القول:فی إحیاء الموات
الموات هی الأرض العطلة التی لا ینتفع بها؛إمّا لانقطاع الماء عنها،أو لاستیلاء المیاه أو الرمال أو السبخ أو الأحجار علیها،أو لاستئجامها و التفاف القصب و الأشجار بها أو لغیر ذلک،و هو علی قسمین:
الأوّل:الموات بالأصل:و هو ما لا یکون مسبوقاً بالملک و الإحیاء و إن کان إحراز ذلک-غالباً بل مطلقاً-مشکلاً بل ممنوعاً،ویلحق به ما لم یعلم مسبوقیته بهما.
الثانی:الموات بالعارض:و هو ما عرض علیه الخراب و الموتان بعد الحیاة والعمران،کالأرض الدارسة التی بها آثار الأنهار ونحوها،والقری الخربة التی بقیت منها رسوم العمارة.
(مسألة 1): الموات بالأصل و إن کان للإمام علیه السلام؛حیث إنّه من الأنفال،کما مرّ فی کتاب الخمس،لکن یجوز فی زمان الغیبة لکلّ أحد إحیاؤه مع الشروط الآتیة و القیام بعمارته،ویملکه المحیی علی الأقوی؛سواء کان فی دار الإسلام
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 210
أو فی دار الکفر،وسواء کان فی أرض الخراج-کأرض العراق-أو فی غیرها، وسواء کان المُحیی مسلماً أو کافراً.
(مسألة 2): الموات بالعارض الذی کان مسبوقاً بالملک و الإحیاء إذا لم یکن له مالک معروف علی قسمین:
الأوّل:ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأیّام بلا مالک؛ وذلک کالأراضی الدارسة و القری و البلاد الخربة و القنوات الطامسة،التی کانت للاُمم الماضین الذین لم یبق منهم اسم ولا رسم،أو نسبت إلی أقوام أو أشخاص لم یعرف منهم إلّاالاسم.
الثانی:ما لم تکن کذلک ولم تکن بحیث عدّت بلا مالک،بل کانت لمالک موجود ولم یعرف شخصه،ویقال لها:مجهولة المالک.
فأمّا القسم الأوّل:فهو بحکم الموات بالأصل فی کونه من الأنفال،وأ نّه یجوز إحیاؤه ویملکه المحیی،فیجوز إحیاء الأراضی الدارسة التی بقیت فیها آثار الأنهار و السواقی و المروز،وتنقیة القنوات و الآبار المطمومة،وتعمیر الخربة من القری و البلاد القدیمة التی بقیت بلا مالک،ولا یعامل معها معاملة مجهول المالک،ولا یحتاج إلی الإذن من حاکم الشرع أو الشراء منه،بل یملکها المحیی والمعمّر بنفس الإحیاء و التعمیر.
و أمّا القسم الثانی:فالأحوط الاستئذان فیه من الحاکم فی الإحیاء و القیام بتعمیره و التصرّف فیه،کما أنّ الأحوط معاملة مجهول المالک معه؛بأن یتفحّص عن صاحبه،وبعد الیأس یشتری عینها من حاکم الشرع،ویصرف ثمنها علی الفقراء،و إمّا أن یستأجرها منه باُجرة معیّنة،أو یقدّر ما هو اجرة مثلها لو انتفع بها،ویتصدّق بها علی الفقراء،والأحوط الاستئذان منه.نعم،لو علم أنّ مالکها
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 211
قد أعرض عنها،أو انجلی عنها أهلها وترکوها لقوم آخرین،جاز إحیاؤها وتملّکها بلا إشکال.
