فصل:فی أحکام الشرکة
و هی عبارة عن کون شیء واحد لاثنین أو أزید؛ملکاً أو حقّاً،و هی إمّا واقعیة قهریة،کما فی المال أو الحقّ الموروث،و إمّا واقعیة اختیاریة من غیر استناد إلی عقد کما إذا أحیا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراک أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً،و إمّا ظاهریة قهریة کما إذا امتزج مالهما من دون اختیارهما ولو بفعل أجنبیّ؛بحیث لا یتمیّز أحدهما من الآخر؛سواء کانا من جنس واحد کمزج حنطة بحنطة أو جنسین کمزج دقیق الحنطة بدقیق الشعیر أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلّ بالدبس،و إمّا ظاهریة اختیاریة کما إذا مزجا باختیارهما لا بقصد الشرکة،فإنّ مال کلّ منهما فی الواقع ممتاز عن الآخر،ولذا لو فرض تمییزهما اختصّ کلّ منهما بماله،و أمّا الاختلاط مع التمیّز فلا یوجب الشرکة ولو ظاهراً؛إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهری أو القرعة،و إمّا واقعیة مستندة إلی عقد غیر عقد الشرکة کما إذا ملکا شیئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها،و إمّا واقعیة منشأة بتشریک أحدهما الآخر فی ماله کما إذا اشتری شیئاً فطلب منه شخص أن یشرکه فیه،ویسمّی عندهم بالتشریک و هو
کتابالعروة الوثقی مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 510
صحیح لجملة من الأخبار،و إمّا واقعیة منشأة بتشریک کلّ منهما الآخر فی ماله ویسمّی هذا بالشرکة العقدیة ومعدود من العقود،ثمّ إنّ الشرکة قد تکون فی عین و قد تکون فی منفعة و قد تکون فی حقّ،وبحسب الکیفیة:إمّا بنحو الإشاعة و إمّا بنحو الکلّی فی المعیّن ،و قد تکون علی وجه یکون کلّ من الشریکین أو الشرکاء مستقلاًّ فی التصرّف کما فی شرکة الفقراء فی الزکاة،والسادة فی الخمس،والموقوف علیهم فی الأوقاف العامّة ونحوها.
(مسألة 1): لا تصحّ الشرکة العقدیة إلّافی الأموال بل الأعیان،فلا تصحّ فی الدیون،فلو کان لکلّ منهما دین علی شخص فأوقعا العقد علی کون کلّ منهما بینهما لم یصحّ،وکذا لا تصحّ فی المنافع؛بأن کان لکلّ منهما دار-مثلاً-وأوقعا العقد علی أن یکون منفعة کلّ منهما بینهما بالنصف مثلاً،ولو أرادا ذلک صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر،أو صالح نصف منفعة داره بدینار مثلاً وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلک الدینار.وکذا لا تصحّ شرکة الأعمال وتسمّی شرکة الأبدان أیضاً،و هی أن یوقعا العقد علی أن یکون اجرة عمل کلّ منهما مشترکاً بینهما؛سواء اتّفق عملهما کالخیاطة مثلاً،أو کان علی أحدهما الخیاطة و الآخر النساجة،وسواء کان ذلک فی عمل معیّن أو فی کلّ ما یعمل کلّ منهما ولو أرادا الاشتراک فی ذلک صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعیّنة أو منافعه إلی مدّة کذا بنصف منفعة أو منافع الآخر،أو صالحه نصف منفعته بعوض معیّن وصالحه الآخر أیضاً نصف منفعته بذلک العوض.
کتابالعروة الوثقی مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 511
ولا تصحّ أیضاً شرکة الوجوه ،و هی أن یشترک اثنان وجیهان لا مال لهما بعقد الشرکة علی أن یبتاع کلّ منهما فی ذمّته إلی أجل ویکون ما یبتاعه بینهما، فیبیعانه ویؤدّیان الثمن ویکون ما حصل من الربح بینهما،و إذا أرادا ذلک علی الوجه الصحیح وکّل کلّ منهما الآخر فی الشراء فاشتری لهما وفی ذمّتهما.
وشرکة المفاوضة أیضاً باطلة،و هی أن یشترک اثنان أو أزید علی أن یکون کلّ ما یحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو کسب آخر أو إرث أو وصیّة أو نحو ذلک مشترکاً بینهما،وکذا کلّ غرامة ترد علی أحدهما تکون علیهما، فانحصرت الشرکة العقدیة الصحیحة بالشرکة فی الأعیان المملوکة فعلاً وتسمّی بشرکة العنان.
