القول:فی إحیاء الموات
الموات هی الأرض العطلة التی لا ینتفع بها:إمّا لانقطاع الماء عنها،أو لاستیلاء المیاه و الرمول أو السبخ أو الأحجار علیها،أو لاستئجامها و التفاف القصب و الأشجار بها،أو لغیر ذلک،و هو علی قسمین:الأوّل:الموات بالأصل، و هو ما لم یعلم مسبوقیته بالملک و الإحیاء،أو علم عدم مسبوقیته بهما کأکثر المفاوز والبراری و البوادی وصفحات الجبال وأذیالها ونحوها.الثانی:الموات بالعارض،و هو ما عرض علیه الخراب و الموتان بعد الحیاة و العمران، کالأراضی الدارسة التی بها آثار المرور و الأنهار و القری الخربة التی بقیت منها رسوم العمارة.
(مسألة 1): الموات بالأصل و إن کان ملکاً للإمام علیه السلام-حیث إنّه من الأنفال کما مرّ فی کتاب الخمس-لکن یجوز فی زمان الغیبة لکلّ أحد إحیاؤه مع
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 333
الشروط الآتیة و القیام بعمارته،ویملکه المحیی علی الأقوی؛سواء کان فی دار الإسلام أو فی دار الکفر،وسواء کان فی أرض الخراج کأرض العراق أو فی غیرها،وسواء کان المحیی مسلماً أو کافراً.
(مسألة 2): الموات بالعارض الذی کان مسبوقاً بالملک و الإحیاء إذا لم یکن له مالک معروف علی قسمین:
الأوّل :ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأیّام بلا مالک، وذلک کالأراضی الدارسة و القری و البلاد الخربة و القنوات الطامسة التی کانت للاُمم الماضین الذین لم یبق منهم اسم ولا رسم،أو نسبت إلی أقوام أو أشخاص لم یعرف منهم إلّاالاسم.
الثانی :ما لم یکن کذلک ولم تکن بحیث عدّت بلا مالک،بل کانت لمالک موجود ولم یعرف شخصه ویقال لها:مجهولة المالک.
فأمّا القسم الأوّل:فهو بحکم الموات بالأصل فی کونه من الأنفال،وأ نّه یجوز إحیاؤه ویملکه المحیی،فیجوز إحیاء الأراضی الدارسة التی بقیت فیها آثار الأنهار و السواقی و المروز وتنقیة القنوات و الآبار المطمومة وتعمیر الخربة من القری و البلاد القدیمة التی بقیت بلا مالک،ولا یعامل معها معاملة مجهول المالک،ولا یحتاج إلی الإذن من حاکم الشرع أو الشراء منه،بل یملکها المحیی والمعمّر بنفس الإحیاء و التعمیر.
و أمّا القسم الثانی:فلا إشکال فی جواز إحیائه و القیام بتعمیره و التصرّف
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 334
فیه بأنواع التصرّفات.وهل یملکه المحیی عیناً ومنفعة ولیس علیه شیء إلّا الزکاة عند اجتماع شرائطها کالقسم الأوّل أم لا؟ ظاهر المشهور هو الأوّل، لکنّه لا یخلو من إشکال،فالأحوط أن یتفحّص عن صاحبه وبعد الیأس عنه یعامل معه معاملة مجهول المالک،فإمّا أن یشتری عینها من حاکم الشرع ویصرف ثمنها علی الفقراء،و إمّا أن یستأجرها منه باُجرة معیّنة أو یقدّر ما هو اجرة مثلها لو انتفع بها ویتصدّق بها علی الفقراء.نعم لو علم أنّ مالکها قد أعرض عنها أو انجلی عنها أهلها وترکوها لقوم آخرین،جاز إحیاؤها وتملّکها بلا إشکال.
