المقصد الثالث فی الشروط

المرحلة الخامسة‏: فی تصحیح العقد بالمضیّ عن الشرط الفاسد

المرحلة الخامسة : فی تصحیح العقد بالمضیّ عن الشرط الفاسد

‏ ‏

‏بناءً علی الـقول بالإفساد ، فهل یمکن تصحیح الـعقد بالـمضیّ عن‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 246
‏الـشرط الـفاسد من غیر حاجـة إلـی الـرضا الـجدید والإجازة الـخاصّـة ؟‏

‏أم لایمکن ذلک علی الإطلاق ، فلا یصحّ بالـرضا الـجدید ، فیکون‏‎ ‎‏الـعقد الـفاسد کعقد الـهازل والـمجنون ؟‏

‏أم هناک احتمال ثالـث : وهو أن لا یصحّ إلاّ بالـرضا الـجدید ، فیکون‏‎ ‎‏کعقد الـفضولیِّ، وعقد الـمکره ؟‏

‏أو یفصّل بین الـعقود الـشخصیّـة والـکلّیـة .‏

‏ ‏

وجوه واحتمالات :

‏أمّا الـقول‏‏ بفساد الـعقد ؛ علی الـوجـه الـذی لایصحّ بالإجازة‏‎ ‎‏الـلاحقـة والـرضا الـمتجدّد ، فهو غیر موجّـه جدّاً ؛ ضرورة أنّ الـشرط غیر‏‎ ‎‏دخیل فی ماهیّـة الـعقد والـمعقود علیـه ، ولا داخل فی هویّتـه ، بل هو‏‎ ‎‏مرتبط بـه علی الـوجـه الـمحرّر مراراً ، أو أجنبیّ عنـه ، ومذکور لـفظاً فی‏‎ ‎‏طیّ الـعقد ؛ علی الـقول بصحّتـه ، وتمامیّـة تصوّره ، وعدم رجوعـه إلـی‏‎ ‎‏الـبدویّ قهراً .‏

‏وقد مرّ فی بحوث الـفضولیّ إمکان صدور الـعقد الإنشائیّ من‏‎ ‎‏الـمالـک ، ثمّ لـحوق الـرضا الـجدّی بـه ، وهذا لایخرجـه عن الـفضولیّـة‏‎ ‎‏بالـمعنی الأعمّ‏‎[1]‎‏ .‏

‏کما قد مرِّ: أنّـه لا یعقل انقلاب الـمبادلـة الـصوریّـة الإنشائیّـة عن‏‎ ‎‏صفحـة الاعتبار ، ولیس یصلح ردّ الـعاقد لـذلک ، بل ردّه لـیس إلاّ کعدم‏‎ ‎‏الإمضاء ، ولذلک قوّینا صحّـة عقده بعد الـرضا ولو ردّه قبلـه ، فالـشرط‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 247
‏الـفاسد الـمفسد لیس معناه اعتبار الـعقد لاعقداً عند الـعرف ، ولا یستظهر‏‎ ‎‏من الأصحاب أکثر من عدم سببیّـة شیء ، وأمّا عدم صلوحـه فهو غیر مقصود‏‎ ‎‏لـهم هنا اصلاً .‏

‏فانتفاء الـقید یوجب انتفاء الـمقیّد ـ وهو الـعقد ـ عن الـتأثیر ، لاعن‏‎ ‎‏صفحـة عالـم الاعتبار والإنشاء ، فما فی کلام الـعلاّمـة الـمحشّی ‏‏رحمه الله‏‎[2]‎‏ فی‏‎ ‎‏غیر محلّـه .‏

وأمّا الـقول‏ بعدم الـحاجـة إلـی الـرضا الـجدید حتّیٰ فی الـکلّیات ؛‏‎ ‎‏نظراً إلـیٰ أنّ الـشرط هو الالتزام فی الالتزام ، وأنّـه أمر خارج عنـه ذاتاً ،‏‎ ‎‏ولاحق بـه بالـمعنی الـحرفیِّ، فهو صحیح ولاسیّما فی الـشخصیّات ، وأنّـه‏‎ ‎‏ولو کان قیداً ، إلاّ أنّـه علیٰ وجـه یکون الـتقیّد داخلاً والـقید خارجاً ،‏‎ ‎‏فالـرضا متعلّق بذات الـعقد بالـضرورة ، وبذات بیع ما فی الـخارج قطعاً فلا‏‎ ‎‏معنیٰ لـبطلانـه ولو کان فاسداً بفساد الـشرط .‏

