کتاب الشرکة
و هی کون شیء واحد لاثنین أو أزید،و هی إمّا فی عین أو دین أو منفعة أو حقّ.وسببها:قد یکون إرثاً،و قد یکون عقداً ناقلاً،کما إذا اشتری اثنان معاً مالاً،أو استأجرا عیناً،أو صولحا عن حقّ.ولها سببان آخران یختصّان بالشرکة فی الأعیان:
أحدهما:الحیازة،کما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة،أو اغترفا ماءً مباحاً بآنیة واحدة دفعة.
وثانیهما:الامتزاج،کما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر؛سواء وقع قهراً أو عمداً واختیاراً.
ولها سبب آخر:و هو تشریک أحدهما الآخر فی ماله،ویسمّی بالتشریک، و هو غیر الشرکة العقدیة بوجه.
(مسألة 1): الامتزاج قد یوجب الشرکة الواقعیة الحقیقیة،و هو فیما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بین مائعین متجانسین،کالماء بالماء،والدهن بالدهن، بل وغیر متجانسین کدهن اللوز بدهن الجوز مثلاً،رافع للامتیاز عرفاً بحسب
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 662
الواقع و إن لم یکن عقلاً کذلک.و أمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض کالأدقّة،ففی کونه موجباً للشرکة الواقعیة تأمّل وإشکال،ولا یبعد کونها ظاهریة.و قد یوجب الشرکة الظاهریة الحکمیة،و هی مثل خلط الحنطة بالحنطة و الشعیر بالشعیر.ومنها خلط ذوات الحبّات الصغیرة بمجانسها علی الأقوی،کالخشخاش بالخشخاش،والدخن و السمسم بمثلهما وجنسهما.و أمّا مع الخلط بغیر جنسهما فالظاهر عدم الشرکة،فیتخلّص بالصلح ونحوه.کما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه فی خلط الجوز بالجوز و اللوز باللوز،وکذا الدراهم و الدنانیر المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض علی نحو یرفع الامتیاز.ولا تتحقّق الشرکة لا واقعاً ولا ظاهراً بخلط القیمیات بعضها ببعض،کما لو اختلط الثیاب بعضها ببعض مع تقارب الصفات،والأغنام بالأغنام ونحو ذلک،فالعلاج فیها التصالح أو القرعة.
(مسألة 2): لا یجوز لبعض الشرکاء التصرّف فی المال المشترک إلّابرضا الباقین،بل لو أذن أحد الشریکین لشریکه فی التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلّا بإذن صاحبه،ویجب علی المأذون أن یقتصر علی المقدار المأذون فیه کمّاً وکیفاً.نعم،الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه عند الإطلاق،والموارد مختلفة لا بدّ من لحاظها،فربما یکون إذنه له فی سکنی الدار لازمه إسکان أهله وعیاله وأطفاله،بل وتردّد أصدقائه ونزول ضیوفه بالمقدار المعتاد،فیجوز ذلک کلّه إلّا أن یمنع عنه کلاًّ أو بعضاً فیتّبع.
(مسألة 3): کما تطلق الشرکة علی المعنی المتقدّم-و هو کون شیء واحد لاثنین أو أزید-تطلق أیضاً علی معنی آخر،و هو العقد الواقع بین اثنین أو أزید
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 663
علی المعاملة بمال مشترک بینهم،وتسمّی الشرکة العقدیة والاکتسابیة.وثمرته جواز تصرّف الشریکین فیما اشترکا فیه بالتکسّب به،وکون الربح و الخسران بینهما علی نسبة مالهما.و هی عقد یحتاج إلی إیجاب وقبول،ویکفی قولهما:
اشترکنا،أو قول أحدهما ذلک مع قبول الآخر،ولا یبعد جریان المعاطاة فیها؛ بأن خلطا المالین بقصد اشتراکهما فی الاکتساب و المعاملة به.
(مسألة 4): یعتبر فی الشرکة العقدیة کلّ ما اعتبر فی العقود المالیة؛من البلوغ و العقل و القصد والاختیار وعدم الحجر لفلس أو سفه.
