المرحلة الخامسة : فی تصحیح العقد بالمضیّ عن الشرط الفاسد
بناءً علی الـقول بالإفساد ، فهل یمکن تصحیح الـعقد بالـمضیّ عن
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 246
الـشرط الـفاسد من غیر حاجـة إلـی الـرضا الـجدید والإجازة الـخاصّـة ؟
أم لایمکن ذلک علی الإطلاق ، فلا یصحّ بالـرضا الـجدید ، فیکون الـعقد الـفاسد کعقد الـهازل والـمجنون ؟
أم هناک احتمال ثالـث : وهو أن لا یصحّ إلاّ بالـرضا الـجدید ، فیکون کعقد الـفضولیِّ، وعقد الـمکره ؟
أو یفصّل بین الـعقود الـشخصیّـة والـکلّیـة .
وجوه واحتمالات :
أمّا الـقول بفساد الـعقد ؛ علی الـوجـه الـذی لایصحّ بالإجازة الـلاحقـة والـرضا الـمتجدّد ، فهو غیر موجّـه جدّاً ؛ ضرورة أنّ الـشرط غیر دخیل فی ماهیّـة الـعقد والـمعقود علیـه ، ولا داخل فی هویّتـه ، بل هو مرتبط بـه علی الـوجـه الـمحرّر مراراً ، أو أجنبیّ عنـه ، ومذکور لـفظاً فی طیّ الـعقد ؛ علی الـقول بصحّتـه ، وتمامیّـة تصوّره ، وعدم رجوعـه إلـی الـبدویّ قهراً .
وقد مرّ فی بحوث الـفضولیّ إمکان صدور الـعقد الإنشائیّ من الـمالـک ، ثمّ لـحوق الـرضا الـجدّی بـه ، وهذا لایخرجـه عن الـفضولیّـة بالـمعنی الأعمّ .
کما قد مرِّ: أنّـه لا یعقل انقلاب الـمبادلـة الـصوریّـة الإنشائیّـة عن صفحـة الاعتبار ، ولیس یصلح ردّ الـعاقد لـذلک ، بل ردّه لـیس إلاّ کعدم الإمضاء ، ولذلک قوّینا صحّـة عقده بعد الـرضا ولو ردّه قبلـه ، فالـشرط
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 247
الـفاسد الـمفسد لیس معناه اعتبار الـعقد لاعقداً عند الـعرف ، ولا یستظهر من الأصحاب أکثر من عدم سببیّـة شیء ، وأمّا عدم صلوحـه فهو غیر مقصود لـهم هنا اصلاً .
فانتفاء الـقید یوجب انتفاء الـمقیّد ـ وهو الـعقد ـ عن الـتأثیر ، لاعن صفحـة عالـم الاعتبار والإنشاء ، فما فی کلام الـعلاّمـة الـمحشّی رحمه الله فی غیر محلّـه .
وأمّا الـقول بعدم الـحاجـة إلـی الـرضا الـجدید حتّیٰ فی الـکلّیات ؛ نظراً إلـیٰ أنّ الـشرط هو الالتزام فی الالتزام ، وأنّـه أمر خارج عنـه ذاتاً ، ولاحق بـه بالـمعنی الـحرفیِّ، فهو صحیح ولاسیّما فی الـشخصیّات ، وأنّـه ولو کان قیداً ، إلاّ أنّـه علیٰ وجـه یکون الـتقیّد داخلاً والـقید خارجاً ، فالـرضا متعلّق بذات الـعقد بالـضرورة ، وبذات بیع ما فی الـخارج قطعاً فلا معنیٰ لـبطلانـه ولو کان فاسداً بفساد الـشرط .
