القول:فی مراتب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر
فإنّ لهما مراتب لا یجوز التعدّی عن مرتبة إلی الاُخری مع حصول المطلوب من المرتبة الدانیة،بل مع احتماله.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 505
المرتبة الاُولیٰ: أن یعمل عملاً یظهر منه انزجاره القلبی عن المنکر،وأ نّه طلب منه بذلک فعل المعروف وترک المنکر،وله درجات:کغمض العین، والعبوس والانقباض فی الوجه،وکالإعراض بوجهه أو بدنه،وهجره وترک مراودته ونحو ذلک.
(مسألة 1): یجب الاقتصار علی المرتبة المذکورة مع احتمال التأثیر ورفع المنکر بها.وکذا یجب الاقتصار فیها علی الدرجة الدانیة فالدانیة و الأیسر فالأیسر،سیّما إذا کان الطرف فی مورد یهتک بمثل فعله،فلا یجوز التعدّی عن المقدار اللازم،فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العین المفهم للطلب، لا یجوز التعدّی إلی مرتبة فوقه.
(مسألة 2): لو کان الإعراض و الهجر-مثلاً-موجباً لتخفیف المنکر -لا قلعه-ولم یحتمل تأثیر أمره ونهیه لساناً فی قلعه،ولم یمکنه الإنکار بغیر ذلک،وجب.
(مسألة 3): لو کان فی إعراض علماء الدین ورؤساء المذهب-أعلی اللّٰه کلمتهم-عن الظلمة وسلاطین الجور احتمال التأثیر-ولو فی تخفیف ظلمهم- یجب علیهم ذلک،ولو فرض العکس-بأن کانت مراودتهم ومعاشرتهم موجبة له-لا بدّ من ملاحظة الجهات وترجیح الجانب الأهمّ،ومع عدم محذور آخر -حتّی احتمال کون عشرتهم موجباً لشوکتهم وتقویتهم،وتجرّیهم علی هتک الحرمات،أو احتمال هتک مقام العلم و الروحانیة،وإساءة الظنّ بعلماء الإسلام- وجبت لذلک المقصود.
(مسألة 4): لو کانت عشرة علماء الدین ورؤساء المذهب خالیةً عن
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 506
مصلحة راجحة لازمة المراعاة،لا تجوز لهم،سیّما إذا کانت موجبة لاتّهامهم وانتسابهم إلی الرضا بما فعلوا.
(مسألة 5): لو کان فی ردّ هدایا الظلمة وسلاطین الجور احتمال التأثیر فی تخفیف ظلمهم أو تخفیف تجرّیهم علی مبتدعاتهم،وجب الردّ،ولا یجوز القبول،ولو کان بالعکس لا بدّ من ملاحظة الجهات وترجیح الجانب الأهمّ کما تقدّم.
(مسألة 6): لو کان فی قبول هدایاهم تقویة شوکتهم وتجرّیهم علی ظلمهم أو مبتدعاتهم یحرم القبول،ومع احتمالها فالأحوط عدم القبول،ولو کان الأمر بالعکس تجب ملاحظة الجهات وتقدیم الأهمّ.
(مسألة 7): یحرم الرضا بفعل المنکر وترک المعروف،بل لا یبعد وجوب کراهتهما قلباً،و هی غیر الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر.
(مسألة 8): لا یشترط حرمة الرضا ووجوب الکراهة بشرط،بل یحرم ذلک وتجب ذاک مطلقاً.
المرتبة الثانیة: الأمر و النهی لساناً.
(مسألة 1): لو علم أنّ المقصود لا یحصل بالمرتبة الاُولی،یجب الانتقال إلی الثانیة مع احتمال التأثیر.
(مسألة 2): لو احتمل حصول المطلوب بالوعظ و الإرشاد و القول اللیّن یجب ذلک،ولا یجوز التعدّی عنه.
(مسألة 3): لو علم عدم تأثیر ما ذکر انتقل إلی التحکّم بالأمر و النهی،
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 507
ویجب أن یکون من الأیسر فی القول إلی الأیسر مع احتمال التأثیر،ولا یجوز التعدّی،سیّما إذا کان المورد ممّا یهتک الفاعل بقوله.
(مسألة 4): لو توقّف رفع المنکر وإقامة المعروف علی غلظة القول، والتشدید فی الأمر و التهدید و الوعید علی المخالفة،تجوز،بل تجب مع التحرّز عن الکذب.
(مسألة 5): لا یجوز إشفاع الإنکار بما یحرم وینکر کالسبّ و الکذب والإهانة.نعم،لو کان المنکر ممّا یهتمّ به الشارع ولا یرضی بحصوله مطلقاً -کقتل النفس المحترمة وارتکاب القبائح و الکبائر الموبقة-جاز،بل وجب المنع و الدفع ولو مع استلزامه ما ذکر لو توقّف المنع علیه.