(مسألة 5): لا تصحّ الشرکة العقدیة إلّافی الأموال نقوداً کانت أو عروضاً، وتسمّی تلک:شرکة العنان.ولا تصحّ فی الأعمال،و هی المسمّاة بشرکة الأبدان؛بأن أوقع العقد اثنان علی أن تکون اجرة عمل کلّ منهما مشترکاً بینهما؛ سواء اتّفقا فی العمل کالخیّاطین،أو اختلفا کالخیّاط مع النسّاج،ومن ذلک معاقدة شخصین علی أنّ کلّ ما یحصل کلّ منهما بالحیازة من الحطب-مثلاً- یکون مشترکاً بینهما،فلا تتحقّق الشرکة بذلک،بل یختصّ کلّ منهما باُجرته وبما حازه.نعم،لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلی مدّة-کسنة أو سنتین-علی نصف منفعة الآخر إلی تلک المدّة وقبل الآخر صحّ،واشترک کلّ منهما فیما یحصّله الآخر فی تلک المدّة بالأجر و الحیازة،وکذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلی مدّة بعوض معیّن-کدینار مثلاً-وصالحه الآخر أیضاً نصف منفعته فی تلک المدّة بذلک العوض.
ولا تصحّ أیضاً شرکة الوجوه.وأشهر معانیها علی المحکیّ أن یوقع العقد اثنان وجیهان عند الناس-لا مال لهما-علی أن یبتاع کلّ منهما فی ذمّته
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 664
إلی أجل،ویکون ذلک بینهما،فیبیعانه ویؤدّیان الثمن،ویکون ما حصل من الربح بینهما.ولو أرادا حصول هذه النتیجة بوجه مشروع،وکّل کلّ منهما الآخر فی أن یشارکه فیما اشتراه؛بأن یشتری لهما وفی ذمّتهما،فیکون حینئذٍ الربح والخسران بینهما.
ولا تصحّ أیضاً شرکة المفاوضة،و هی أن یعقد اثنان علی أن یکون کلّ ما یحصل لکلّ منهما من ربح تجارة،أو فائدة زراعة،أو اکتساب،أو إرث،أو وصیّة،أو غیر ذلک شارکه فیه الآخر،وکذا کلّ غرامة وخسارة ترد علی أحدهما تکون علیهما.فانحصرت الشرکة العقدیة الصحیحة بشرکة العنان.
(مسألة 6): لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معیّنة،کانت الاُجرة مشترکة بینهما.وکذا لو حاز اثنان معاً مباحاً،کما لو اقتلعا معاً شجرة،أو اغترفا ماءً دفعة بآنیة واحدة،کان ما حازاه مشترکاً بینهما.ولیس ذلک من شرکة الأبدان حتّی تکون باطلة.وتقسم الاُجرة وما حازاه بنسبة عملهما،ولو لم تُعلم النسبة فالأحوط التصالح.
(مسألة 7): یشترط فی عقد الشرکة العنانیة:أن یکون رأس المال من الشریکین ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتمیّز قبل العقد أو بعده؛سواء کان المالان من النقود أم العروض،حصل به الشرکة کالمائعات أم لا،کالدراهم و الدنانیر،کانا مثلیین أم قیمیین.وفی الأجناس المختلفة التی لا یجری فیها المزج الرافع للتمیّز،لا بدّ من التوسّل بأحد أسباب الشرکة علی الأحوط،ولو کان المال مشترکاً کالمورّث یجوز إیقاع العقد علیه،وفائدته الإذن فی التجارة فی مثله.