(مسألة 2): لو استأجر اثنین لعمل واحد باُجرة معلومة صحّ،وکانت الاُجرة مقسّمة علیهما بنسبة عملهما،ولا یضرّ الجهل بمقدار حصّة کلّ منهما حین العقد؛لکفایة معلومیة المجموع،ولا یکون من شرکة الأعمال التی تکون باطلة، بل من شرکة الأموال،فهو کما لو استأجر کلاًّ منهما لعمل وأعطاهما شیئاً واحداً بإزاء اجرتهما،ولو اشتبه مقدار عمل کلّ منهما فإن احتمل التساوی حمل علیه ؛لأصالة عدم زیادة عمل أحدهما علی الآخر و إن علم زیادة أحدهما علی الآخر فیحتمل القرعة فی المقدار الزائد،ویحتمل الصلح القهری.
(مسألة 3): لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماءً بآنیة واحدة أو نصبا معاً شبکة للصید أو أحییا أرضاً معاً،فإن ملّک کلّ منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر
کتابالعروة الوثقی مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 512
اشترکا فیه بالتساوی،وإلّا فلکلّ منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوّة و الضعف، ولو اشتبه الحال فکالمسألة السابقة ،وربما یحتمل التساوی مطلقاً؛لصدق اتّحاد فعلهما فی السببیة واندراجهما فی قوله:«من حاز ملک»و هو کما تری.
(مسألة 4): یشترط علی ما هو ظاهر کلماتهم فی الشرکة العقدیة-مضافاً إلی الإیجاب و القبول و البلوغ و العقل والاختیار وعدم الحجر لفلس أو سفه-:
امتزاج المالین سابقاً علی العقد أو لاحقاً بحیث لا یتمیّز أحدهما من الآخر؛من النقود کانا أو من العروض،بل اشترط جماعة اتّحادهما فی الجنس و الوصف، والأظهر عدم اعتباره،بل یکفی الامتزاج علی وجه لا یتمیّز أحدهما من الآخر، کما لو امتزج دقیق الحنطة بدقیق الشعیر ونحوه أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر ،بل لا یبعد کفایة امتزاج الحنطة بالشعیر وذلک للعمومات العامّة کقوله تعالی: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ،وقوله علیه السلام:«المؤمنون عند شروطهم»وغیرهما،بل لو لا ظهور الإجماع علی اعتبار الامتزاج أمکن منعه مطلقاً؛عملاً بالعمومات، ودعوی:عدم کفایتها لإثبات ذلک،کما تری،لکن الأحوط مع ذلک أن یبیع کلّ منهما حصّة ممّا هو له بحصّة ممّا للآخر أو یهبها کلّ منهما للآخر أو نحو ذلک فی غیر صورة الامتزاج الذی هو المتیقّن،هذا.ویکفی فی الإیجاب و القبول کلّ ما دلّ علی الشرکة من قول أو فعل.
(مسألة 5): یتساوی الشریکان فی الربح و الخسران مع تساوی المالین،ومع
کتابالعروة الوثقی مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 513
زیادة فبنسبة الزیادة ربحاً وخسراناً؛سواء کان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوی فیه أو الاختلاف أو من متبرّع أو أجیر.هذا مع الإطلاق،ولو شرطا فی العقد زیادة لأحدهما فإن کان للعامل منهما أو لمن عمله أزید فلا إشکال ولا خلاف-علی الظاهر-عندهم فی صحّته،أمّا لو شرطا لغیر العامل منهما أو لغیر من عمله أزید،ففی صحّة الشرط و العقد،وبطلانهما،وصحّة العقد وبطلان الشرط فیکون کصورة الإطلاق أقوال،أقواها الأوّل،وکذا لو شرطا کون الخسارة علی أحدهما أزید،وذلک لعموم المؤمنون عند شروطهم،ودعوی:أنّه مخالف لمقتضی العقد،کما تری،نعم هو مخالف لمقتضی إطلاقه،والقول بأنّ جعل الزیادة لأحدهما من غیر أن یکون له عمل یکون فی مقابلتها لیس تجارة بل هو أکل بالباطل،کما تری باطل،ودعوی:أنّ العمل بالشرط غیر لازم؛لأنّه فی عقد جائز،مدفوعة،أوّلاً:بأ نّه مشترک الورود؛إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به فی صورة العمل أو زیادته،وثانیاً:بأنّ غایة الأمر جواز فسخ العقد فیسقط وجوب الوفاء بالشرط و المفروض فی صورة عدم الفسخ فما لم یفسخ یجب الوفاء به،ولیس معنی الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حینه،فیجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلی ذلک الحین.هذا ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل العقد؛لأنّه خلاف مقتضاه،نعم لو شرطا کون تمام الخسارة علی أحدهما فالظاهر صحّته؛لعدم کونه منافیاً.