وفیه : أنّـه إن اُرید منـه ما سلکناه فی أوّل هذه الـمسألـة ؛ من أنّ کون الـشرط الـفاسد یفسد مسألـة غیر معقولـة ولا معنیٰ لـفساد الـعقد بالـشرط ، إلاّ برجوعـه إلـی الـشرط الـعدمیّ فی صحّـة الـعقد ، کما فی موانع الـمرکّبات الـعبادیّـة ، فهو حقِّ، ولکنّـه خارج عن محطّ الـبحث ؛ لأنّ الـکلام فی أنّـه هل الـعقد الـفاسد بفساد الـشرط یصحّ بانصراف الـشارط عن شرطـه ، وأنّـه بعد الاعتراف بالإفساد یمکن تصحیح الـعقد ، أم لا ؟
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 248
وبالجملة : لاوجـه لـهذا الـقول ؛ لأنّ الـمفروض فساد الـعقد بفساد الـشرط ؛ سواء قلنا بإفساد الـشرط ، أو قلنا برجوعـه إلـیٰ قصور فی شرائط الـعقد ، فلو کان الـعقد صحیحاً علی الإطلاق یلزم الـخلف ؛ لأنّ الـشرع ـ حسب الـفرض ـ اعتبر الـعقد فاسداً ؛ لاشتمالـه علی الـشرط الـفاسد ، وهذا الـتقریب ینتهی إلـیٰ عدم الإفساد ، وعدم اشتمالـه علی ما یوجب فساده ، وهو خلف ، فما فی کلام الـشیخ وأتباعـه : من احتمال تصحیح الـعقد علی الـوجـه الـمذکور ، غیر واقع فی محلّـه ، کما لایخفیٰ .
فعلیٰ ما تحرّر ، یظهر إمکان تصحیحـه علی الـوجـه الـمحرّر فی الـفضولیّ وعقد الـمکره ؛ من غیر فرق بین الـعقد علی الأمتعـة الـشخصیّـة الـخارجیّـة ، أو الـکلّیـة الـذمیّـة .
ویحتمل اختلاف الـمبانی فی هذه الـجهـة ؛ ضرورة أنّـه لـو کان الـشرط مفسداً یمکن أن یقال : بأنّـه لا دلیل علیٰ أزید من سقوط الـعقد عن الـتأثیر ، وأمّا سقوطـه عن صلاحیـة الـتأثیر ، فلا شاهد علیـه . مع أنّـه لایعقل بحسب الـواقع وإن کان یعقل بحسب الـتعبّد ، کما لایخفیٰ ، فلیتأمّل جیّداً .
وأمّا علیٰ ما هو الـحق ؛ من رجوعـه إلـیٰ أنّ من شرائط صحّـة الـعقد ، عدمَ اشتمالـه علی الـشرط الـفاسد ، فلا یکون الـعقد عقداً بفساد الـشرط الـعدمّی الـمذکور ؛ لأنّـه یصیر کسائر الـشرائط الـمعتبرة فی صحّـة الـعقد ، کالـمعلومیّـة ، أو عدم الـمجهولیّـة ، فکما أنّـه لایصحّ الـعقد بالـمعلومیّـة
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 249
الـمتأخّرة ، وبرفع الـجهالـة الـمتأخّر ، وهکذا الـقدرة ، وغیر ذلک ، کذلک الأمر فی الـمقام ، فإنّـه مزلّـة الأقدام .
وفیه : أنّـه قد أشرنا إلـیٰ ما هو سرّ الـمسألـة ؛ وهو أنّـه إن کان ما هو الـدخیل فی الـصحّـة رکناً فی تحقّق الـماهیّـة الإنشائیّـة ، فالأمر کما تحرّر ، والاّ فلا .
نعم ، لابأس بأن نستفید أحیاناً من الأدلّـة الـخاصّـة ، عدمَ کفایـة الـعلم الـطارئ والـقدرة الـطارئـة ؛ وإن ناقشنا فیـه فی محلّـه ، فلا ینبغی الـخلط بین مقتضی الـقواعد ، وقضیّـة الـشرع .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 250