(مسألة 3): إن کان ما طرأ علیه الخراب لمالک معلوم،فإن أعرض عنه مالکه کان لکلّ أحد إحیاؤه وتملّکه،و إن لم یعرض عنه،فإن أبقاه مواتاً للانتفاع به فی تلک الحال؛من جهة تعلیف دوابّه أو بیع حشیشه أو قصبه ونحو ذلک -فربما ینتفع منه مواتاً أکثر ممّا ینتفع منه محیاة-فلا إشکال فی أنّه لا یجوز لأحد إحیاؤه و التصرّف فیه بدون إذن مالکه،وکذا فیما إذا کان مهتمّاً بإحیائه عازماً علیه،و إنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات وتهیئة الأسباب المتوقّعة الحصول،أو لانتظار وقت صالح له.و أمّا لو ترک تعمیر الأرض وإصلاحها وأبقاها إلی الخراب؛من جهة عدم الاعتناء بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلی مرمّتها،وعدم عزمه علی إحیائها؛إمّا لعدم حاجته إلیها،أو لاشتغاله بتعمیر غیرها،فبقیت مهجورة مدّة معتدّاً بها حتّی آلت إلی الخراب،فإن کان سبب ملک المالک غیر الإحیاء-مثل أنّه ملکها بالإرث أو الشراء-فلیس لأحد وضع الید علیها وإحیاؤها و التصرّف فیها إلّابإذن مالکها،ولو أحیاها أحد وتصرّف فیها، وانتفع بها بزرع أو غیره،فعلیه اجرتها لمالکها،و إن کان سبب ملکه الإحیاء؛ بأن کانت أرضاً مواتاً بالأصل فأحیاها وملکها،ثمّ بعد ذلک عطّلها وترک تعمیرها حتّی آلت إلی الخراب،فجوّز إحیاءها لغیره بعضهم،و هو فی غایة الإشکال،بل عدمه لا یخلو من قوّة.
(مسألة 4): کما یجوز إحیاء القُری الدارسة و البلاد القدیمة التی باد أهلها وصارت بلا مالک؛بجعلها مزرعاً أو مسکناً أو غیرهما،کذا یجوز حیازة أجزائها
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 212
الباقیة من أحجارها وأخشابها وآجرها وغیرها،ویملکها الحائز إذا أخذها بقصد التملّک.
(مسألة 5): لو کانت الأرض موقوفة وطرأ علیها الموتان و الخراب،فإن کانت من الموقوفات القدیمة الدارسة التی لم یعلم کیفیة وقفها-وأ نّها خاصّ أو عامّ،أو وقف علی الجهات،ولم یعلم-من الاستفاضة و الشهرة-غیر کونها وقفاً علی أقوام ماضین لم یبقَ منهم اسم ولا رسم،أو قبیلة لم یعرف منهم إلّا الاسم-فالظاهر أنّها من الأنفال،فیجوز إحیاؤها،کما إذا کان الموات المسبوق بالملک علی هذا الحال.و إن علم أنّها وقف علی الجهات ولم تتعیّن؛بأن علم أ نّها وقف إمّا علی مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غیرها،ولم یعلمها بعینها،أو علم أنّها وقف علی أشخاص لم یعرفهم بأشخاصهم وأعیانهم،کما إذا علم أنّ مالکها قد وقفها علی ذرّیته،ولم یعلم من الواقف ومن الذرّیة،فالظاهر أنّ ذلک بحکم الموات المجهول المالک الذی نسب إلی المشهور القول بأ نّه من الأنفال،و قد مرّ ما فیه من الإشکال،بل القول به هنا أشکل،والأحوط الاستئذان من الحاکم لمن أراد إحیاءها وتعمیرها والانتفاع بها بزرع أو غیره، وأن یصرف اجرة مثلها فی الأوّل فی وجوه البرّ،وفی الثانی علی الفقراء،بل الأحوط-خصوصاً فی الأوّل-مراجعة حاکم الشرع.و أمّا لو طرأ الموتان علی الوقف الذی علم مصرفه أو الموقوف علیهم،فلا ینبغی الإشکال فی أنّه لو أحیاه أحد وعمّره،وجب علیه صرف منفعته فی مصرفه المعلوم فی الأوّل،ودفعها وإیصالها إلی الموقوف علیهم المعلومین فی الثانی؛و إن کان المتولّی أو الموقوف علیهم تارکین إصلاحه وتعمیره ومرمّته إلی أن آل إلی الخراب،لکن لیس لأحد الإحیاء و التصرّف فیه مع وجود المتولّی المعلوم إلّابإذنه،أو الاستئذان من
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 213
الحاکم مع عدمه فی الأوّل،ومن المتولّی أو الموقوف علیهم إن کان خاصّاً،أو الحاکم إن کان عامّاً فی الثانی.
