القول:فی القرض
و هو تملیک مال لآخر بالضمان؛بأن یکون علی عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قیمته.ویقال للمملِّک:المقرض،وللمتملّک:المقترض و المستقرض.
(مسألة 1): یکره الاقتراض مع عدم الحاجة،وتخفّ کراهته مع الحاجة، وکلّما خفّت الحاجة اشتدّت الکراهة،وکلّما اشتدّت خفّت إلی أن تزول،بل ربما وجب لو توقّف علیه أمر واجب،کحفظ نفسه أو عرضه ونحو ذلک، والأحوط لمن لم یکن عنده ما یوفی به دینه-ولم یترقّب حصوله-عدم الاستدانة،إلّاعند الضرورة أو علم المستدان منه بحاله.
(مسألة 2): إقراض المؤمن من المستحبّات الأکیدة،سیّما لذوی الحاجة؛ لما فیه من قضاء حاجته وکشف کربته،فعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم:«من أقرض أخاه المسلم کان بکلّ درهم أقرضه وزن جبل احُد من جبال رضوی وطور سیناء حسنات،و إن رفق به فی طلبه،تعدّی به علی الصراط کالبرق الخاطف اللامع بغیر حساب ولا عذاب،ومن شکا إلیه أخوه المسلم فلم یقرضه،حرّم اللّٰه -عزّ وجلّ-علیه الجنّة یوم یجزی المحسنین».
(مسألة 3): القرض عقد یحتاج إلی إیجاب-کقوله:«أقرضتک»أو ما یؤدّی
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 693
معناه-وقبول دالّ علی الرضا بالإیجاب.ولا یعتبر فیه العربیة،بل یقع بکلّ لغة.
بل تجری المعاطاة فیه بإقباض العین وقبضها بهذا العنوان.ویعتبر فی المقرض والمقترض ما یعتبر فی المتعاقدین؛من البلوغ و العقل و القصد والاختیار وغیره.
(مسألة 4): یعتبر فی المال أن یکون عیناً-علی الأحوط-مملوکاً، فلا یصحّ إقراض الدین ولا المنفعة،ولا ما لا یصحّ تملّکه کالخمر و الخنزیر.
وفی صحّة إقراض الکلّی-بأن یوقع العقد علیه وأقبضه بدفع مصداقه-تأمّل.
ویعتبر فی المثلیات کونه ممّا یمکن ضبط أوصافه وخصوصیاته التی تختلف باختلافها القیمة و الرغبات.و أمّا فی القیمیات-کالأغنام و الجواهر-فلا یبعد عدم اعتبار إمکان ضبط الأوصاف،بل یکفی فیها العلم بالقیمة حین الإقراض،فیجوز إقراض الجواهر ونحوها علی الأقرب مع العلم بقیمتها حینه و إن لم یمکن ضبط أوصافها.
(مسألة 5): لا بدّ أن یقع القرض علی معیّن،فلا یصحّ إقراض المبهم کأحد هذین،وأن یکون قدره معلوماً بالکیل فیما یکال و الوزن فیما یوزن و العدّ فیما یقدّر بالعدّ،فلا یصحّ إقراض صبرة من طعام جزافاً ولو قدّر بکیلة معیّنة وملأ إناء معیّن غیر الکیل المتعارف،أو وزن بصخرة معیّنة غیر العیار المتعارف عند العامّة لا یبعد الاکتفاء به،لکن الأحوط خلافه.
(مسألة 6): یشترط فی صحّة القرض القبض و الإقباض،فلا یملک المستقرض المال المقترض إلّابعد القبض،ولا یتوقّف علی التصرّف.
(مسألة 7): الأقوی أنّ القرض عقد لازم،فلیس للمقرض فسخه و الرجوع بالعین المقترضة لو کانت موجودة،ولا للمقترض فسخه وإرجاع العین فی
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 694
القیمیات.نعم،للمقرض عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء؛ولو قبل قضاء وطره أو مضیّ زمان یمکن فیه ذلک.