(مسألة 3): إذا کان ما طرأ علیه الخراب لمالک معلوم،فإن أعرض عنه مالکه،کان لکلّ أحد إحیاؤه وتملّکه،و إن لم یعرض عنه،فإن أبقاه مواتاً للانتفاع بها فی تلک الحال من جهة تعلیف دوابّه أو بیع حشیشه أو قصبه ونحو ذلک-فربّما ینتفع منها مواتاً أکثر ممّا ینتفع منها محیاة-فلا إشکال فی أنّه لا یجوز لأحد إحیاؤها و التصرّف فیها بدون إذن مالکها،وکذا فیما إذا کان مهتمّاً بإحیائها عازماً علیه و إنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات وتهیئة الأسباب المتوقّعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له.و أمّا لو ترک تعمیر الأرض وإصلاحها وأبقاها إلی الخراب؛من جهة عدم الاعتناء بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلی مرمّتها وعدم عزمه علی إحیائها-إمّا لعدم حاجته إلیها أو لاشتغاله بتعمیر غیرها-فبقیت مهجورة مدّة معتدّاً بها حتّی آل إلی الخراب، فإن کان سبب ملک المالک غیر الإحیاء مثل أنّه ملکها بالإرث أو الشراء، فلیس لأحد وضع الید علیها وإحیاؤها و التصرّف فیها إلّابإذن مالکها،ولو أحیاها أحد وتصرّف فیها وانتفع بها بزرع أو غیره فعلیه اجرتها لمالکها،و إن کان
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 335
سبب ملکه الإحیاء؛بأن کانت أرضاً مواتاً بالأصل،فأحیاها وملکها ثمّ بعد ذلک عطّلها وترک تعمیرها حتّی آلت إلی الخراب،فالظاهر أنّه یجوز إحیاؤها لغیره،فلو أحیاها غیره وعمّرها کان الثانی أحقّ بها من الأوّل ولیس للأوّل انتزاعها من یده،و إن کان الأحوط أنّه لو رجع الأوّل إلیه أعطی حقّه إلیه ولم یتصرّف فیها إلّابإذنه.
(مسألة 4): کما یجوز إحیاء القری الدارسة و البلاد القدیمة التی باد أهلها وصارت بلا مالک بجعلها مزرعاً أو مسکناً أو غیرهما،کذا یجوز حیازة أجزائها الباقیة من أحجارها وأخشابها وآجرها وغیرها ویملکها الحائز إذا أخذها بقصد التملّک.
(مسألة 5): لو کانت الأرض موقوفة وطرأها الموتان و الخراب،فإن کانت من الموقوفات القدیمة الدارسة التی لم یعلم کیفیة وقفها وأ نّها خاصّ أو عامّ أو وقف علی الجهات،ولم یعلم من الاستفاضة و الشهرة غیر کونها وقفاً علی أقوام ماضین لم یبق منهم اسم ولا رسم،أو قبیلة لم یعرف منهم إلّاالاسم،فالظاهر أ نّها من الأنفال فیجوز إحیاؤها،کما إذا کان الموات المسبوق بالملک علی هذا الحال.و إن علم أنّها وقف علی الجهات ولم تتعیّن؛بأن علم أنّها وقف إمّا علی مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غیرها ولم یعلمها بعینها،أو علم أنّها وقف علی أشخاص لم یعرفهم بأشخاصهم أو أعیانهم کما إذا علم أنّ مالکها قد وقفها علی ذرّیته ولم یعلم من الواقف ومن الذرّیة،فالظاهر أنّ ذلک بحکم الموات المجهول المالک-الذی نسب إلی المشهور القول بأ نّه من الأنفال،و قد مرّ ما فیه
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 336
من الإشکال،بل القول به هنا أشکل-فالأحوط القیام بإحیائها وتعمیرها والتصرّف فیها والانتفاع بها بزرع أو غیره،وأن یصرف اجرة مثلها فی الأوّل فی وجوه البرّ وفی الثانی علی الفقراء،بل الأحوط خصوصاً فی الأوّل مراجعة حاکم الشرع.و أمّا لو طرأ الموتان علی الوقف الذی علم مصرفه،أو الموقوف علیهم،فلا ینبغی الإشکال فی أنّه لو أحیاه أحد وعمّره وجب علیه صرف منفعته فی مصرفه المعلوم فی الأوّل،ودفعها وإیصالها إلی الموقوف علیهم المعلومین فی الثانی،و إن کان المتولّی أو الموقوف علیهم تارکین إصلاحه وتعمیره ومرمّته إلی أن آل إلی الخراب.
