المقصد الثالث فی الشروط

المسألة الاوُلیٰ‏: حکم الوفاء بالشرط المذکور طیّ العقود الجائزة

المسألة الاوُلیٰ : حکم الوفاء بالشرط المذکور طیّ العقود الجائزة

‏ ‏

‏لا إشکال عندهم فی وجوب الـوفاء بالـشرط فی طیّ الـعقود‏‎ ‎‏الـلازمـة ، وإنّما اختلفوا فیما ذکر فی طیّ الـعقود الـجائزة ، فنسب إلـی‏‎ ‎‏الـمشهور بطلانـه‏‎[1]‎‏ ، وإلـیٰ ظاهر جماعـة عدم وجوب الـوفاء بـه‏‎[2]‎‏ ،‏‎ ‎‏کالـشیخ‏‎[3]‎‏ والـعلاّمـه‏‎[4]‎‏ والـمحقّق الـثانی‏‎[5]‎‏ حیث صرّحوا بالـصحّـة ،‏‎ ‎‏وعدم لـزوم الـوفاء بـه .‏

‏وذهب الـفقیـه الـیزدیّ‏‎[6]‎‏ والـسیّد الـمحقّق الـوالـد‏‎[7]‎‏ إلـی‏‎ ‎‏الـصحّـة والـلزوم .‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 252
‏ومنشأ الاختلاف اختلافهم فی حقیقـة الـشرط ، فإنّـه إن کان معناه‏‎ ‎‏تعلیق لزوم الـعقد والالتزام بـه علیٰ الـشرط ، فهو باطل ؛ لـما لا لـزوم فی‏‎ ‎‏الـجائز .‏

‏وإن کان معناه الالتزام فی طیّ الالتزام ، فهو صحیح . فإن قلنا : بأنّ‏‎ ‎‏الـمستفاد من أدلّـة لـزوم الـشرط لـزومـه علی الإطلاق ، فیثبت الـقول‏‎ ‎‏الـثالـث ؛ لإمکانـه .‏

‏وإن کان مفادها الـلزوم غیر الـقابل لإعدام الـشرط بإعدام‏‎ ‎‏الـموضوع ، یثبت الـقول الـثانی .‏

وبالجملة :‏ فیما هو محطّ الـبحث هنا ـ وهو شرط الـفعل ، کالـخیاطـة‏‎ ‎‏وقراءة سورة وأمثالـهما فی طیّ الـعقد ، لاشرط عقد جائز فی طیّ الـعقد‏‎ ‎‏الـجائز الآخر ، أو شرط الـنتیجـة وغیرهما ـ یشکل الأمر من جهات :‏

فتارة :‏ ممّا اُشیر إلـیـه ، وکانت الـنتیجـة بطلان الـشرط .‏

وفیه :‏ أنّ الـلزوم من الاعتبارات الـعقلائیّـة لـلعقود الـلازمـة ، ولیس‏‎ ‎‏داخلاً فی مصبّ الالتزامات الـخاصّـة بین الـمتعاملین ، فلا یصیر الـعقد‏‎ ‎‏الـلازم جائزاً باتفاقهما فی الـواقع علیٰ عدم الالتزام غیر الـمبرز بعنوان‏‎ ‎‏الـخیار ، ولو کان الـلزوم راجعاً إلـی الالتزام ـ کی یکون الـشرط تعلیق ذلک‏‎ ‎‏الالتزام ـ لـلزم ما ذکر ، مع أنّ الـوجدان حاکم علیٰ خلاف ما توهّم ، وأنّ‏‎ ‎‏الـمتعاملین غافلان وذاهلان عنـه جدّاً ، فلا تخلط .‏

‏نعم ، الـشرط مربوط بالـعقد فی مقام الـلبّ والإنشاء ربطاً خاصّاً ؛‏‎ ‎‏علیٰ وجـه یکون الـتقیّد داخلاً والـقید خارجاً ، ولایعقل تفسیره بالالتزام فی‏‎ ‎‏طیّ الالتزام من غیر حصول الـمعنی الـحرفیّ بینـه وبین الـعقد ، وإلاّ فیکون‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 253
‏بدویّاً ، وقد مرّ ما یتعلّق بـه .‏