وفیه :‏ أنّـه إن اُرید منـه ما سلکناه فی أوّل هذه الـمسألـة‏‎[3]‎‏ ؛ من أنّ‏‎ ‎‏کون الـشرط الـفاسد یفسد مسألـة غیر معقولـة ولا معنیٰ لـفساد الـعقد‏‎ ‎‏بالـشرط ، إلاّ برجوعـه إلـی الـشرط الـعدمیّ فی صحّـة الـعقد ، کما فی‏‎ ‎‏موانع الـمرکّبات الـعبادیّـة ، فهو حقِّ، ولکنّـه خارج عن محطّ الـبحث ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الـکلام فی أنّـه هل الـعقد الـفاسد بفساد الـشرط یصحّ بانصراف الـشارط‏‎ ‎‏عن شرطـه ، وأنّـه بعد الاعتراف بالإفساد یمکن تصحیح الـعقد ، أم لا ؟‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 248
وبالجملة :‏ لاوجـه لـهذا الـقول ؛ لأنّ الـمفروض فساد الـعقد بفساد‏‎ ‎‏الـشرط ؛ سواء قلنا بإفساد الـشرط ، أو قلنا برجوعـه إلـیٰ قصور فی شرائط‏‎ ‎‏الـعقد ، فلو کان الـعقد صحیحاً علی الإطلاق یلزم الـخلف ؛ لأنّ الـشرع‏‎ ‎‏ـ حسب الـفرض ـ اعتبر الـعقد فاسداً ؛ لاشتمالـه علی الـشرط الـفاسد ،‏‎ ‎‏وهذا الـتقریب ینتهی إلـیٰ عدم الإفساد ، وعدم اشتمالـه علی ما یوجب‏‎ ‎‏فساده ، وهو خلف ، فما فی کلام الـشیخ وأتباعـه : من احتمال تصحیح الـعقد‏‎ ‎‏علی الـوجـه الـمذکور‏‎[4]‎‏ ، غیر واقع فی محلّـه ، کما لایخفیٰ .‏

فعلیٰ ما تحرّر ،‏ یظهر إمکان تصحیحـه علی الـوجـه الـمحرّر فی‏‎ ‎‏الـفضولیّ وعقد الـمکره ؛ من غیر فرق بین الـعقد علی الأمتعـة الـشخصیّـة‏‎ ‎‏الـخارجیّـة ، أو الـکلّیـة الـذمیّـة .‏

ویحتمل‏ اختلاف الـمبانی فی هذه الـجهـة ؛ ضرورة أنّـه لـو کان‏‎ ‎‏الـشرط مفسداً یمکن أن یقال : بأنّـه لا دلیل علیٰ أزید من سقوط الـعقد عن‏‎ ‎‏الـتأثیر ، وأمّا سقوطـه عن صلاحیـة الـتأثیر ، فلا شاهد علیـه . مع أنّـه‏‎ ‎‏لایعقل بحسب الـواقع وإن کان یعقل بحسب الـتعبّد ، کما لایخفیٰ ، فلیتأمّل‏‎ ‎‏جیّداً .‏

‏وأمّا علیٰ ما هو الـحق ؛ من رجوعـه إلـیٰ أنّ من شرائط صحّـة الـعقد ،‏‎ ‎‏عدمَ اشتمالـه علی الـشرط الـفاسد ، فلا یکون الـعقد عقداً بفساد الـشرط‏‎ ‎‏الـعدمّی الـمذکور ؛ لأنّـه یصیر کسائر الـشرائط الـمعتبرة فی صحّـة الـعقد ،‏‎ ‎‏کالـمعلومیّـة ، أو عدم الـمجهولیّـة ، فکما أنّـه لایصحّ الـعقد بالـمعلومیّـة‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 249
‏الـمتأخّرة ، وبرفع الـجهالـة الـمتأخّر ، وهکذا الـقدرة ، وغیر ذلک ، کذلک‏‎ ‎‏الأمر فی الـمقام ، فإنّـه مزلّـة الأقدام .‏

وفیه :‏ أنّـه قد أشرنا إلـیٰ ما هو سرّ الـمسألـة ؛ وهو أنّـه إن کان ما هو‏‎ ‎‏الـدخیل فی الـصحّـة رکناً فی تحقّق الـماهیّـة الإنشائیّـة ، فالأمر کما تحرّر ،‏‎ ‎‏والاّ فلا .‏

‏نعم ، لابأس بأن نستفید أحیاناً من الأدلّـة الـخاصّـة ، عدمَ کفایـة‏‎ ‎‏الـعلم الـطارئ والـقدرة الـطارئـة ؛ وإن ناقشنا فیـه فی محلّـه ، فلا ینبغی‏‎ ‎‏الـخلط بین مقتضی الـقواعد ، وقضیّـة الـشرع .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 250

  • )) تحریرات فی الفقه، البیع 2: 119.
  • )) حاشیة المکاسب، المحقّق الأصفهانی 2: 167 / السطر 1.
  • )) تقدّم فی الصفحة 220.
  • )) المکاسب: 289/ السطر25، حاشیة المکاسب، المحقّق الأصفهانی2: 164 ـ 165.