(مسألة 6): إذا کانت الموات بالأصل حریماً لعامر مملوک،لا یجوز لغیر مالکه إحیاؤه،و إن أحیاه لم یملکه.وتوضیح ذلک:أنّ من أحیی مواتاً لإحداث شیء؛من دار أو بستان أو مزرع أو غیرها،تبع ذلک الشیء الذی أحدثه مقدار من الأرض الموات القریبة من ذلک الشیء الحادث،ممّا یحتاج إلیها لتمام الانتفاع به،ویتعلّق بمصالحه عادة،ویسمّی ذلک المقدار التابع حریماً لذلک المتبوع،ویختلف مقدار الحریم زیادة ونقیصة باختلاف ذی الحریم،وذلک من جهة تفاوت الأشیاء فی المصالح و المرافق المحتاج إلیها،فما یحتاج إلیه الدار من المرافق بحسب العادة غیر ما یحتاج إلیه البئر و النهر-مثلاً-وهکذا باقی
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 337
الأشیاء،بل یختلف ذلک باختلاف البلاد و العادات أیضاً،فإذا أراد شخص إحیاء حوالی ماله الحریم،لا یجوز له إحیاء مقدار الحریم بدون إذن المالک ورضاه، و إن أحیاه لم یملکه وکان غاصباً.
(مسألة 7): حریم الدار:مطرح ترابها وکناستها ورمادها ومصبّ مائها ومطرح ثلوجها ومسلک الدخول و الخروج منها فی الصوب الذی یفتح إلیه الباب،فلو بنی داراً فی أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حوالیها، فلیس لأحد أن یحیی هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار.ولیس المراد من استحقاق الممرّ فی قبالة الباب استحقاقه علی الاستقامة وعلی امتداد الموات، بل المراد أن یبقی مسلک له یدخل ویخرج إلی الخارج بنفسه وعیاله وأضیافه وما تعلّق به من دوابّه وأحماله وأثقاله بدون مشقّة بأیّ نحو کان،فیجوز لغیره إحیاء ما فی قبالة الباب من الموات إذا بقی له الممرّ ولو بانعطاف وانحراف.
وحریم الحائط لو لم یکن من الدار،بأن کان-مثلاً-جدار حصار أو بستان أو غیر ذلک:مقدار ما یحتاج إلیه لطرح التراب و الآلات وبلّ الطین لو انتقض واحتاج إلی البناء و الترمیم.وحریم النهر:مقدار مطرح طینه وترابه إذا احتاج إلی التنقیة و المجاز علی حافّتیه للمواظبة علیه ولإصلاحه علی قدر ما یحتاج إلیه.وحریم البئر:ما یحتاج إلیه لأجل السقی منها والانتفاع بها من الموضع الذی یقف فیه النازح إن کان الاستقاء منها بالید،وموضع الدولاب ومتردّد البهیمة إن کان الاستقاء بهما،ومصبّ الماء و الموضع الذی یجتمع فیه لسقی الماشیة أو الزرع من حوض ونحوه،والموضع الذی یطرح فیه ما یخرج منها من الطین وغیره لو اتّفق الاحتیاج إلیه.وحریم العین:ما یحتاج إلیه لأجل الانتفاع بها،أو إصلاحها وحفظها علی قیاس غیرها.
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 338
(مسألة 8): لکلّ من البئر و العین و القناة-أعنی بئرها الأخیرة التی هی منبع الماء ویقال لها بئر العین واُمّ الآبار-حریم آخر بمعنیً آخر،و هو المقدار الذی لیس لأحد أن یحدث بئراً أو قناة اخری فیما دون ذلک المقدار بدون إذن صاحبهما،و هو فی البئر أربعون ذراعاً إذا کان حفرها لأجل استقاء الماشیة من الإبل ونحوها منها،وستّون ذراعاً إذا کان لأجل الزرع وغیره،فلو أحدث شخص بئراً فی موات من الأرض لم یکن لشخص آخر إحداث بئر اخری فی جنبها بدون إذنه،بل ما لم یکن الفصل بینهما أربعین ذراعاً،أو ستّین فما زاد علی ما فصّل.وفی العین و القناة خمسمائة ذراع فی الأرض الصلبة،وألف ذراع فی الأرض الرخوة،فإذا استنبط إنسان عیناً أو قناة فی أرض موات صلبة وأراد غیره حفر اخری،تباعد عنه بخمسمائة ذراع،و إن کانت رخوة تباعد بألف ذراع.ولو فرض أنّ الثانیة تضرّ بالاُولی وتنقص ماءها مع البعد المزبور، فالأحوط-لو لم یکن الأقوی-زیادة البعد بما یندفع به الضرر أو التراضی مع صاحب الاُولی.