(مسألة 6): لو کان بعض مراتب القول أقلّ إیذاء وإهانة من بعض ما ذکر فی المرتبة الاُولی،یجب الاقتصار علیه،ویکون مقدّماً علی ذلک،فلو فرض أنّ الوعظ و الإرشاد بقول لیّن ووجه منبسط مؤثّر أو محتمل التأثیر،وکان أقلّ إیذاء من الهجر و الإعراض ونحوهما،لا یجوز التعدّی منه إلیهما،والأشخاص-آمراً ومأموراً-مختلفون جدّاً،فربّ شخصٍ یکون إعراضه وهجره أثقل وأشدّ إیذاءً وإهانة من قوله وأمره ونهیه،فلا بدّ للآمر و الناهی ملاحظة المراتب والأشخاص،والعمل علی الأیسر ثمّ الأیسر.
(مسألة 7): لو فرض تساوی بعض ما فی المرتبة الاُولی مع بعض ما فی المرتبة الثانیة،لم یکن ترتیب بینهما،بل یتخیّر بینهما،فلو فرض أنّ الإعراض مساوٍ للأمر فی الإیذاء،وعلم أو احتمل تأثیر کلّ منهما،یتخیّر بینهما،ولا یجوز الانتقال إلی الأغلظ.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 508
(مسألة 8): لو احتمل التأثیر وحصول المطلوب بالجمع بین بعض درجات المرتبة الاُولی أو المرتبة الثانیة،أو بالجمع بین تمام درجات الاُولی أو الثانیة ممّا أمکن الجمع بینها،أو الجمع بین المرتبتین ممّا أمکن ذلک،وجب ذلک بما أمکن،فلو علم عدم التأثیر لبعض المراتب،واحتمل التأثیر فی الجمع بین الانقباض و العبوس و الهجر و الإنکار لساناً،مشفوعاً بالغلظة و التهدید ورفع الصوت و الإخافة ونحو ذلک وجب الجمع.
(مسألة 9): لو توقّف دفع منکر أو إقامة معروف علی التوسّل بالظالم لیدفعه عن المعصیة جاز،بل وجب مع الأمن عن تعدّیه ممّا هو مقتضی التکلیف، ووجب علی الظالم الإجابة،بل الدفع واجب علی الظالم کغیره،ووجبت علیه مراعاة ما وجبت مراعاته علی غیره من الإنکار بالأیسر ثمّ الأیسر.
(مسألة 10): لو حصل المطلوب بالمرتبة الدانیة من شخص وبالمرتبة التی فوقها من آخر،فالظاهر وجوب ما هو تکلیف کلّ منهما کفائیاً،ولا یجب الإیکال إلی من حصل المطلوب منه بالمرتبة الدانیة.
(مسألة 11): لو کان إنکار شخص مؤثّراً فی تقلیل المنکر وإنکار آخر مؤثّراً فی دفعه،وجب علی کلّ منهما القیام بتکلیفه،لکن لو قام الثانی بتکلیفه وقلع المنکر سقط عن الآخر،بخلاف قیام الأوّل الموجب للتقلیل،فإنّه لا یسقط بفعله تکلیف الثانی.
(مسألة 12): لو علم إجمالاً بأنّ الإنکار بإحدی المرتبتین مؤثّر یجب بالمرتبة الدانیة،فلو لم یحصل بها المطلوب انتقل إلی العالیة.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 509
المرتبة الثالثة: الإنکار بالید.
(مسألة 1): لو علم أو اطمأنّ بأنّ المطلوب لا یحصل بالمرتبتین السابقتین، وجب الانتقال إلی الثالثة،و هی إعمال القدرة مراعیاً للأیسر فالأیسر.
(مسألة 2): إن أمکنه المنع بالحیلولة بینه وبین المنکر،وجب الاقتصار علیها لو کان أقلّ محذوراً من غیرها.
(مسألة 3): لو توقّفت الحیلولة علی تصرّف فی الفاعل أو آلة فعله-کما لو توقّفت علی أخذ یده أو طرده،أو التصرّف فی کأسه الذی فیه الخمر،أو سکّینه ونحو ذلک-جاز بل وجب.
(مسألة 4): لو توقّف دفع المنکر علی الدخول فی داره أو ملکه،والتصرّف فی أمواله-کفرشه وفراشه-جاز لو کان المنکر من الاُمور المهمّة التی لا یرضی المولی بخلافه کیف ما کان،کقتل النفس المحترمة،وفی غیر ذلک إشکال؛و إن لا یبعد بعض مراتبه فی بعض المنکرات.
(مسألة 5): لو انجرّت المدافعة إلی وقوع ضرر علی الفاعل-ککسر کأسه أو سکّینه-بحیث کان من قبیل لازم المدافعة فلا یبعد عدم الضمان،ولو وقع الضرر علی الآمر و الناهی من قِبل المرتکب کان ضامناً وعاصیاً.
