المرحلة الرابعة : حول ثبوت الخیار بناءً علی صحّة العقد
اختلفوا فی مورد بطلان الـشرط فقط دون الـعقد ، أنّـه هل یثبت الـخیار وهو خیار تخلّف الـشرط ، أم لا یثبت ؟
أو هناک تفصیل بین صورتی الـعلم والـجهل ، کما ربّما یستظهر من الـشیخ قدس سره ؟
أم یفصّل بین شروط الـنتیجـة الـفاسدة والأفعال إذا لـم یأت بها ، وبین غیرها ، کما هو صریح الـسیّد الـیزدیِّ قدس سره ؟
وربّما یقال : إنّ منشأ الاختلاف اختلافهم فی سند الـخیار ؛ فإن قلنا : إنّـه علی الـقاعدة فهو ثابت علیٰ الإطلاق ، وإن قلنا : إنّ الـمستند هو الإجماع أو قاعدة « لاضرر ... » ففی ثبوتـه إشکال ، بل منع .
ومقتضی الـشکّ عدمـه ، ولابأس باستصحاب الـعدم الـنعتیِّ؛ لأنّ
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 243
الـمفروض تعذّر الـشرط شرعاً ، لاتکویناً .
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ الـمتعذّر شرعاً کالـمتعذّر تکویناً ، فکما أنّـه یثبت الـخیار فی الـصورة الـثانیـة ، یثبت فی الـصورة الاُولیٰ .
وبعبارة اُخریٰ : تارة یعتبر الـشرط الـفاسد بمنزلـة الـمتعذّر الـتکوینیِّ؛ من غیر الـنظر إلـی عنوان الـتخلّف وعدمـه ، فانّـه یثبت الـخیار بثبوتـه فی الـتعذّر الـتکوینی ؛ علیٰ إشکال فی إطلاقـه .
واُخریٰ : یعتبر الـشرط الـفاسد بمنزلـة الـعدم ، فلا تبعـة لـه ، کالـخیار والأرش ، وغیرهما. وإذا شکّ فی ذلک ، فلازمـه الـشکّ فی حدوث الـخیار بحدوث الـعقد ، فلا أصل إلاّ الـعدم الأزلیّ الـذی قد مرّ بعض الـکلام حولـه ، وهو علیٰ کلّ لاینفع لـنفی الـخیار .
والـذی یقتضیـه الـتحقیق الـحقیق بالـتصدیق :
أنّ مقتضی الـبناءات الـعرفیّـة ثبوت الـخیار ؛ لـعدم دخالـة فساد الـشرط شرعاً أو عرفاً فی الـخیار الـذی هو من أحکام عدم الـوفاء بالـشرط ؛ سواء کان ذلک من باب عدم تمکنّـه ، أو عدم وفائـه وسوء اختیاره ، أو عدم وجوب الـوفاء بـه ، أو عدم جوازه . وهذا فی شرط الـفعل والـنتیجـة واضح .
وفی شرط الـصفـة أوضح ؛ لـما لا معنیٰ لـلوفاء بـه إلاّ تأثیر فسخ الـمشروط لـه .
وبعبارة اُخریٰ : لا معنیٰ لـکون الـمؤمن ملازماً لـشرطـه ؛ إلاّ بقبول الـعین الـفاقدة بعد فسخـه ، کما مرِّ.
وبالجملة : الـتخلّف عن الـشرط سبب الـخیار ، والـمراد منـه الأعمّ
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 244
من الـتخلّف حتّیٰ فی مثل شرط الـوصف الذی لا یتصوّر فیـه التخلّف بمعناه الـبدویِّ، ککون الـبطّیخ حلواً .
وأمّا قضیّـة الأخبار الـخاصّـة ، فإن قلنا : بأنّ الـشرع اعتبر الـشرط الـفاسد معدوماً ، ولا شیئاً ، وکان الـنظر فی ذلک علیٰ وجـه الإطلاق الـمنتهی إلـیٰ سلب الـخیار ، کما فی مثل شرط الـوصف الـذی لا معنیٰ لـه إلاّ الـخیار ، فیمکن .
ولکنّ الأخبار غیر ظاهرة فی ذلک ؛ حتّیٰ ما فی بعض الأخبار الـذی یعبّر عنـه بأنّـه « لیس بشیء » لأنّ الـمستفاد منـه أنّـه لـیس یعتمد علیـه ، ولا یلزم أن یکون الـمؤمن عنده .
وأمّا بالـنسبـة إلـیٰ شرط الـوصف ، فالأمر أیضاً کذلک ؛ لـعدم اختصاص الـخبر بـه ، بل هو حکم کلّی ، ویکفی کون بعض الأقسام من الـشرط ـ کشرط الـفعل ، بل والـنتیجـة ـ مورد الآثار الـمختلفـة الـتی منها الـخیار عند الـتخلّف .
فما أفاده الـوالـد الـمحقّق ـ مدّظلّه ـ غیر مطابق لـما ذهب إلـیـه فی الاُصول .
وأمّا مقتضی الـنظر الأخیر الـجامع بین الأدلّـة ، فهو أنّ من الـممکن أن تکون أدلّـة وجوب الـوفاء بالـعقد ، رادعةً لـبناء الـعقلاء علی الـخیار فی
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 245
صورة تخلّف الـمشروط علیـه عن الـشرط الـفاسد الـممنوع شرعاً ، ولا دلیل علیٰ ثبوت الـخیار بمجرّد الـتخلّف ، ولیس عنوان « الـتخلّف » مورد الـروایـة والـخبر ، أو الإجماع الـتعبّدی الـکاشف ، فإذن لاخیار من باب قصور الـمقتضی ، وقد غفل عنـه الأصحاب رضی اللّٰه عنهم وقد مرّ حکم الـشکِّ.
ومن هنا یظهر وجـه ضعف مرامهم ، ویظهر أنّـه ولو لـم یتخلّف الـمشروط علیـه ، فشرب الـخمر ـ نعوذباللّٰه ـ فهو بلا أثر ، ولو کان ممّا فی کلام الـفقیـه الـیزدیّ وجـه من نفی الـخیار فی هذه الـصورة لـلزم کونـه ممتثلاً ومثاباً ومعاقباً ؛ لأجل انطباق الـعنوانین علیـه ، ولا أظنّ الـتزام أحد بـه ، فمنـه یعلم عدم ارتضاء الـشرط بمثلـه ، فإذن لا دلیل علیٰ إمضاء بناء الـعقلاء علی الـخیار فی مثلـه ، بل الأدلّـة الـملزمـة لـلعقود تردع تلک الـبناءات بإطلاقها ، فلیتأمل جیّداً .
وقضیّـة ما ذکرناه عدم الـفرق بین کون الـشرط الـفاسد معتبراً کالـعدم؛ فی ظرف لـزوم الـوفاء بـه عرفاً أو من الابتداء وقبل أن یجیء وقت الـوفاء بـه ، کما لا فرق أیضاً بین کونـه محرّم الـوفاء ، أو غیر واجب الـوفاء ، کما قد یتصوّر أحیاناً فی بعض الـصور ، فتدبّر .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 246