القول:فی شرائط صلاة الجمعة
و هی امور:
الأوّل:العدد،وأقلّه خمسة نفر أحدهم الإمام،فلا تجب ولا تنعقد بأقلّ منها.
وقیل:أقلّه سبعة نفر،والأشبه ما ذکرناه،فلو اجتمع سبعة نفر وما فوق تکون الجمعة آکد فی الفضل.
الثانی:الخطبتان،وهما واجبتان کأصل الصلاة،ولا تنعقد الجمعة بدونهما.
الثالث:الجماعة،فلا تصحّ الجمعة فرادی.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 242
الرابع:أن لا یکون هناک جمعة اخری وبینهما دون ثلاثة أمیال،فإذا کان بینهما ثلاثة أمیال صحّتا جمیعاً.والمیزان هو البعد بین الجمعتین،لا البلدین اللذین ینعقد فیهما الجُمعة،فجازت إقامة جُمُعات فی بلاد کبیرة تکون طولها فراسخ.
(مسألة 1): لو اجتمع خمسة نفر للجمعة،فتفرّقوا فی أثناء الخطبة أو بعدها قبل الصلاة،ولم یعودوا،ولم یکن هناک عدد بقدر النصاب،تعیّن علی کلّ صلاة الظهر.
(مسألة 2): لو تفرّقوا فی أثناء الخطبة ثمّ عادوا،فإن کان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّی الواجب،فالظاهر عدم وجوب إعادتها ولو طالت المدّة،کما أنّه کذلک لو تفرّقوا بعدها فعادوا.و إن کان قبل تحقّق الواجب منها،فإن کان التفرّق للانصراف عن الجمعة فالأحوط استئنافها مطلقاً،و إن کان لعذر کمطر-مثلاً- فإن طالت المدّة بمقدار أضرّ بالوحدة العرفیة،فالظاهر وجوب الاستئناف،وإلّا بَنَوا علیها وصحّت.
(مسألة 3): لو انصرف بعضهم قبل الإتیان بمسمّی الواجب،ورجع من غیر فصل طویل،فإن سکت الإمام فی غیبته اشتغل بها من حیث سکت،و إن أدامها ولم یسمعها الغائب أعادها من حیث غاب ولم یدرکها،و إن لم یرجع إلّابعد فصل طویل-یضرّ بوحدة الخطبة عرفاً-أعادها،و إن لم یرجع وجاء آخر تجب استئنافها مطلقاً.
(مسألة 4): لو زاد العدد علی نصاب الجمعة،لا یضرّ مفارقة بعضهم مطلقاً بعد بقاء مقدار النصاب.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 243
(مسألة 5): إن دخل الإمام فی الصلاة،وانفضّ الباقون قبل تکبیرهم ولم یبقَ إلّاالإمام،فالظاهر عدم انعقاد الجمعة،وهل له العدول إلی الظهر،أو یجوز إتمامها ظهراً من غیر نیّة العدول،بل تکون ظهراً بعد عدم انعقاد الجمعة فیتمّها أربع رکعات؟فیه إشکال،والأحوط نیّة العدول وإتمامها ثمّ الإتیان بالظهر، وأحوط منه إتمامها جمعة ثمّ الإتیان بالظهر و إن کان الأقرب بطلانها،فیجوز رفع الید عنها و الإتیان بالظهر.
(مسألة 6): إن دخل العدد-أیأربعة نفر مع الإمام-فی صلاة الجمعة ولو بالتکبیر،وجب الإتمام ولو لم یبقَ إلّاواحد علی قول معروف،والأشبه بطلانها؛سواء بقی الإمام وانفضّ الباقون أو بعضهم،أو انفضّ الإمام وبقی الباقون أو بعضهم،وسواء صلّوا رکعة أو أقلّ.لکن لا ینبغی ترک الاحتیاط بالإتمام جمعة ثمّ الإتیان بالظهر.نعم،لا یبعد الصحّة جُمعة إذا انفضّ بعض فی أخیرة الرکعة الثانیة،بل بعد رکوعها،والاحتیاط بإتیان الظهر مع ذلک بعدها لا ینبغی ترکه.