(مسألة 8): لو کان المال المقترض مثلیاً-کالحنطة و الشعیر و الذهب والفضّة-ثبت فی ذمّة المقترض مثل ما اقترض.ویلحق به أمثال ما یخرج من المکائن الحدیثة کظروف البلّور و الصینی،بل وطاقات الملابس علی الأقرب.
ولو کان قیمیاً-کالغنم ونحوها-ثبت فی ذمّته قیمته.وفی اعتبار قیمة وقت الاقتراض و القبض أو قیمة حال الأداء،وجهان،أقربهما الأوّل؛و إن کان الأحوط التراضی و التصالح فی مقدار التفاوت بین القیمتین.
(مسألة 9): لا یجوز شرط الزیادة؛بأن یقرض مالاً علی أن یؤدّی المقترض أزید ممّا اقترضه؛سواء اشترطاه صریحاً،أو أضمراه بحیث وقع القرض مبنیّاً علیه،و هذا هو الربا القرضی المحرّم الذی ورد التشدید علیه.ولا فرق فی الزیادة بین أن تکون عینیة کعشرة دراهم باثنی عشر،أو عملاً کخیاطة ثوب له،أو منفعة أو انتفاعاً کالانتفاع بالعین المرهونة عنده،أو صفة مثل أن یُقرضه دراهم مکسورة علی أن یؤدّیها صحیحة.وکذا لا فرق بین أن یکون المال المقترض ربویاً؛بأن کان من المکیل و الموزون،وغیره بأن کان معدوداً کالجوز و البیض.
(مسألة 10): لو أقرضه وشرط علیه أن یبیع منه شیئاً بأقلّ من قیمته،أو یؤاجره بأقلّ من اجرته کان داخلاً فی شرط الزیادة.نعم،لو باع المقترض من المقرض مالاً بأقلّ من قیمته،وشرط علیه أن یقرضه مبلغاً معیّناً لا بأس به.
(مسألة 11): إنّما تحرم الزیادة مع الشرط،و أمّا بدونه فلا بأس،بل تستحبّ
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 695
للمقترض؛حیث إنّه من حسن القضاء،وخیر الناس أحسنهم قضاءً.بل یجوز ذلک إعطاءً وأخذاً؛لو کان الإعطاء لأجل أن یراه المقرض حسن القضاء، فیقرضه کلّما احتاج إلی الاقتراض،أو کان الإقراض لأجل أن ینتفع من المقترض لکونه حسن القضاء،ویکافئ من أحسن إلیه بأحسن الجزاء بحیث لو لا ذلک لم یقرضه.نعم،یکره أخذه للمقرض،خصوصاً إذا کان إقراضه لأجل ذلک،بل یستحبّ أنّه إذا أعطاه شیئاً بعنوان الهدیّة ونحوها یحسبه عوض طلبه؛ بمعنی أنّه یسقط منه بمقداره.
(مسألة 12): إنّما یحرم شرط الزیادة للمقرض علی المقترض،فلا بأس بشرطها للمقترض،کما أقرضه عشرة دراهم علی أن یؤدّی ثمانیة،أو أقرضه دراهم صحیحة علی أن یؤدّیها مکسورة.فما تداول بین التجّار من أخذ الزیادة وإعطائها فی الحوائل،المسمّی عندهم بصرف البرات،ویطلقون علیه-علی المحکیّ-بیع الحوالة وشرائها،إن کان بإعطاء مقدار من الدراهم وأخذ الحوالة من المدفوع إلیه بالأقلّ منه،فلا بأس به،و إن کان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأکثر یکون داخلاً فی الربا.
(مسألة 13) : القرض المشروط بالزیادة صحیح ، لکـن الشرط باطل وحـرام ، فیجـوز الاقتراض ممّن لا یقرض إلاّ بالزیادة ـ کالبنک وغیره ـ مع عـدم قبول الشرط علی نحو الجدّ وقبول القرض فقط ، ولا یحرم إظهار قبول الشرط من دون جدّ وقصد حقیقیّ به ، فیصحّ القرض ویبطل الشرط من دون ارتکاب الحرام .