(مسألة 6): إذا کان الموات بالأصل حریماً لعامر مملوک،لا یجوز لغیر مالکه إحیاؤه،و إن أحیاه لم یملکه.وتوضیح ذلک:أنّ من أحیا مواتاً؛لإحداث شیء من دار أو بستان أو مزرع أو غیرها،تبع ذلک الشیء الذی أحدثه مقدار من الأرض الموات القریبة من ذلک الشیء الحادث؛ممّا یحتاج إلیه لتمام الانتفاع به ویتعلّق بمصالحه عادة،ویسمّی ذلک المقدار التابع حریماً لذلک المتبوع، ویختلف مقدار الحریم زیادة ونقیصة باختلاف ذی الحریم؛وذلک من جهة تفاوت الأشیاء فی المصالح و المرافق المحتاج إلیها،فما یحتاج إلیه الدار من المرافق-بحسب العادة-غیر ما یحتاج إلیه البئر و النهر مثلاً،وهکذا باقی الأشیاء.بل یختلف ذلک باختلاف البلاد و العادات أیضاً،فإذا أراد شخص إحیاء حوالی ما له الحریم،لا یجوز له إحیاء مقدار الحریم بدون إذن المالک ورضاه، و إن أحیاه لم یملکه وکان غاصباً.
(مسألة 7): حریم الدار مطرح ترابها وکناستها ورمادها،ومصبّ مائها، ومطرح ثلوجها،ومسلک الدخول و الخروج منها فی الصوب الذی یفتح إلیه الباب،فلو بنی داراً فی أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حوالیها، فلیس لأحد أن یحیی هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار،ولیس المراد من استحقاق الممرّ فی قبالة الباب استحقاقه علی الاستقامة وعلی امتداد الموات، بل المراد أن یبقی مسلک له یدخل ویخرج إلی الخارج بنفسه وعیاله وأضیافه وما تعلّق به من دوابّه وأحماله وأثقاله بدون مشقّة بأیّ نحو کان،فیجوز لغیره
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 214
إحیاء ما فی قبالة الباب من الموات إذا بقی له الممرّ؛ولو بانعطاف وانحراف.
وحریم الحائط-لو لم یکن جزءاً من الدار؛بأن کان مثلاً جدار حِصار أو بستان أو غیر ذلک-مقدار ما یحتاج إلیه لطرح التراب و الآلات وبلّ الطین لو انتقض واحتاج إلی البناء و الترمیم.وحریم النهر مقدار مطرح طینه وترابه إذا احتاج إلی التنقیة،والمجاز علی حافّتیه للمواظبة علیه ولإصلاحه علی قدر ما یحتاج إلیه.
وحریم البئر ما تحتاج إلیه لأجل السقی منها والانتفاع بها؛من الموضع الذی یقف فیه النازح إن کان الاستقاء منها بالید،وموضع الدولاب ومتردّد البهیمة إن کان الاستقاء بهما،ومصبّ الماء و الموضع الذی یجتمع فیه لسقی الماشیة أو الزرع من حوض ونحوه،والموضع الذی یطرح فیه ما یخرج منها من الطین وغیره لو اتّفق الاحتیاج إلیه،وحریم العین ما تحتاج إلیه لأجل الانتفاع بها أو إصلاحها وحفظها علی قیاس غیرها.
(مسألة 8): لکلّ من البئر و العین و القناة-أعنی بئرها الأخیرة التی هی منبع الماء،ویقال لها:بئر العین واُمّ الآبار،وکذا غیرها إذا کان منشأً للماء-حریم آخر بمعنیً آخر،و هو المقدار الذی لیس لأحد أن یحدث بئراً أو قناة اخری فیما دون ذلک المقدار بدون إذن صاحبهما،بل الأحوط لحاظ الحریم کذلک بین القناتین مطلقاً؛و إن کان الجواز فی غیر ما ذکر أشبه،و هو فی البئر أربعون ذراعاً إذا کان حفرها لأجل استقاء الماشیة من الإبل ونحوها منها،وستّون ذراعاً إذا کان لأجل الزرع وغیره.فلو أحدث شخص بئراً فی موات من الأرض،لم یکن لشخص آخر إحداث بئر اخری فی جنبها بدون إذنه،بل ما لم یکن الفصل بینهما أربعین ذراعاً أو ستّین فما زاد علی ما فصّل،وفی العین و القناة خمسمائة ذراع فی الأرض الصلبة وألف ذراع فی الأرض الرخوة،فإذا استنبط إنسان عیناً
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 215
أو قناة فی أرض موات صلبة،وأراد غیره حفر اخری،تباعد عنه بخمسمائة ذراع،و إن کانت رخوة تباعد بألف ذراع،ولو فرض أنّ الثانیة تضرّ بالاُولی وتنقص ماءها مع البعد المزبور،فالأحوط لو لم یکن الأقوی زیادة البعد بما یندفع به الضرر أو التراضی مع صاحب الاُولی.
