الثانی التصرّف
وفی کونـه من الإسقاط بالـفعل وجـه، فیندرج فی الـمسقط الأوّل؛ لأنّ من الـتصرّفات ما یکون قابلاً لأن یرید الـمالـک بـه إنشاء سقوط خیاره ثبوتاً، ومنها ما لا یرید بـه بینـه وبین ربّـه، إلاّ أنّ الـعقلاء یعتبرونـه ساقطاً حسب الـنوع والـعادة.
وبالجملة: هنا أمران:
أحدهما: الـسبب الـذی یؤثّر فی الـسقوط؛ بناء علی الـسببیّـة والـمسبّبیـة فی أبواب الإنشاءات والإیقاعات.
وثانیهما: ما یکون موضوعاً لاعتبار سقوط الـخیار؛ وإن لـم یکن من الأسباب، إلاّ أنّهما بحسب الـنتیجـة واحد.
فمن الأوّل هو الإسقاط الـقولیّ؛ ومن الـثانی هو الـفعلیّ.
ولعلّ ما ذکرناه یجری فی عقد الـبیع والـمعاطاة؛ فإنّ الأوّل یصحّ اعتباره سبباً، والـثانی بالـموضوعیّـة لاعتبار الـملکیّـة أقرب، وإن کان الـقول بالـموضوعیّـة أولیٰ باُفق الـتحقیق مطلقاً، إلاّ أنّ الـعرف یساعدنا علیٰ الـسببیّـة جدّاً.
فعلیٰ هذا، فربّما یکون الـفعل موضوعاً للسقوط فلا بحث، ولا نحتاج إلـی الأدلّـة الـخاصّـة.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. ۳)صفحه 32
وأمّا فیما إذا لـم یکن سبباً، ولا موضوعاً لاعتبار سقوط الـخیار وانصرافـه عن حقّـه، فهـل الـشرع اعتبر هنا أمراً زائداً علیٰ ما عند الـعرف، أم لا؟ قولان:
فعن الـمشهور الـمدّعیٰ علیـه الإجماع هو الأوّل؛ ویظهر عن جماعـة منهم الـثانی.
قال فی «الـجواهر»: «ویسقط الـردّ خاصّـة بإحداثـه فیـه حدثاً ـ کالـعتق؛ وقطع الـثوب - بلا خلاف معتدّ بـه، بل فی «الـمختلف» وعن «شرح الإرشاد» للفخر الإجماع علیـه؛ سواء کان قبل الـعلم بالـعیب، أو بعده» انتهیٰ.
وعن «الـمبسوط»: «أنّ الـتصرّف قبل الـعلم لا یسقط الـخیار» انتهیٰ.
وحیث إنّ الـعبارات الـمحکیّـة عنهم مختلفـة، والآراء - مضافاً إلـیٰ ظهورها فی الـخلاف - مستندة إلـی الأدلّـة الـموجودة، فالإجماعات الـمحکیّـة لا ترجع إلـیٰ محصّل، بل ولا إجماع إلاّ علیٰ ما تحرّر فی محلّـه. وإلاّ فلو کان إجماع واتفاق واقعاً علیٰ أمر مع تشتّت الأخبار،
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. ۳)صفحه 33
فاحتمال تخلّل الاجتهاد بعید؛ لأنّ الـفقهاء الـعظام فی کثیر من الـمسائل الـکلّیـة والـجزئیّـة مختلفون؛ حتّیٰ لا یکون لـواحد منهم رأی مستقرّ، فمن الاتفاق یتبیّن: أنّ الـمسألـة لـیست اجتهادیّـة عندهم، بل هی من الـمسائل الـمتلقّاة خلفاً عن الـسلف الـصالـح.
والـظاهر أنّ الـمسألـة هنا اجتهادیّـة، فلنرجع إلـیٰ أدلّتها:
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. ۳)صفحه 34