(مسألة 9): اعتبار البعد المزبور فی القناة إنّما هو فی إحداث قناة اخری کما أشرنا إلیه آنفاً،و أمّا إحیاء الموات الذی فی حوالیها لزرع أو بناء أو غیرهما،فلا مانع منه إذا بقی من جوانبها مقدار تحتاج للنزح والاستقاء أو الإصلاح و التنقیة وغیرهما ممّا ذکر فی مطلق البئر،بل لا مانع من إحیاء الموات الذی فوق الآبار وما بینها إذا ابقی من أطراف حلقها مقدار ما یحتاج إلیه لمصالحها،فلیس
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 339
لصاحب القناة المنع عن الإحیاء للزرع وغیره فوقها إذا لم یضرّ بها.
(مسألة 10): الظاهر أنّ التباعد المزبور فی القناة إنّما یلاحظ بالنسبة إلی البئر التی هی منبع الماء المسمّاة باُمّ الآبار،فلا یجوز لأحد أن یحدث قناة اخری یکون منبعها بعیداً عن منبع الاُخری بأقلّ من خمسمائة أو ألف ذراع.
و أمّا الآبار الاُخر التی هی مجری الماء فلا یراعی الفصل المذکور بینها،فلو أحدث الثانی قناة فی أرض صلبة وکان منبعها بعیداً عن منبع الاُولی بخمسمائة ذراع،ثمّ تقارب فی الآبار الاُخر-التی هی مجری الماء إلی الآبار الاُخر- للاُخری،إلی أن صار بینها وبینها عشرة أذرع-مثلاً-لم یکن لصاحب الاُولی منعه.نعم لو فرض أنّ قرب تلک الآبار أضرّ بتلک الآبار من جهة جذبها للماء الجاری فیها،أو من جهة اخری تباعد بما یندفع به الضرر.
(مسألة 11): القریة المبنیّة فی الموات لها حریم لیس لأحد إحیاؤه،ولو أحیاه لم یملکه،و هو ما یتعلّق بمصالحها ومصالح أهلیها؛من طرقها المسلوکة منها وإلیها ومسیل مائها ومجمع ترابها وکناستها ومطرح سمادها ورمادها ومشرعها ومجمع أهالیها لمصالحهم علی حسب مجری عادتهم ومدفن موتاهم ومرعی ماشیتهم ومحتطبهم وغیر ذلک.والمراد بالقریة:البیوت و المساکن المجتمعة المسکونة،فلم یثبت هذا الحریم للضیعة و المزرعة ذات المزارع والبساتین المتّصلة الخالیة من البیوت و المساکن و السکنة،فلو أحدث شخص قناة فی فلاة وأحیی أرضاً بسیطة بمقدار ما یکفیه ماء القناة،وزرع فیها وغرس فیها النخیل و الأشجار لم یکن الموات المجاور لتلک المحیاة حریماً لها،
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 340
فضلاً عن التلال و الجبال القریبة منها،بل لو أحدث بعد ذلک فی تلک المحیاة دوراً ومساکن حتّی صارت قریة کبیرة،یشکل ثبوت الحریم لها.فالقدر المتیقّن من ثبوت الحریم للقریة فیما إذا أحدثت فی أرض موات.نعم للمزرعة بنفسها أیضاً حریم و هو ما تحتاج إلیه فی مصالحها ویکون من مرافقها؛ من مسالک الدخول و الخروج،ومحلّ بیادرها وحظائرها،ومجتمع سمادها وترابها وغیرها.
(مسألة 12): حدّ المرعی الذی هو حریم للقریة ومحتطبها مقدار حاجة أهالیها بحسب العادة؛بحیث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا فی الضیق والحرج.ویختلف ذلک بکثرة الأهالی وقلّتهم وکثرة المواشی و الدوابّ وقلّتها، وبذلک یتفاوت المقدار سعةً وضیقاً طولاً وعرضاً.