(مسألة 7): یجب فی کلّ من الخطبتین التحمید،ویعقّبه بالثناء علیه تعالی علی الأحوط.والأحوط أن یکون التحمید بلفظ الجلالة،و إن کان الأقوی جوازه بکلّ ما یُعدّ حمداً له تعالی،والصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم علی الأحوط فی الخطبة الاُولی،وعلی الأقوی فی الثانیة،والإیصاء بتقوی اللّٰه تعالی فی الاُولی علی الأقوی،وفی الثانیة علی الأحوط،وقراءة سورة صغیرة فی الاُولی علی الأقوی،وفی الثانیة علی الأحوط،والأحوط الأولی فی الثانیة الصلاة علی أئمّة المسلمین علیهم السلام،بعد الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم،والاستغفار للمؤمنین
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 244
والمؤمنات.والأولی اختیار بعض الخطب المنسوبة إلی أمیر المؤمنین علیه السلام،أو المأثورة عن أهل بیت العصمة علیهم السلام.
(مسألة 8): الأحوط إتیان الحمد و الصلاة فی الخطبة بالعربی و إن کان الخطیب و المستمع غیر عربی،و أمّا الوعظ و الإیصاء بتقوی اللّٰه تعالی فالأقوی جوازه بغیره،بل الأحوط أن یکون الوعظ ونحوه من ذکر مصالح المسلمین بلغة المستمعین،و إن کانوا مختلطین یجمع بین اللغات.نعم،لو کان العدد أکثر من النصاب جاز الاکتفاء بلغة النصاب،لکن الأحوط أن یعظهم بلغتهم.
(مسألة 9): ینبغی للإمام الخطیب أن یذکر-فی ضمن خطبته-ما هو من مصالح المسلمین فی دینهم ودنیاهم،ویخبرهم بما جری فی بلاد المسلمین وغیرها؛من الأحوال التی لهم فیها المضرّة أو المنفعة،وما یحتاج المسلمون إلیه فی المعاش و المعاد،والاُمور السیاسیة والاقتصادیة ممّا هی دخیلة فی استقلالهم وکیانهم،وکیفیة معاملتهم مع سائر الملل،والتحذیر عن تدخّل الدول الظالمة المستعمرة فی امورهم-سیّما السیاسیة والاقتصادیة-المنجرّ إلی استعمارهم واستثمارهم.وبالجملة:الجُمعة وخطبتاها من المواقف العظیمة للمسلمین،کسائر المواقف العظیمة،مثل الحجّ و المواقف التی فیه و العیدین وغیرها،ومع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السیاسیة فیها وفی غیرها من المواقف السیاسیة الإسلامیة،فالإسلام دین السیاسة بشؤونها؛ یظهر لمن له أدنی تدبّر فی أحکامه الحکومیة و السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة،فمن توهّم أنّ الدین منفکّ عن السیاسة،فهو جاهل لم یعرف الإسلام ولا السیاسة.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 245
(مسألة 10): یجوز إیقاع الخطبتین قبل زوال الشمس بحیث إذا فرغ منهما زالت،والأحوط إیقاعهما عند الزوال.
(مسألة 11): یجب أن تکون الخطبتان قبل صلاة الجمعة،فلو بدأ بالصلاة تبطل،وتجب الصلاة بعدهما لو بقی الوقت،والظاهر عدم وجوب إعادتهما إذا کان الإتیان جهلاً أو سهواً،فیأتی بالصلاة بعدهما.ولو قیل بعدم وجوب إعادة الصلاة أیضاً إذا کان التقدیم عن غیر عمد وعلم،لکان له وجه.
(مسألة 12): یجب أن یکون الخطیب قائماً وقت إیراد الخطبة،ویجب وحدة الخطیب و الإمام،فلو عجز الخطیب عن القیام خطب غیره،وأمّهم الذی خطبهم، ولو لم یکن غیر العاجز فالظاهر الانتقال إلی الظهر.نعم،لو کانت الجمعة واجبة تعییناً خطبهم العاجز عن القیام جالساً،والأحوط الإتیان بالظهر بعد الجمعة، ویجب الفصل بین الخطبتین بجلسة خفیفة.
(مسألة 13): الأحوط لو لم یکن الأقوی وجوب رفع الصوت فی الخطبة بحیث یسمع العدد،بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها،بل لا إشکال فی عدم جواز إخفات الوعظ و الإیصاء،وینبغی أن یرفع صوته بحیث یسمع الحُضّار،بل هو أحوط،أو یخطب بواسطة السمّاعات إذا کان الجماعة کثیرة؛لإبلاغ الوعظ والترغیب و الترهیب و المسائل المهتمّ بها.
