المسألة الاوُلیٰ : حکم الوفاء بالشرط المذکور طیّ العقود الجائزة
لا إشکال عندهم فی وجوب الـوفاء بالـشرط فی طیّ الـعقود الـلازمـة ، وإنّما اختلفوا فیما ذکر فی طیّ الـعقود الـجائزة ، فنسب إلـی الـمشهور بطلانـه ، وإلـیٰ ظاهر جماعـة عدم وجوب الـوفاء بـه ، کالـشیخ والـعلاّمـه والـمحقّق الـثانی حیث صرّحوا بالـصحّـة ، وعدم لـزوم الـوفاء بـه .
وذهب الـفقیـه الـیزدیّ والـسیّد الـمحقّق الـوالـد إلـی الـصحّـة والـلزوم .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 252
ومنشأ الاختلاف اختلافهم فی حقیقـة الـشرط ، فإنّـه إن کان معناه تعلیق لزوم الـعقد والالتزام بـه علیٰ الـشرط ، فهو باطل ؛ لـما لا لـزوم فی الـجائز .
وإن کان معناه الالتزام فی طیّ الالتزام ، فهو صحیح . فإن قلنا : بأنّ الـمستفاد من أدلّـة لـزوم الـشرط لـزومـه علی الإطلاق ، فیثبت الـقول الـثالـث ؛ لإمکانـه .
وإن کان مفادها الـلزوم غیر الـقابل لإعدام الـشرط بإعدام الـموضوع ، یثبت الـقول الـثانی .
وبالجملة : فیما هو محطّ الـبحث هنا ـ وهو شرط الـفعل ، کالـخیاطـة وقراءة سورة وأمثالـهما فی طیّ الـعقد ، لاشرط عقد جائز فی طیّ الـعقد الـجائز الآخر ، أو شرط الـنتیجـة وغیرهما ـ یشکل الأمر من جهات :
فتارة : ممّا اُشیر إلـیـه ، وکانت الـنتیجـة بطلان الـشرط .
وفیه : أنّ الـلزوم من الاعتبارات الـعقلائیّـة لـلعقود الـلازمـة ، ولیس داخلاً فی مصبّ الالتزامات الـخاصّـة بین الـمتعاملین ، فلا یصیر الـعقد الـلازم جائزاً باتفاقهما فی الـواقع علیٰ عدم الالتزام غیر الـمبرز بعنوان الـخیار ، ولو کان الـلزوم راجعاً إلـی الالتزام ـ کی یکون الـشرط تعلیق ذلک الالتزام ـ لـلزم ما ذکر ، مع أنّ الـوجدان حاکم علیٰ خلاف ما توهّم ، وأنّ الـمتعاملین غافلان وذاهلان عنـه جدّاً ، فلا تخلط .
نعم ، الـشرط مربوط بالـعقد فی مقام الـلبّ والإنشاء ربطاً خاصّاً ؛ علیٰ وجـه یکون الـتقیّد داخلاً والـقید خارجاً ، ولایعقل تفسیره بالالتزام فی طیّ الالتزام من غیر حصول الـمعنی الـحرفیّ بینـه وبین الـعقد ، وإلاّ فیکون
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 253
بدویّاً ، وقد مرّ ما یتعلّق بـه .
واُخریٰ : إنّ الـشرط لـو کان لازماً فی طیّ الـعقود الـجائزة ، یلزم بعد استیفاء الـشرط إعدام موضوعـه ، ویصیر بذلک فعل الـمشروط علیـه مجّاناً لـما کان یجب الـوفاء علیـه ، ولا یقسّط علیـه الـثمن ، کما مرِّ.
وفیه أوّلاً : لـنا إنکار الـوقوع مجّاناً ، کما إذا شرط فی ضمن الـعقد الـلازم الـخیاریِّ، فإنّ حرمـة عمل الـمسلم ومن بحکمـه ، تقتضی أن لایقع مجّاناً ، وهذا هو فهم الـعرف فی أمثال الـمسألـة .
وثانیاً : أنّ إقدامـه علیٰ مثلـه یکفی لـذلک مع توجّهـه والـتفاتـه ، ولو کان جاهلاً بـه فالـخسران من قبلـه ، لا من إیجاب الـشرع وفاءه علیـه. ولو کان فی الإیجاب الـمذکور ضرر ، فالـمفروض أنّـه فی ذلک الـحین لـم یکن ضرر ؛ لوجود الـعقد ، وبعد الـفراغ من الـخیاطـة لاحکم لـلشرع ، فتأمّل .