(مسألة 9): اعتبار البعد المزبور فی القناة إنّما هو فی إحداث قناة اخری، کما أشرنا إلیه آنفاً.و أمّا إحیاء الموات الذی فی حوالیها لزرع أو بناء أو غیرهما فلا مانع منه إذا بقی من جوانبها مقدار تحتاج للنزح،أو الاستقاء، أو الإصلاح و التنقیة،وغیرها ممّا ذکر فی مطلق البئر،بل لا مانع من إحیاء الموات الذی فوق الآبار وما بینها؛إذا ابقی من أطراف حلقها مقدار ما تحتاج إلیه لمصالحها،فلیس لصاحب القناة المنع عن الإحیاء للزرع وغیره فوقها إذا لم یضرّ بها.
(مسألة 10): قد مرّ أنّ التباعد المزبور فی القناة،إنّما یلاحظ بالنسبة إلی البئر التی تکون منبع الماء أو منشأه.و أمّا الآبار الاُخر التی هی مجری الماء فلا یراعی الفصل المذکور بینها،فلو أحدث الثانی قناة فی أرض صلبة،وکان منبعها بعیداً عن منبع الاُولی بخمسمائة ذراع،ثمّ تقارب فی الآبار الاُخر التی هی مجری الماء إلی الآبار الاُخر،للاُخری إلی أن صار بینها وبینها عشرة أذرع-مثلاً-لم یکن لصاحب الاُولی منعه.نعم،لو فرض أنّ قرب تلک الآبار أضرّ بتلک الآبار من جهة جذبها للماء الجاری فیها أو من جهة اخری،تباعد بما یندفع به الضرر.
(مسألة 11): القریة المبنیّة فی الموات لها حریم لیس لأحد إحیاؤه،ولو
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 216
أحیاه لم یملکه،و هو ما یتعلّق بمصالحها ومصالح أهلیها؛من طرقها المسلوکة منها وإلیها،ومسیل مائها،ومجمع ترابها وکناستها،ومطرح سمادها ورمادها، ومشرعها ومجمع أهالیها لمصالحهم علی حسب مجری عادتهم،ومدفن موتاهم،ومرعی ماشیتهم ومحتطبهم وغیر ذلک.والمراد بالقریة البیوت والمساکن المجتمعة المسکونة،فلم یثبت هذا الحریم للضیعة و المزرعة ذات المزارع و البساتین المتّصلة،الخالیة من البیوت و المساکن و السکنة،فلو أحدث شخص قناة فی فلاة،وأحیا أرضاً بسیطة بمقدار ما یکفیه ماء القناة، وزرع فیها وغرس فیها النخیل و الأشجار،لم یکن الموات المجاور لتلک المحیاة حریماً لها،فضلاً عن التلال و الجبال القریبة منها،بل لو أحدث بعد ذلک فی تلک المحیاة دوراً ومساکن حتّی صارت قریة کبیرة یشکل ثبوت الحریم لها.نعم، لو أحدثها فی جنب المزرعة و البساتین فی أراضی الموات،فالظاهر ثبوته لها، بل لا یبعد ثبوت بعض الحریم من قبیل مرعی الماشیة لها مطلقاً،کما أنّ للمزرعة بنفسها أیضاً حریماً،و هو ما تحتاج إلیه فی مصالحها،ویکون من مرافقها،من مسالک الدخول و الخروج،ومحلّ بیادرها وحظائرها،ومجمع سمادها وترابها وغیرها.
(مسألة 12): حدّ المرعی الذی هو حریم للقریة ومحتطبها مقدار حاجة أهالیها بحسب العادة؛بحیث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا فی الضیق والحرج،ویختلف ذلک بکثرة الأهالی وقلّتهم،وکثرة المواشی و الدوابّ وقلّتها، وبذلک یتفاوت المقدار سعة وضیقاً طولاً وعرضاً.
(مسألة 13): إن کان موات بقرب العامر ولم یکن من حریمه ومرافقه،جاز لکلّ أحد إحیاؤه،ولم یختصّ بمالک ذلک العامر ولا أولویة له،فإذا طلع شاطئ
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 217
من الشطّ بقرب أرض محیاة أو بستان-مثلاً-کان کسائر الموات،فمن سبق إلی إحیائه وحیازته کان له،ولیس لصاحب الأرض أو البستان منعه.