(مسألة 13): إذا کان موات بقرب العامر ولم یکن من حریمه ومرافقه،جاز لکلّ أحد إحیاؤه ولم یختصّ بمالک ذلک العامر ولا أولویة له،فإذا طلع شاطئ من الشطّ بقرب أرض محیاة أو بستان-مثلاً-کان کسائر الموات،فمن سبق إلی إحیائه وحیازته کان له،ولیس لصاحب الأرض أو البستان منعه.
(مسألة 14): لا إشکال فی أنّ حریم القناة-المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع-لیس ملکاً لصاحب القناة ولا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غیره بدون إذنه،بل لیس له إلّاحقّ المنع عن إحداث قناة اخری کما مرّ.والظاهر أنّ حریم القریة أیضاً لیس ملکاً لسکّانها وأهلیها،بل إنّما لهم حقّ الأولویة.و أمّا
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 341
حریم النهر و الدار فالظاهر أنّه ملک لصاحب ذی الحریم،فیجوز له بیعه منفرداً کسائر الأملاک.
(مسألة 15): ما مرّ من الحریم لبعض الأملاک إنّما هو فیما إذا ابتکرت فی أرض موات،و أمّا فی الأملاک المتجاورة فلا حریم لها،فلو أحدث المالکان المجاوران حائطاً فی البین لم یکن له حریم من الجانبین،ولو أحدث أحدهما فی آخر حدود ملکه حائطاً أو نهراً لم یکن لهما حریم فی ملک الآخر،وکذا لو حفر أحدهما قناة فی ملکه کان للآخر إحداث قناة اخری فی ملکه و إن لم یکن بینهما الحدّ.
(مسألة 16): ذکر جماعة:أنّه یجوز لکلّ من المالکین المتجاورین التصرّف فی ملکه بما شاء و إن استلزم ضرراً علی الجار،لکنّه مشکل علی إطلاقه،بل الحقّ عدم جواز ما یکون سبباً لعروض فساد فی ملک الجار،کما إذا دقّ دقّاً عنیفاً انزعج منه حیطان داره بما أوجب خللاً فیها،أو حبس الماء فی ملکه بحیث تنشر منه النداوة فی حائطه،أو أحدث بالوعة أو کنیفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها،بل وکذا لو حفر بئراً بقرب بئره؛إذا أوجب نقص مائها وکان ذلک من جهة جذب الثانیة ماء الاُولی،و أمّا إذا کان من جهة أنّ الثانیة لکونها أعمق ووقوعها فی سمت مجری المیاه یتحدّر فیها الماء من عروق الأرض قبل أن یصل إلی الاُولی،فالظاهر أنّه لا مانع منه،والمائز بین الصورتین اولوا
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 342
الحدس الصائب من أهل الخبرة.وکذا لا مانع من إطالة البناء و إن کان مانعاً من الشمس و القمر و الهواء،أو جعل داره مدبغة،أو مخبزة-مثلاً-و إن تأذّی الجار من الریح و الدخان إذا لم یکن بقصد الإیذاء،وکذا إحداث ثقبة فی جداره إلی دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء،فإنّ المحرّم هو التطلّع علی دار الجار لا مجرّد ثقب الجدار.
(مسألة 17): لا یخفی أنّ أمر الجار شدید،وحثّ الشرع الأقدس علی رعایته أکید،والأخبار فی وجوب کفّ الأذی عن الجار وفی الحثّ علی حسن الجوار کثیرة لا تحصی،فعن النبی صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال:«ما زال جبرئیل یوصینی بالجار حتّی ظننت أنّه سیورثه»،وفی حدیث آخر«أ نّه صلی الله علیه و آله و سلم أمر علیاً علیه السلام وسلمان وأباذرّ-قال الراوی:ونسیت آخر وأظنّه المقداد-أن ینادوا فی المسجد بأعلی صوتهم بأ نّه لا إیمان لمن لم یأمن جاره بوائقه،فنادوا بها ثلاثاً»،وفی «الکافی»عن الصادق علیه السلام عن أبیه قال:«قرأت فی کتاب علیّ علیه السلام؛أنّ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله و سلم کتب بین المهاجرین و الأنصار ومن لحق بهم من أهل یثرب أنّ الجار کالنفس غیر مضارّ ولا آثم،وحرمة الجار کحرمة امّه»،وروی الصدوق بإسناده عن الصادق علیه السلام عن علی علیه السلام عن رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله و سلم قال:«من آذی جاره حرّم اللّٰه علیه ریح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصیر،ومن ضیّع جاره فلیس منّی»، وعن الرضا علیه السلام؛«لیس منّا من لم یأمن جاره بوائقه»،وعن الصادق علیه السلام أنّه قال و البیت غاصّ بأهله:«اعلموا أنّه لیس منّا من لم یحسن مجاورة من جاوره»،وعنه علیه السلام قال:«قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله و سلم:حسن الجوار یعمّر الدیار وینسئ فی الأعمار».