واُخریٰ :‏ إنّ الـشرط لـو کان لازماً فی طیّ الـعقود الـجائزة ، یلزم بعد‏‎ ‎‏استیفاء الـشرط إعدام موضوعـه ، ویصیر بذلک فعل الـمشروط علیـه مجّاناً‏‎ ‎‏لـما کان یجب الـوفاء علیـه ، ولا یقسّط علیـه الـثمن ، کما مرِّ.‏

وفیه أوّلاً :‏ لـنا إنکار الـوقوع مجّاناً ، کما إذا شرط فی ضمن الـعقد‏‎ ‎‏الـلازم الـخیاریِّ، فإنّ حرمـة عمل الـمسلم ومن بحکمـه ، تقتضی أن لایقع‏‎ ‎‏مجّاناً ، وهذا هو فهم الـعرف فی أمثال الـمسألـة .‏

وثانیاً :‏ أنّ إقدامـه علیٰ مثلـه یکفی لـذلک مع توجّهـه والـتفاتـه ، ولو‏‎ ‎‏کان جاهلاً بـه فالـخسران من قبلـه ، لا من إیجاب الـشرع وفاءه علیـه. ولو‏‎ ‎‏کان فی الإیجاب الـمذکور ضرر ، فالـمفروض أنّـه فی ذلک الـحین لـم یکن‏‎ ‎‏ضرر ؛ لوجود الـعقد ، وبعد الـفراغ من الـخیاطـة لاحکم لـلشرع ، فتأمّل .‏

‏مع أنّ بعض الـشروط لـیس یقوّم ، کما لایخفیٰ ، فیلزم الـتفصیل بینها .‏

وثالثة :‏ یکفی لـلبطلان قصور الـمقتضی ، وأدلّةُ الـشروط ـ بعد کونها‏‎ ‎‏واردة فی مورد الـشروط الـضمنیّـه ذاتاً ، أو انصرافاً، أو تخصیصاً ـ لاتشمل‏‎ ‎‏الـشروط فی ضمن الـعقود الـجائزة ؛ لـکونها من الـلغو عرفاً .‏

وفیه :‏ أنّـه یکفی لـلفرار من الـلغویّـة کون جواز الـعقد حکمیّاً‏‎ ‎‏والـخیار من الـتخلّف حقیّاً یورّث ، مع وجود الأغراض الاُخر ، کما هو‏‎ ‎‏الـظاهر .‏

‏فلا وجـه لـبطلان الـشروط بوجـه من الـوجوه ، إلاّ ذهاب الـمشهور‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 254
‏إلـیـه ، وهو غیر ثابت بعد ذهاب « الـجواهر » إلـی الـصحّـة‏‎[8]‎‏ .‏

‏نعم ، هو یقول بها مع کونـه غیر واجب الـوفاء ؛ لأنّـه لاتدلّ أخبار‏‎ ‎‏الـشرط إلاّ علی الـصحّـة ، وهی تکون أجنبیّـة عن حدیث الـوجوب‏‎ ‎‏وغیره ، بل غایـة ما فی الـباب دلالتها علی الـنفوذ ، کدلالـة الآیـة‏‎ ‎‏الـشریفة‏‎[9]‎‏ علیٰ حلّیـة الـبیع مثلاً ، وأمّا وجوبـه فی ضمن الـعقد الـواجب‏‎ ‎‏الـلازم ؛ فهو لأجل أنّ الـشرط جزء من الـعقد ، ومن تبعاتـه ، فیکون بحکم‏‎ ‎‏الـعقد وجوباً وندباً .‏

‏وقد مرّ فساد هذا الـمسلک بما لا مزید علیـه ؛ ضرورة أنّ الـوفاء‏‎ ‎‏بالـعقود ولوکان معناه الـوفاء بالـقرار الـمعاملیِّ، لایکون الـشرط بما هو‏‎ ‎‏هو ـ ولاسیّما فی موارد لایعدّ مالاً ، ولا یقوّم عرفاً ـ داخلاً فیـه .‏

‏هذا مع أنّ ظاهر قولـه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : «‏ عند شروطهم‏ »‏‎[10]‎‏ هو الـلزوم کنایةً ،‏‎ ‎‏کما عرفت ، وقد مرّ فی بعض الأخبار‏‎[11]‎‏ الأمر بالـوفاء بالـشرط ، وفی ذیلها‏‎ ‎‏هذا الـعامّ الـمنطبق علیـه ، فتکون شاهدة قویّـة علیٰ ذلک ، فلیراجع .‏