(مسألة 14): لا إشکال فی أنّ حریم القناة-المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع-لیس ملکاً لصاحب القناة،ولا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غیره بدون إذنه،بل لیس له إلّاحقّ المنع عن إحداث قناة اخری کما مرّ، والظاهر أنّ حریم القریة أیضاً لیس ملکاً لسکّانها وأهلیها،بل إنّما لهم حقّ الأولویة.و أمّا حریم النهر و الدار فهو ملک لصاحب ذی الحریم علی تردّد و إن لا یخلو من وجه،فیجوز له بیعه منفرداً کسائر الأملاک.
(مسألة 15): ما مرّ من الحریم لبعض الأملاک إنّما هو فیما إذا ابتکرت فی أرض موات.و أمّا فی الأملاک المجاورة فلا حریم لها،فلو أحدث المالکان المجاوران حائطاً فی البین لم یکن له حریم من الجانبین،ولو أحدث أحدهما فی آخر حدود ملکه حائطاً أو نهراً،لم یکن لهما حریم فی ملک الآخر،وکذا لو حفر أحدهما قناة فی ملکه کان للآخر إحداث قناة اخری فی ملکه و إن لم یکن بینهما الحدّ.
(مسألة 16): ذکر جماعة:أنّه یجوز لکلّ من المالکین المتجاورین التصرّف فی ملکه بما شاء وحیث شاء؛و إن استلزم ضرراً علی الجار،لکنّه مشکل علی إطلاقه.والأحوط عدم جواز ما یکون سبباً لعروض الفساد فی ملک الجار،بل لا یخلو من قرب،إلّاإذا کان فی ترکه حرج أو ضرر علیه،فحینئذٍ یجوز له التصرّف،کما إذا دقّ دقّاً عنیفاً انزعج منه حیطان داره بما أوجب خللاً فیها،أو حبس الماء فی ملکه بحیث تنشر منه النداوة فی حائطه،أو أحدث بالوعة أو
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 218
کنیفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها،بل وکذا لو حفر بئراً بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها،وکان ذلک من جهة جذب الثانیة ماء الاُولی.و أمّا إذا کان من جهة أنّ الثانیة لکونها أعمق ووقوعها فی سمت مجری المیاه،ینحدر فیها الماء من عروق الأرض قبل أن یصل إلی الأوّل،فالظاهر أنّه لا مانع منه.والمائز بین الصورتین یدرکه اولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة.وکذا لا مانع من إطالة البناء و إن کان مانعاً من الشمس و القمر و الهواء،أو جعل داره مدبغة أو مخبزة -مثلاً-و إن تأذّی الجار من الریح و الدخان إذا لم یکن بقصد الإیذاء.وکذا إحداث ثقبة فی جداره إلی دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء،فإنّ المحرّم هو التطلّع علی دار الجار،لا مجرّد ثقب الجدار.
(مسألة 17): لا یخفی أنّ أمر الجار شدید،وحثّ الشرع الأقدس علی رعایته أکید،والأخبار فی وجوب کفّ الأذی عن الجار وفی الحثّ علی حسن الجوار کثیرة لا تحصی:فعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال:«ما زال جبرئیل یوصینی بالجار حتّیٰ ظننت أنّه سیورثه».وفی حدیث آخر:«أ نّه صلی الله علیه و آله و سلم أمر علیّاً علیه السلام وسلمان وأباذرّ-قال الراوی:ونسیت آخر وأظنّه المقداد-أن ینادوا فی المسجد بأعلیٰ صوتهم:بأ نّه لا إیمان لمن لم یأمن جاره بوائقه،فنادوا بها ثلاثاً».وفی الکافی،عن الصادق،عن أبیه علیهما السلام،قال:«قرأتُ فی کتاب علی علیه السلام:أنّ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله و سلم کتب بین المهاجرین و الأنصار ومن لحق بهم من أهل یثرب أنّ الجار کالنفس غیر مضارّ ولا آثم،وحرمة الجار کحرمة امّه».
وروی الصدوق بإسناده عن الصادق،عن علی علیهما السلام،عن رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله و سلم قال:
«من آذیٰ جاره حرّم اللّٰه علیه ریح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصیر،ومن ضیّع حقّ جاره فلیس منّا».وعن الرضا علیه السلام:«لیس منّا من لم یأمن جاره بوائقه».