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 343
فاللازم علی کلّ من یؤمن باللّٰه ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم و الیوم الآخر الاجتناب عن کلّ ما یؤذی الجار و إن لم یکن ممّا یوجب فساداً وضرراً فی ملکه،إلّاأن یکون فی ترکه ضرراً فاحشاً علی نفسه.ولا ریب أنّ مثل ثقب الجدار الموجب للإشراف علی دار الجار إیذاء علیه وأیّ إیذاء!وکذا إحداث ما یتأذّی من ریحه أو دخانه أو صوته أو ما یمنع عن وصول الهواء إلیه أو عن إشراق الشمس علیه وغیر ذلک.
(مسألة 18): یشترط فی التملّک بالإحیاء أن لا یسبق إلیه سابق بالتحجیر، فإنّ التحجیر یفید أولویة المحجّر،فهو أولی بالإحیاء و التملّک من غیره فله منعه، ولو أحیاه قهراً علی المحجّر لم یملکه.والمراد بالتحجیر أن یحدث ما یدلّ علی إرادة الإحیاء،کوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلک فی أطرافه وجوانبه،أو یشرع فی إحیاء ما یرید إحیاءه،کما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة التی یرید إحیاءها،فإنّه تحجیر بالنسبة إلی سائر آبار القناة،بل وبالنسبة إلی أراضی الموات التی تسقی بمائها بعد جریانه، فلیس لأحد إحیاء تلک القناة ولا إحیاء تلک الأراضی.وکما إذا أراد إحیاء أجمة فیها الماء و القصب فعمد علی قطع مائها فقط فهو تحجیر لها،فلیس لأحد إحیاؤها بقطع قصبها.
(مسألة 19): لا بدّ من أن یکون التحجیر-مضافاً إلی دلالته علی أصل الإحیاء-دالّاً علی مقدار ما یرید إحیاءه،فلو کان ذلک بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب-مثلاً-لا بدّ أن یکون ذلک فی جمیع الجوانب حتّی یدلّ علی أنّ جمیع ما أحاطت به العلامة یرید إحیاءه.نعم فی مثل إحیاء
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 344
القناة البائرة یکفی الشروع فی حفر إحدی آبارها کما أشرنا إلیه آنفاً،فإنّه دلیل بحسب العرف علی کونه بصدد إحیاء جمیع القناة،بل الأراضی المتعلّقة بها أیضاً،بل إذا حفر بئراً فی أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة یمکن أن یقال:إنّه یکون تحجیراً بالنسبة إلی أصل القناة وإلی الأراضی الموات التی تسقی بمائها بعد تمامها وجریان مائها،فلیس لأحد إحیاء تلک الجوانب حتّی یتمّ القناة ویعیّن ما تحتاج إلیه من الأراضی.نعم الأرض الموات التی لیس من حریم القناة وممّا علم أنّه لا یصل إلیه ماؤها بعد جریانه،لا بأس بإحیائها.
(مسألة 20): التحجیر-کما أشرنا إلیه-یفید حقّ الأولویة ولا یفید الملکیة، فلا یصحّ بیعه ،نعم یصحّ الصلح عنه ویورث ویقع ثمناً فی البیع؛لأنّه حقّ قابل للنقل والانتقال.