مع أنّ بعض الـشروط لـیس یقوّم ، کما لایخفیٰ ، فیلزم الـتفصیل بینها .
وثالثة : یکفی لـلبطلان قصور الـمقتضی ، وأدلّةُ الـشروط ـ بعد کونها واردة فی مورد الـشروط الـضمنیّـه ذاتاً ، أو انصرافاً، أو تخصیصاً ـ لاتشمل الـشروط فی ضمن الـعقود الـجائزة ؛ لـکونها من الـلغو عرفاً .
وفیه : أنّـه یکفی لـلفرار من الـلغویّـة کون جواز الـعقد حکمیّاً والـخیار من الـتخلّف حقیّاً یورّث ، مع وجود الأغراض الاُخر ، کما هو الـظاهر .
فلا وجـه لـبطلان الـشروط بوجـه من الـوجوه ، إلاّ ذهاب الـمشهور
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 254
إلـیـه ، وهو غیر ثابت بعد ذهاب « الـجواهر » إلـی الـصحّـة .
نعم ، هو یقول بها مع کونـه غیر واجب الـوفاء ؛ لأنّـه لاتدلّ أخبار الـشرط إلاّ علی الـصحّـة ، وهی تکون أجنبیّـة عن حدیث الـوجوب وغیره ، بل غایـة ما فی الـباب دلالتها علی الـنفوذ ، کدلالـة الآیـة الـشریفة علیٰ حلّیـة الـبیع مثلاً ، وأمّا وجوبـه فی ضمن الـعقد الـواجب الـلازم ؛ فهو لأجل أنّ الـشرط جزء من الـعقد ، ومن تبعاتـه ، فیکون بحکم الـعقد وجوباً وندباً .
وقد مرّ فساد هذا الـمسلک بما لا مزید علیـه ؛ ضرورة أنّ الـوفاء بالـعقود ولوکان معناه الـوفاء بالـقرار الـمعاملیِّ، لایکون الـشرط بما هو هو ـ ولاسیّما فی موارد لایعدّ مالاً ، ولا یقوّم عرفاً ـ داخلاً فیـه .
هذا مع أنّ ظاهر قولـه صلی الله علیه و آله وسلم : « عند شروطهم » هو الـلزوم کنایةً ، کما عرفت ، وقد مرّ فی بعض الأخبار الأمر بالـوفاء بالـشرط ، وفی ذیلها هذا الـعامّ الـمنطبق علیـه ، فتکون شاهدة قویّـة علیٰ ذلک ، فلیراجع .
ولو صحّ ما أفاده یلزم الـتقسیط ، ویبعد الـتزامـه بذلک .
إذا تبیّن فساد الـقولین یبقی الـقول الـثالـث : وهو لـزومـه ، إلاّ أنّ الـقائلین بـه ذهبوا إلـیٰ أنّـه بإعدام الـعقد ـ وهو الـموضوع ـ ینعدم
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 255
الـشرط .
وفیه : أنّ الـشرط إن کان بحسب الـماهیّـة والـمفهوم متقوّماً بالـضمنیّـة کما هو ظاهر الـسید الـمحقّق الـوالـد ـ مدّظلّه ـ فلـه وجـه ، وأمّا إذا کان الـمفهوم أعمِّ، فلا وجـه لـلانحلال بانحلال الـعقد ؛ بعد إطلاق دلیل الـشرط ، وخروجـه عن مصبّ أدلّـة الـتخصیص ؛ لـفظیّاً کان أولبیّاً ؛ ضرورة أنّ الـقدر الـمتیقّن من الـشرط غیر الـنافذ ، هو الـبدویّ منـه ، وهذا لـیس من الـبدویِّ، فما ذهب إلـیـه الـفقیـه الـیزدیّ رحمه اللهفی غیر محلّـه .
وحیث قد عرفت : أنّ الـشرط بحسب الـماهیّـة أعم ، یلزم الـقول الـرابع : وهو صحّـة الـشروط فی ضمن الـعقود الـجائزة ، ووجوب الـوفاء بها علی الإطلاق ، ولا ینحلّ بانحلال الـعقد ، کما اُشیر إلـیٰ وجهـه آنفاً ، وقد أوضحنا فی کتاب «الإجارة» ؛ أنّ شرط ضمان الـعین الـمستأجرة صحیح ، مع أنّ الإجارة تبطل فی صورة انعدام الـعین ، ولا یبقیٰ لـلشرط موضوع ، ومع ذلک ذهب جمع إلـیٰ خلاف الـمشهور هناک ، ولا یتمّ هو إلاّ لـما أشرنا إلـیـه ، فاغتنم .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 256