علی أصل الطبیعة الدالّة علیها المادّة.
قلنا أوّلاً : لا منع من الالتزام بکونها ذات هیئة خاصّة، ولکن لاتدلّ هی علیٰ معنیٰ.
وثانیاً : هیئة المصدر واسم المصدر مختلفة فی اللحاظ والمعنیٰ، وهذا هو الدلیل علی اختلافهما فی الدلالة علیٰ أصل الطبیعة، ولایکون ذلک الخلاف إلاّ ناشئاً من هیئتهما، ولذلک قیل واشتهر: «إنّ الحاصل من المصدر خالٍ من شوب الذات، بخلاف المصدر» أو اشتهر: «أنّ الفرق بینهما لیس إلاّ فی الاعتبار» ولایمکن ذلک إلاّ بلحاظ الهیئة؛ واختصاصها بدلالة وراء دلالة المادّة.
وإن شئت قلت : نفس الطبیعة خالیة عن اعتبار الوجود واللا وجود؛ ذهنیّاً کان، أو خارجیّاً ، بخلاف اسم المصدر ، فإنّه اعتبار الطبیعة موجودةً ، فلا یکون هو الأصل أیضاً کما لاتکون خالیة من الدلالة علیٰ أمر زائد علی الطبیعة، فیکون له الوضع.
بل لاسم المصدر ـ علیٰ ما ببالی ـ هیئة خاصّة وهی «فعل» وفی الفارسیّة أیضاً وزن خاصّ مثل (گفتار) و (کردار) و (رفتار) فما یظهر من الوالد المحقّق ـ مدّظلّه : من أنّ الهیئة فی المصدر واسم المصدر لا معنیٰ لها، غیر صحیح أیضاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 382
فبالجملة : تحصّل إلیٰ هنا اُمور :
الأوّل : أنّ ماهو مادّة المشتقّات، نفس طبیعة اللفظ خالیةً عن جمیع التعیّنات والأشکال الهیأویّة، وخالیة عن الاعتبارات الزائدة علیٰ معناها المطلق.
الثانی : أنّ لتلک المادّة وضعاً علیٰ حدة.
الثالث : أنّ المراد من أصالة «المصدر» أو «الفعل» هو أنّ الهیئة التی تمکّن بها الواضع من التکلّم هو هذا، أو ذاک، أو هو أمر آخر، فیکون الأصل هو الثالث.
الرابع : أنّ وضعها نوعیّ، لا شخصیّ.
الخامس : أن تقسیم الوضع إلی الفعلیّ والتهیّئی غیر صحیح، إلاّ علی القول باختصاص المرکّبات بوضع علیٰ حدة، وإلاّ فجمیع الألفاظ موضوعة بالوضع التهیّئیّ.
السادس : أن لهیئة المصدر واسم المصدر، معنی زائداً علیٰ معنی أصل الطبیعة الذی هو مادّة المشتقّات.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 383