(مسألة 21): یشترط فی مانعیة التحجیر أن یکون المحجّر متمکّناً من القیام بتعمیره،فلو حجّر من لم یقدر علی إحیاء ما حجّره؛إمّا لفقره،أو لعجزه عن تهیئة أسبابه،فلا أثر لتحجیره وجاز لغیره إحیاؤه.وکذا لو حجّر زائداً علی مقدار تمکّنه من الإحیاء لا أثر لتحجیره إلّافی مقدار ما تمکّن من تعمیره،و أمّا فی الزائد فلیس له منع الغیر عن إحیائه.فعلی هذا لیس لمن عجز عن إحیاء الموات تحجیره ثمّ نقل ما حجّره إلی غیره بصلح أو غیره مجّاناً أو بالعوض؛ لأنّه لم یحصل له حقّ حتّی ینقله إلی غیره.
(مسألة 22): لا یعتبر فی التحجیر أن یکون بالمباشرة،بل یجوز أن یکون
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 345
بتوکیل الغیر أو استئجاره،فیکون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموکّل و المستأجر لا للوکیل و الأجیر،بل لا یبعد کفایة وقوعه عن شخص نیابة عن غیره ثمّ إجازة ذلک الغیر فی ثبوته للمنوب عنه،و إن لم یخل عن إشکال،فلا ینبغی ترک الاحتیاط.
(مسألة 23): لو انمحت آثار التحجیر قبل أن یقوم المحجّر بالتعمیر،بطل حقّه وعاد الموات إلی ما کان قبل التحجیر.
(مسألة 24): لیس للمحجّر تعطیل الموات المحجّر علیه و الإهمال فی التعمیر،بل اللازم أن یشتغل بالعمارة عقیب التحجیر،فإن أهمل وطالت المدّة وأراد شخص آخر إحیاءه فالأحوط أن یرفع الأمر إلی الحاکم مع وجوده وبسط یده،فیلزم المحجّر بأحد أمرین:إمّا العمارة،أو رفع یده عنه لیعمّره غیره،إلّا أن یبدی عذراً موجّهاً مثل انتظار وقت صالح له أو إصلاح آلاته أو حضور العملة فیمهل بمقدار ما یزول معه العذر،ولیس من العذر عدم التمکّن من تهیئة الأسباب لفقره ،منتظراً للغنی و التمکّن،فإذا مضت المدّة ولم یشتغل بالعمارة بطل حقّه وجاز لغیره القیام بالعمارة.و إذا لم یکن حاکم یقوم بهذه الشؤون،فالظاهر أنّه یسقط حقّه أیضاً لو أهمل فی التعمیر وطال الإهمال مدّة طویلة یعدّ مثله فی العرف تعطیلاً فجاز لغیره إحیاؤه،ولیس له منعه،
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 346
والأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطیله وإهماله ثلاث سنین.
(مسألة 25): الظاهر أنّه یشترط فی التملّک بالإحیاء قصد التملّک کالتملّک بالحیازة،مثل الاصطیاد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها،فلو حفر بئراً فی مفازة بقصد أن یقضی منها حاجته ما دام باقیاً لم یملکه،بل لم یکن له إلّا حقّ الأولویة ما دام مقیماً،فإذا ارتحل زالت تلک الأولویة وصارت مباحاً للجمیع.
(مسألة 26): الإحیاء المفید للملک:عبارة عن جعل الأرض حیّة بعد الموتان وإخراجها عن صفة الخراب إلی العمران،ومن المعلوم أنّ عمارة الأرض إمّا بکونها مزرعاً أو بستاناً،و إمّا بکونها مسکناً وداراً،و إمّا حظیرة للأغنام والمواشی أو لحوائج اخر کتجفیف الثمار أو جمع الحطب أو غیر ذلک.فلا بدّ فی صدق إحیاء الموات من العمل فیه وإنهائه إلی حدّ صدق علیه أحد العناوین العامرة؛بأن صدق علیه المزرع،أو الدار-مثلاً-أو غیرها عند العرف،ویکفی تحقّق أوّل مراتب وجودها،ولا یعتبر إنهاؤها إلی حدّ کمالها،وقبل أن یبلغ إلی ذلک الحدّ و إن صنع فیه ما صنع لم یکن إحیاءً بل یکون تحجیراً،و قد مرّ أ نّه لا یفید الملک،بل لا یفید إلّاالأولویة.فإذا تبیّن هذه الجملة فلیعلم أنّه یختلف ما اعتبر فی الإحیاء باختلاف العمارة التی یقصدها المحیی فما اعتبر فی إحیاء الموات مزرعاً أو بستاناً غیر ما اعتبر فی إحیائه مسکناً وداراً، وما اعتبر فی إحیائه قناة أو بئراً غیر ما اعتبر فی إحیائه نهراً وهکذا.