(مسألة 8): لا یقتضی عقد الشرکة ولا إطلاقه جواز تصرّف کلّ من
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 665
الشریکین فی مال الآخر بالتکسّب،إلّاإذا دلّت قرینة حالیة أو مقالیة علیه،کما إذا کانت الشرکة حاصلة-کالمورّث-فأوقعا العقد،ومع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال،ویتّبع فی الإطلاق و التقیید،و إذا اشترطا کون العمل من أحدهما أو من کلیهما معاً فهو المتّبع.هذا من حیث العامل.و أمّا من حیث العمل والتکسّب،فمع إطلاق الإذن یجوز مطلقه ممّا یریان فیه المصلحة کالعامل فی المضاربة،ولو عیّنا جهة خاصّة-کبیع الأغنام أو الطعام وشرائهما أو البزازة أو غیر ذلک-اقتصر علیه،ولا یتعدّی إلی غیره.
(مسألة 9): حیث إنّ کلّ واحد من الشریکین کالوکیل و العامل عن الآخر، فإذا عقدا علی الشرکة فی مطلق التکسّب أو تکسّب خاصّ،یقتصر علی المتعارف،فلا یجوز البیع بالنسیئة ولا السفر بالمال إلّامع التعارف،والموارد فیهما مختلفة،وإلّا مع الإذن الخاصّ،وجاز لهما کلّ ما تعارف؛من حیث الجنس المشتری و البائع و المشتری وأمثال ذلک.نعم،لو عیّنا شیئاً لم یجز لهما المخالفة عنه إلّابإذن الشریک،و إن تعدّی عمّا عیّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة و التلف.
(مسألة 10): إطلاق الشرکة یقتضی بسط الربح و الخسران علی الشریکین علی نسبة مالهما،فإن تساوی تساویا فیهما،وإلّا یتفاضلان حسب تفاوته؛من غیر فرق بین ما کان العمل من أحدهما أو منهما،مع التساوی فیه أو الاختلاف.
ولو شرط التفاوت فی الربح مع التساوی فی المال،أو تساویهما فیه مع التفاوت فیه،فإن جعل الزیادة للعامل منهما أو لمن کان عمله أزید صحّ بلا إشکال،و إن جعلت لغیر العامل أو لمن لم یکن عمله أزید،ففی صحّة العقد و الشرط معاً،أو بطلانهما،أو صحّة العقد دون الشرط،أقوال أقواها أوّلها.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 666
(مسألة 11): العامل من الشریکین أمین،فلا یضمن التلف إلّامع التعدّی أو التفریط.و إن ادّعی التلف قبل قوله.وکذا لو ادّعی الشریک علیه التعدّی والتفریط و قد أنکر.
(مسألة 12): عقد الشرکة جائز من الطرفین،فیجوز لکلّ منهما فسخه فینفسخ.والظاهر بطلان أصل الشرکة به فیما إذا تحقّقت بعقدها،لا بالمزج ونحوه،کمزج اللوز باللوز،والجوز بالجوز،والدرهم و الدینار بمثلهما.ففی مثلها لو انفسخ العقد یرجع کلّ مال إلی صاحبه،فیتخلّص فیه بالتصالح.وکذا ینفسخ بعروض الموت و الجنون و الإغماء و الحجر بالفلس أو السفه.ولا یبعد بقاء أصل الشرکة فی ذلک مطلقاً؛مع عدم جواز تصرّف الشریک.
(مسألة 13): لو جعلا للشرکة أجلاً لم یلزم،فیجوز لکلّ منهما الرجوع قبل انقضائه،إلّاإذا اشترطا فی ضمن عقد لازم عدم الرجوع،فیجب علیهما الوفاء، بل وکذا فی ضمن عقد جائز،فیجب الوفاء ما دام العقد باقیاً.
(مسألة 14): لو تبیّن بطلان عقد الشرکة،کانت المعاملات الواقعة قبله محکومة بالصحّة إذا لم یکن إذنهما متقیّداً بالشرکة إذا حصلت بالعقد،أو بصحّة عقدها فی غیره.هذا إذا اتّجر کلّ منهما أو واحد منهما مستقلاًّ،وإلّا فلا إشکال.
وعلی الصحّة لهما الربح وعلیهما الخسران علی نسبة المالین،ولکلّ منهما اجرة مثل عمله بالنسبة إلی حصّة الآخر.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 667