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 696
(مسألة 14): المال المقترض إن کان مثلیاً-کالدراهم و الدنانیر و الحنطة والشعیر-کان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما یماثله فی الصفات من جنسه؛سواء بقی علی سعره الذی کان له وقت الإقراض أو ترقّی أو تنزّل،و هذا هو الوفاء الذی لا یتوقّف علی التراضی،فللمقرض أن یطالب المقترض به،ولیس له الامتناع ولو ترقّی سعره عمّا أخذه بکثیر،وللمقترض إعطاؤه ولیس للمقرض الامتناع ولو تنزّل بکثیر،ویمکن أن یؤدّی بالقیمة بغیر جنسه؛بأن یعطی بدل الدراهم الدنانیر-مثلاً-وبالعکس،ولکنّه یتوقّف علی التراضی،فلو أعطی بدل الدراهم الدنانیر فللمقرض الامتناع ولو تساویا فی القیمة،بل ولو کانت الدنانیر أغلی،کما أنّه لو أراده المقرض کان للمقترض الامتناع ولو کانت الدنانیر أرخص.و إن کان قیمیاً فقد مرّ أنّه تشتغل ذمّته بالقیمة،و هی النقود الرائجة،فأداؤه الذی لا یتوقّف علی التراضی،بإعطائها،ویمکن أن یؤدّی بجنس آخر من غیر النقود بالقیمة،لکنّه یتوقّف علی التراضی،ولو کانت العین المقترضة موجودة،فأراد المقترض أو المقرض أداء الدین بإعطائها،فالأقوی جواز الامتناع.
(مسألة 15): یجوز فی قرض المثلی أن یشترط المقرض علی المقترض أن یؤدّی من غیر جنسه،ویلزم علیه ذلک بشرط أن یکونا متساویین فی القیمة،أو کان ما شرط علیه أقلّ قیمة ممّا اقترض.
(مسألة 16): الأقوی أنّه لو شرط التأجیل فی القرض صحّ ولزم العمل به، ولیس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل.
(مسألة 17): لو شرط علی المقترض أداء القرض وتسلیمه فی بلد معیّن،
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 697
صحّ ولزم و إن کان فی حمله مؤونة،فإن طالبه فی غیره لم یلزم علیه الأداء،کما أ نّه لو أدّاه فی غیره لم یلزم علی المقرض القبول.و إن أطلق القرض ولم یعیّن بلد التسلیم،فلو طالبه المقرض فی بلد القرض یجب علیه الأداء،ولو أدّاه فیه یجب علیه القبول،و أمّا فی غیره فالأحوط للمقترض-مع عدم الضرر وعدم الاحتیاج إلی المؤونة-الأداء لو طالبه الغریم،کما أنّ الأحوط للمقرض القبول مع عدمهما،ومع لزوم أحدهما یحتاج إلی التراضی.
(مسألة 18): یجوز أن یشترط فی القرض إعطاء الرهن،أو الضامن،أو الکفیل،وکلّ شرط سائغ لا یکون فیه النفع للمقرض ولو کان مصلحة له.
(مسألة 19): لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم غیرها،لم یکن علیه إلّاالدراهم الاُولی.نعم،فی مثل الأوراق النقدیة المتعارفة فی هذه الأزمنة إذا سقطت عن الاعتبار،فالظاهر الاشتغال بالدراهم و الدنانیر الرائجة.
نعم،لو فرض وقوع القرض علی الصکّ الخاصّ بنفسه-بأن قال:أقرضتُک هذا الکاغذ المسمّی بالنوت-کان حاله حال الدراهم،وهکذا الحال فی المعاملات والمهور الواقعة علی الصکوک.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 698