(مسألة 6): لو کسر القارورة التی فیها الخمر-مثلاً-أو الصندوق الذی فیه آلات القمار؛ممّا لم یکن ذلک من قبیل لازم الدفع،ضمن وفعل حراماً.
(مسألة 7): لو تعدّی عن المقدار اللازم فی دفع المنکر،وانجرّ إلی ضرر علی فاعل المنکر ضمن،وکان التعدّی حراماً.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 510
(مسألة 8): لو توقّفت الحیلولة علی حبسه فی محلّ أو منعه عن الخروج من منزله جاز،بل وجب مراعیاً للأیسر فالأیسر و الأسهل فالأسهل،ولا یجوز إیذاؤه و الضیق علیه فی المعیشة.
(مسألة 9): لو لم یحصل المطلوب إلّابنحو من الضیق و التحریج علیه، فالظاهر جوازه بل وجوبه مراعیاً للأیسر فالأیسر.
(مسألة 10): لو لم یحصل المطلوب إلّابالضرب و الإیلام،فالظاهر جوازهما مراعیاً للأیسر فالأیسر و الأسهل فالأسهل،وینبغی الاستئذان من الفقیه الجامع للشرائط،بل ینبغی ذلک فی الحبس و التحریج ونحوهما.
(مسألة 11): لو کان الإنکار موجباً للجرّ إلی الجرح أو القتل،فلا یجوز إلّا بإذن الإمام علیه السلام علی الأقوی،وقام فی هذا الزمان الفقیه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط.
(مسألة 12): لو کان المنکر ممّا لا یرضی المولی بوجوده مطلقاً-کقتل النفس المحترمة-جاز بل وجب الدفع ولو انجرّ إلی جرح الفاعل أو قتله، فیجب الدفاع عن النفس المحترمة بجرح الفاعل أو قتله لو لم یمکن بغیر ذلک؛ من غیر احتیاج إلی إذن الإمام علیه السلام أو الفقیه مع حصول الشرائط،فلو هجم شخص علی آخر لیقتله وجب دفعه ولو بقتله مع الأمن من الفساد،ولیس علی القاتل حینئذٍ شیء.
(مسألة 13): لا یجوز التعدّی إلی القتل مع إمکان الدفع بالجرح،ولا بدّ من مراعاة الأیسر فالأیسر فی الجرح،فلو تعدّی ضمن،کما أنّه لو وقع علیه من فاعل المنکر جرحٌ ضمن،أو قتلٌ یقتصّ منه.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 511
(مسألة 14): ینبغی أن یکون الآمر بالمعروف و الناهی عن المنکر فی أمره ونهیه ومراتب إنکاره کالطبیب المعالج المشفق،والأب الشفیق المراعی مصلحة المرتکب،وأن یکون إنکاره لطفاً ورحمة علیه خاصّة،وعلی الاُمّة عامّة،وأن یجرّد قصده للّٰهتعالی ولمرضاته،ویخلّص عمله ذلک عن شوائب أهویة نفسانیة وإظهار العلوّ،وأن لا یری نفسه منزّهة،ولا لها علوّاً أو رفعة علی المرتکب،فربما کان للمرتکب ولو للکبائر صفات نفسانیة مرضیّة للّٰهتعالی أحبّه تعالی لها و إن أبغض عمله،وربما کان الآمر و الناهی بعکس ذلک و إن خفی علی نفسه.
(مسألة 15): من أعظم أفراد الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر وأشرفها وألطفها وأشدّها تأثیراً وأوقعها فی النفوس سیّما إذا کان الآمر أو الناهی من علماء الدین ورؤساء المذهب-أعلی اللّٰه کلمتهم-هو الصادر عمّن یکون لابساً رداء المعروف واجبه ومندوبه،ومتجنّباً عن المنکر بل المکروه،وأن یتخلّق بأخلاق الأنبیاء و الروحانیّین،ویتنزّه عن أخلاق السفهاء وأهل الدنیا؛حتّی یکون بفعله وزیّه وأخلاقه آمراً وناهیاً،ویقتدی به الناس،و إن کان-والعیاذ باللّٰه تعالی-بخلاف ذلک ورأی الناس أنّ العالم المدّعی لخلافة الأنبیاء وزعامة الاُمّة غیر عامل بما یقول،صار ذلک موجباً لضعف عقیدتهم وجرأتهم علی المعاصی وسوء ظنّهم بالسلف الصالح،فعلی العلماء-سیّما ورؤساء المذهب-أن یتجنّبوا مواضع التُهم،وأعظمها التقرّب إلی سلاطین الجور و الرؤساء الظلمة،وعلی الاُمّة الإسلامیة أن لو رأوا عالماً کذلک حملوا فعله علی الصحّة مع الاحتمال،وإلّا أعرضوا عنه ورفضوه،فإنّه غیر روحانی تلبّس بزیّ الروحانیّین،وشیطان فی رداء العلماء،نعوذ باللّٰه من مثله ومن شرّه علی الإسلام.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 512