ویشترط فی الکلّ إزالة الاُمور المانعة عن التعمیر کالمیاه الغالبة أو الرمول والأحجار أو القصب و الأشجار لو کانت مستأجمة وغیر ذلک.ویختصّ کلّ
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 347
منها ببعض الاُمور عند المشهور ونحن نبیّنها فی ضمن مسائل.
(مسألة 27): یعتبر فی إحیاء الموات داراً ومسکناً-بعد إزالة الموانع لو کان- أن یدار علیه حائط بما یعتاد فی تلک البلاد؛ولو کان بخشب أو قصب أو حدید أو غیرها ویسقّف؛ولو بعضها ممّا یمکن أن یسکن فیه.ولا یعتبر فیه مع ذلک نصب الباب ولا یکفی إدارة الحائط بدون التسقیف،نعم یکفی ذلک فی إحیائه حظیرة للغنم وغیره،أو لأن یجفّف فیها الثمار أو یجمع فیها الحشیش و الحطب.
ولو بنی حائطاً فی الموات بقصد بناء الدار وقبل أن یسقّف علیه بدا له وقصد کونه حظیرة ملکها،کما لو قصد ذلک من أوّل الأمر،وکذلک فی العکس ؛بأن حوّطه بقصد کونه حظیرة فبدا له أن یسقّفه ویجعله داراً.
(مسألة 28): یعتبر فی إحیاء الموات مزرعاً-بعد إزالة الموانع-تسویة الأرض لو کانت فیها حفر وتلال مانعة عن قابلیتها للزرع وترتیب مائها:إمّا بشقّ ساقیة من نهر،أو حفر قناة لها،أو بئر،وبذلک یتمّ إحیاؤها ویملکها المحیی،ولا یعتبر فی إحیائها حرثها فضلاً عن زرعها.و إن کانت الأرض ممّا لا تحتاج فی زراعتها إلی ترتیب ماء-لأنّه یکفیه ماء السماء-کفی فی إحیائها إعمال الاُمور الاُخر عدا ترتیب الماء،و إن کانت مهیّأة للزرع بنفسها؛بأن لم یکن فیها مانع عنه ممّا ذکر ولم یحتج إلّاإلی سوق الماء کفی فی إحیائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إلیها،و إن لم یحتج إلی سوق الماء أیضاً-من جهة أنّه یکفیه ماء السماء-کبعض الأراضی السهلة و التلال التی لا تحتاج فی
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 348
زرعها إلی علاج وقابلة لأن تزرع دیمیاً-فالظاهر أنّ إحیاءها المفید لتملّکها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها وزرعها،بل لا یبعد الاکتفاء بالحرث فی تملّکها،و أمّا الاکتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففیه إشکال،نعم لا إشکال فی کونه تحجیراً مفیداً للأولویة.
(مسألة 29): یعتبر فی إحیاء البستان کلّ ما اعتبر فی إحیاء الزرع بزیادة غرس النخیل أو الأشجار مع سقیها حتّی تستعدّ للنموّ إن لم یسقها ماء السماء.ولا یعتبر التحویط حتّی فی البلاد التی جرت عاداتهم علیه علی الأقوی.
(مسألة 30): یحصل إحیاء البئر فی الموات بأن یحفرها إلی أن یصل إلی الماء،فیملکها بذلک،وقبل ذلک یکون تحجیراً لا إحیاءً.وإحیاء القناة بأن یحفر الآبار إلی أن یجری ماؤها علی الأرض،وإحیاء النهر بحفره وإنهائه إلی الماء المباح کالشطّ ونحوه؛بحیث کان الفاصل بینهما یسیراً کالمرز و المسنّاة الصغیرة،وبذلک یتمّ إحیاء النهر فیملکه الحافر،ولا یعتبر فیه جریان الماء فیه فعلاً و إن اعتبر ذلک فی تملّک الماء.
کتابوسیلة النجاة مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 349