‏ولو صحّ ما أفاده یلزم الـتقسیط ، ویبعد الـتزامـه بذلک .‏

إذا تبیّن فساد الـقولین‏ یبقی الـقول الـثالـث : وهو لـزومـه ، إلاّ أنّ‏‎ ‎‏الـقائلین بـه ذهبوا إلـیٰ أنّـه بإعدام الـعقد ـ وهو الـموضوع ـ ینعدم‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 255
‏الـشرط ‏‎[12]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ الـشرط إن کان بحسب الـماهیّـة والـمفهوم متقوّماً‏‎ ‎‏بالـضمنیّـة کما هو ظاهر الـسید الـمحقّق الـوالـد‏‎[13]‎‏ ـ مدّظلّه ـ فلـه وجـه ،‏‎ ‎‏وأمّا إذا کان الـمفهوم أعمِّ، فلا وجـه لـلانحلال بانحلال الـعقد ؛ بعد إطلاق‏‎ ‎‏دلیل الـشرط ، وخروجـه عن مصبّ أدلّـة الـتخصیص ؛ لـفظیّاً کان أولبیّاً ؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ الـقدر الـمتیقّن من الـشرط غیر الـنافذ ، هو الـبدویّ منـه ، وهذا‏‎ ‎‏لـیس من الـبدویِّ، فما ذهب إلـیـه الـفقیـه الـیزدیّ ‏‏رحمه الله‏‎[14]‎‏فی غیر محلّـه .‏

‏وحیث قد عرفت : أنّ الـشرط بحسب الـماهیّـة أعم ، یلزم الـقول‏‎ ‎‏الـرابع : وهو صحّـة الـشروط فی ضمن الـعقود الـجائزة ، ووجوب الـوفاء‏‎ ‎‏بها علی الإطلاق ، ولا ینحلّ بانحلال الـعقد ، کما اُشیر إلـیٰ وجهـه آنفاً ، وقد‏‎ ‎‏أوضحنا فی کتاب «الإجارة»‏‎[15]‎‏ ؛ أنّ شرط ضمان الـعین الـمستأجرة صحیح ،‏‎ ‎‏مع أنّ الإجارة تبطل فی صورة انعدام الـعین ، ولا یبقیٰ لـلشرط موضوع ، ومع‏‎ ‎‏ذلک ذهب جمع إلـیٰ خلاف الـمشهور هناک‏‎[16]‎‏ ، ولا یتمّ هو إلاّ لـما أشرنا‏‎ ‎‏إلـیـه ، فاغتنم .‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 256

  • )) لاحظ المهذب 1: 466، المبسوط 3: 197، جواهر الکلام 26: 342، 402، العروة الوثقی 2: 644، کتاب المضاربة: المسألة 2، مستمسک العروة الوثقی 12: 261 ـ 269، 331 ـ 334.
  • )) لاحظ حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 2: 124 / السطر 35.
  • )) المبسوط 3: 197.
  • )) تحریر الأحکام 1: 279 / السطر 22 ـ 23.
  • )) جامع المقاصد 8: 56.
  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 2: 124 ـ 125، العروة الوثقی 2: 644، کتاب المضاربة، المسألة 2.
  • )) البیع، الإمام الخمینی قدس سره 5: 221.
  • )) جواهر الکلام 26: 342، 402.
  • )) البقرة (2): 275 «أحل الله البیع».
  • )) تقدّم فی الصفحة 201.
  • )) نفس المصدر.
  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 2: 124 / السطر 26، البیع، الإمام الخمینی قدس سره: 221
  • )) البیع، الإمام الخمینی قدس سره 1: 89، 143.
  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 2: 124 / السطر 26.
  • )) ممّا یؤسف له أنّ هذا الکتاب فقد ولم یصل إلینا.
  • )) مجمع الفائدة والبرهان 10: 69، الروضة البهیّة 2: 3 / السطر 16 (حاشیة جمال الدین الخوانساری). ولاحظ جواهر الکلام 27: 216، الإجارة، المحقّق الرشتی: 52.