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 219
وعن الصادق علیه السلام،أنّه قال و البیت غاصّ بأهله:«إعلموا أنّه لیس منّا من لم یحسن مجاورة من جاوره».وعنه علیه السلام قال:قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله و سلم:«حسن الجوار یعمِّر الدیار ویُنسئ فی الأعمار».فاللازم علی کلّ من یؤمن باللّٰه ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم و الیوم الآخر،الاجتناب عن کلّ ما یؤذی الجار و إن لم یکن ممّا یوجب فساداً أو ضرراً فی ملکه،إلّاأن یکون فی ترکه ضرر فاحش علی نفسه.
ولا ریب أنّ مثل ثقب الجدار-الموجب للإشراف علی دار الجار-إیذاء علیه، وأیّ إیذاء،وکذا إحداث ما یتأذّی من ریحه أو دخانه أو صوته،أو ما یمنع عن وصول الهواء إلیه،أو عن إشراق الشمس علیه وغیر ذلک.
(مسألة 18): یشترط فی التملّک بالإحیاء أن لا یسبق إلیه سابق بالتحجیر، فإنّ التحجیر یفید أولویة للمحجّر،فهو أولی بالإحیاء و التملّک من غیره،فله منعه،ولو أحیاه قهراً علی المحجّر لم یملکه.والمراد بالتحجیر أن یحدث ما یدلّ علی إرادة الإحیاء،کوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلک فی أطرافه وجوانبه،أو یشرع فی إحیاء ما یرید إحیاءه، کما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة التی یرید إحیاءها،فإنّه تحجیر بالنسبة إلی سائر آبار القناة،بل وبالنسبة إلی أراضی الموات التی تُسقی بمائها بعد جریانه،فلیس لأحد إحیاء تلک القناة،ولا إحیاء تلک الأراضی.وکذا إذا أراد إحیاء أجمة فیها الماء و القصب،فعمد علی قطع مائها فقط،فهو تحجیر لها، فلیس لأحد إحیاؤها بقطع قصبها.
(مسألة 19): لا بدّ من أن یکون التحجیر-مضافاً إلی دلالته علی أصل الإحیاء-دالّاً علی مقدار ما یرید إحیاءه،فلو کان ذلک بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب مثلاً،لا بدّ أن یکون ذلک فی جمیع الجوانب؛
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 220
حتّی یدلّ علی أنّ جمیع ما أحاطت به العلامة یرید إحیاءه.نعم،فی مثل إحیاء القناة البائرة،یکفی الشروع فی حفر إحدی آبارها،کما أشرنا إلیه آنفاً،فإنّه دلیل بحسب العرف علی کونه بصدد إحیاء جمیع القناة،بل الأراضی المتعلّقة بها أیضاً.بل إذا حفر بئراً فی أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة،یمکن أن یقال:إنّه یکون تحجیراً بالنسبة إلی أصل القناة وإلی الأراضی الموات التی تُسقی بمائها بعد تمامها وجریان مائها،فلیس لأحد إحیاء تلک الجوانب حتّی یتمّ القناة ویعیّن ما تحتاج إلیه من الأراضی.نعم،الأرض الموات التی لیست من حریم القناة،وممّا علم أنّه لا یصل إلیها ماؤها بعد جریانه،لا بأس بإحیائها.
(مسألة 20): التحجیر-کما أشرنا إلیه-یفید حقّ الأولویة،ولا یفید الملکیة، فلا یصحّ بیعه علی الأحوط و إن لا یبعد الجواز.نعم،یصحّ الصلح عنه،ویورث ویقع ثمناً فی البیع؛لأنّه حقّ قابل للنقل والانتقال.
(مسألة 21): یشترط فی مانعیة التحجیر أن یکون المحجّر متمکّناً من القیام بتعمیره؛ولو بعد زمان طویل بشرط أن لا یوجب تعطیل الموات،فلو حجّر من لم یقدر علی إحیاء ما حجّره-إمّا لفقره أو لعجزه عن تهیئة أسبابه-فلا أثر لتحجیره،وجاز لغیره إحیاؤه،وکذا لو حجّر زائداً علی مقدار تمکّنه من الإحیاء،لا أثر لتحجیره إلّافی مقدار ما تمکّن من تعمیره،و أمّا فی الزائد فلیس له منع الغیر عن إحیائه.فعلی هذا لیس لمن عجز عن إحیاء الموات تحجیره،ثمّ نقل ما حجّره إلی غیره بصُلح أو غیره-مجّاناً أو بالعوض-لأنّه لم یحصل له حقّ حتّی ینقله إلی غیره.