(مسألة 6): إذا اشترطا فی ضمن العقد کون العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال کلّ منهما أو مع انضمامهما فهو المتّبع،ولا یجوز التعدّی،و إن أطلقا لم یجز لواحد منهما التصرّف إلّابإذن الآخر،ومع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فیه
کتابالعروة الوثقی مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 514
فإن کان مقیّداً بنوع خاصّ من التجارة لم یجز التعدّی عنه،وکذا مع تعیین کیفیة خاصّة،و إن کان مطلقاً فاللازم الاقتصار علی المتعارف من حیث النوع والکیفیة،ویکون حال المأذون حال العامل فی المضاربة فلا یجوز البیع بالنسیئة ،بل ولا الشراء بها ولا یجوز السفر بالمال،و إن تعدّی عمّا عیّن له أو عن المتعارف ضمن الخسارة و التلف،ولکن یبقی الإذن بعد التعدّی أیضاً؛إذ لا ینافی الضمان بقاءه،والأحوط مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة و إن کان لا یبعد کفایة عدم المفسدة.
(مسألة 7): العامل أمین فلا یضمن التلف ما لم یفرّط أو یتعدّی.
(مسألة 8): عقد الشرکة من العقود الجائزة،فیجوز لکلّ من الشریکین فسخه؛لا بمعنی أن یکون الفسخ موجباً للانفساخ من الأوّل أو من حینه بحیث تبطل الشرکة؛إذ هی باقیة ما لم تحصل القسمة،بل بمعنی جواز رجوع کلّ منهما عن الإذن فی التصرّف الذی بمنزلة عزل الوکیل عن الوکالة،أو بمعنی مطالبة القسمة،و إذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر فیما لو کان کلّ منهما مأذوناً لم یجز التصرّف للآخر،ویبقی الجواز بالنسبة إلی الأوّل،و إذا رجع کلّ منهما عن إذنه لم یجز لواحد منهما،وبمطالبة القسمة یجب القبول علی الآخر، و إذا أوقعا الشرکة علی وجه یکون لأحدهما زیادة فی الربح أو نقصان فی
کتابالعروة الوثقی مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 515
الخسارة یمکن الفسخ-بمعنی إبطال هذا القرار-بحیث لو حصل بعده ربح أو خسران کان بنسبة المالین علی ما هو مقتضی إطلاق الشرکة.
(مسألة 9): لو ذکرا فی عقد الشرکة أجلاً لا یلزم،فیجوز لکلّ منهما الرجوع قبل انقضائه إلّاأن یکون مشروطاً فی ضمن عقد لازم فیکون لازماً.
(مسألة 10): لو ادّعی أحدهما علی الآخر الخیانة أو التفریط فی الحفظ فأنکر،علیه الحلف مع عدم البیّنة.
(مسألة 11): إذا ادّعی العامل التلف،قبل قوله مع الیمین؛لأنّه أمین.
(مسألة 12): تبطل الشرکة بالموت و الجنون و الإغماء و الحجر بالفلس أو السفه؛بمعنی أنّه لا یجوز للآخر التصرّف،و أمّا أصل الشرکة فهی باقیة،نعم یبطل أیضاً ما قرّراه من زیادة أحدهما فی النماء بالنسبة إلی ماله أو نقصان الخسارة کذلک؛إذا تبیّن بطلان الشرکة،فالمعاملات الواقعة قبله محکومة بالصحّة ویکون الربح علی نسبة المالین؛لکفایة الإذن المفروض حصوله،نعم لو کان مقیّداً بالصحّة تکون کلّها فضولیاً بالنسبة إلی من یکون إذنه مقیّداً،ولکلّ منهما اجرة مثل عمله بالنسبة إلی حصّة الآخر؛إذا کان العمل منهما،و إن کان من أحدهما فله اجرة مثل عمله.
(مسألة 13): إذا اشتری أحدهما متاعاً وادّعی:أنّه اشتراه لنفسه،وادّعی الآخر:أنّه اشتراه بالشرکة،فمع عدم البیّنة القول قوله مع الیمین؛لأنّه أعرف بنیّته،کما أنّه کذلک لو ادّعی:أنّه اشتراه بالشرکة،وقال الآخر:إنّه اشتراه لنفسه،فإنّه یقدّم قوله أیضاً؛لأنّه أعرف ولأنّه أمین.
کتابالعروة الوثقی مع تعالیق الامام الخمینی (س) (ج. 2)صفحه 516