(مسألة 14): الأحوط بل الأوجه وجوب الإصغاء إلی الخطبة،بل الأحوط الإنصات وترک الکلام بینها،و إن کان الأقوی کراهته.نعم،لو کان التکلّم موجباً لترک الاستماع وفوات فائدة الخطبة لزم ترکه.والأحوط الأولی استقبال المستمعین الإمام حال الخطبة،وعدم الالتفات زائداً علی مقدار الجواز
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 246
فی الصلاة،وطهارة الإمام حال الخطبة عن الحدث و الخبث،وکذا المستمعین.
والأحوط الأولی للإمام أن لا یتکلّم بین الخطبة بما لا یرجع إلی الخطابة، ولا بأس بالتکلّم بعد الخطبتین إلی الدخول فی الصلاة.وینبغی أن یکون الخطیب بلیغاً مراعیاً لمقتضیات الأحوال بالعبارات الفصیحة الخالیة عن التعقید، عارفاً بما جری علی المسلمین فی الأقطار،سیّما قطره،عالماً بمصالح الإسلام و المسلمین،شجاعاً لا یلومه فی اللّٰه لومة لائم،صریحاً فی إظهار الحقّ وإبطال الباطل حسب المقتضیات و الظروف،مراعیاً لما یوجب تأثیر کلامه فی النفوس؛من مواظبة أوقات الصلوات،والتلبّس بزیّ الصالحین و الأولیاء،وأن یکون أعماله موافقاً لمواعظه وترهیبه وترغیبه،وأن یجتنب عمّا یوجب وهنه ووهن کلامه؛حتّی کثرة الکلام و المزاح وما لا یَعنی.کلّ ذلک إخلاصاً للّٰه تعالی وإعراضاً عن حُبّ الدنیا و الرئاسة-فإنّه رأس کلّ خطیئة-لیکون لکلامه تأثیر فی النفوس.ویستحبّ له أن یتعمّم فی الشتاء و الصیف،ویتردّی ببرد یمنی أو عدنی،ویتزیّن،ویلبس أنظف ثیابه متطیّباً،علی وقار وسکینة، وأن یسلّم إذا صعد المنبر،واستقبل الناس بوجهه،ویستقبلونه بوجوههم،وأن یعتمد علی شیء من قوس أو عصا أو سیف،وأن یجلس علی المنبر أمام الخطبة حتّی یفرغ المؤذّنون.
(مسألة 15): قد مرّ اعتبار الفاصلة بین الجمعتین بثلاثة أمیال،فإن اقیمت جمعتان دون الحدّ المعتبر،فإن اقترنتا بطلتا جمیعاً،و إن سبقت إحداهما ولو بتکبیرة الإحرام بطلت المتأخّرة؛سواء کان المصلّون عالمین بسبق جمعة أم لا، وصحّت المتقدّمة؛سواء علم المصلّون بلحوق جمعة أم لا.والمیزان فی الصحّة:
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 247
تقدّم الصلاة لا الخطبة،فلو تقدّم إحدی الجمعتین فی الخطبة والاُخری فی الصلاة،بطلت المتأخّرة فی الشروع فی الصلاة.
(مسألة 16): الأحوط عند إرادة إقامة جمعة فی محلٍّ،إحرازُ أن لا جمعة هناک دون الحدّ المقرّر مقارنة لها أو منعقدة قبلها؛و إن کان الأشبه جواز الانعقاد وصحّة الجمعة؛ما لم یُحرز انعقاد جمعة اخری مقارنة لها أو مقدّمة علیها،بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اخری وشکّ فی مقارنتها أو سبقها.
(مسألة 17): لو علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اخری،واحتمل کلّ من الجماعتین السبق و اللحوق،فالظاهر عدم وجوب الإعادة علیهما-لا جمعةً ولا ظهراً-و إن کان الوجوب أحوط.ویجب علی الجماعة التی لم یحضروا الجُمعتین إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة،إحرازُ بطلان الجُمعتین المتقدّمتین،ومع احتمال صحّة إحداهما لا یجوز إقامة جُمعة اخری.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. 1)صفحه 248