(مسألة 22): لا یعتبر فی التحجیر أن یکون بالمباشرة،بل یجوز أن یکون
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 221
بتوکیل الغیر أو استئجاره،فیکون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموکّل و المستأجر لا للوکیل و الأجیر.و أمّا کفایة وقوعه عن شخص نیابة عن غیره-ثمّ أجاز ذلک الغیر-فی ثبوته للمنوب عنه،فبعید.
(مسألة 23): لو انمحت آثار التحجیر بنفسها قبل أن یقوم المحجّر بالتعمیر، بطل حقّه؛وعاد الموات إلی ما کان قبل التحجیر.و أمّا لو کان بفعل شخص غیر المحجّر فلا یبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو،ومع طول المدّة فالظاهر بطلانه مطلقاً.بل لا یبعد بقاء الحقّ مع المحو بنفسها إذا لم یکن ذلک لطول مدّة التعطیل،کما لو حصل بالسیل أو الریح مثلاً.
(مسألة 24): لیس للمحجّر تعطیل الموات المحجّر علیه و الإهمال فی التعمیر،بل اللازم أن یشتغل بالعمارة عقیب التحجیر،فإن أهمل وطالت المدّة وأراد شخص آخر إحیاءه،فالأحوط أن یرفع الأمر إلی الحاکم مع وجوده وبسط یده،فیلزم المحجّر بأحد أمرین:إمّا العمارة أو رفع یده عنه لیعمّره غیره، إلّا أن یبدی عذراً موجّهاً،مثل انتظار وقت صالح له،أو إصلاح آلاته،أو حضور العملة،فیمهل بمقدار ما یزول معه العذر،ولیس من العذر عدم التمکّن من تهیئة الأسباب لفقره منتظراً للغنی و التمکّن،إلّاإذا کان متوقّعاً حصوله بحصول أسبابه،فإذا مضت المدّة فی الفرض المتقدّم،ولم یشتغل بالعمارة،بطل حقّه، وجاز لغیره القیام بالعمارة.و إذا لم یکن حاکم یقوم بهذه الشؤون،فالظاهر أنّه یسقط حقّه أیضاً لو أهمل فی التعمیر،وطال الإهمال مدّة طویلة یعدّ مثله فی العرف تعطیلاً،فجاز لغیره إحیاؤه،ولیس له منعه،والأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطیله وإهماله ثلاث سنین.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 222
(مسألة 25): الظاهر أنّه یشترط فی التملّک بالإحیاء قصد التملّک،کالتملّک بالحیازة،مثل الاصطیاد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها،فلو حفر بئراً فی مفازة بقصد أن یقضی منها حاجته ما دام باقیاً لم یملکه،بل لم یکن له إلّاحقّ الأولویة ما دام مقیماً،فإذا ارتحل زالت تلک الأولویة وصارت مباحاً للجمیع.
(مسألة 26): الإحیاء المفید للملک:عبارة عن جعل الأرض حیّة بعد الموتان؛وإخراجها عن صفة الخراب إلی العمران.ومن المعلوم أنّ عمارة الأرض:إمّا بکونها مزرعاً أو بستاناً،و إمّا بکونها مسکناً وداراً،و إمّا حظیرة للأغنام و المواشی،أو لحوائج اخر کتجفیف الثمار أو جمع الحطب أو غیر ذلک، فلا بدّ فی صدق إحیاء الموات من العمل فیه؛وإنهائه إلی حدّ صدق علیه أحد العناوین العامرة؛بأن صدق علیه المزرع أو الدار-مثلاً-أو غیرهما عند العرف، ویکفی تحقّق أوّل مراتب وجودها،ولا یعتبر إنهاؤها إلی حدّ کمالها،وقبل أن یبلغ إلی ذلک الحدّ و إن صنع فیه ما صنع لم یکن إحیاء،بل یکون تحجیراً،و قد مرّ أنّه لا یفید الملک،بل لا یفید إلّاالأولویة.
کتابتحریر الوسیلة: فتاوی الامام الخمینی (س) (ج. ۲)صفحه 223