الوجه الثانی: عدم التراضی
وأمّا الـوجـه الـثانی : فهو أنّ الـشرط الـفاسد یوجب قصوراً فی الـطیب والـتراضی الـمعتبر فی صحّـة الـعقد ، بل فی تحقّقـه ؛ وذلک لأنّ الـشرط وإن لـم یکن اُصولیّاً ، کی لا یکون الـتراضی متحقّقاً حین الـعقد بالـنسبـة إلـی الـمبادلـة ؛ سواء کانت کلّیـة أو شخصیّـة ، ولکن کفایـة مطلق الـتراضی محلّ منع .
وذلک لـما فی صحیحـة أبی ولاّد الـحاکمـة بمراجعـة أبی ولاّد إلـیٰ طرفـه بعد رضاه ؛ معلّلاً بأنّـه یرجع إلـیـه ، ویسأل عن سبب رضاه ، وأنّـه هل هو فتوی الـفقیـه الـفاسد ، أم هو راضٍ علی الإطلاق ؟
فإنّـه یعلم منـه : أنّـه ولو کان الـتراضی الـتکوینیّ موجوداً فی الـنفس بالـنسبـة إلـی الـکلّی والـشخصیّ، إلاّ أنّـه لابدّ من ملاحظـة منشأه ، فإنّـه إن کان منشأه أمراً فاسداً فلا یعتنیٰ بـه ، وإلاّ فلابأس بـه . وحیث إنّ الـتراضی فی الـمقام لـه الـمنشأ ؛ وهو الـشرط ، وهو فاسد ، فلا یعتنیٰ بالـرضا الـموجود بالـفعل ، فلا یصلح الإطلاقات والـعمومات لـلتمسّک .
ومن هنا یظهر عدم توجّـه الإشکال إلـی الـتقریب الـمذکور فی موارد تخلّف الـدواعی الـصحیحـة ، بخلاف الـدواعی الـباطلـة ، کاشتراء آلات الـقمار لـلملاعبـة دون الـطبخ ، أو اشتراء الـخشب لـصنعـة تلک الآلات ،
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 236
فإنّـه وإن کان الـتراضی حاصلاً ، إلاّ أنّـه باطل عند الـشرع .
ومن هنا یظهر وجـه بطلان بیع الـمکره وإن رضی بـه ، فإنّـه رضا حاصل من منشأ باطل ، کما ذکرنا تفصیلـه فی محلّـه ، واستفدنا ذلک من قولـه تعالـیٰ : « إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ » فإنّ الـتقیـید بقولـه تعالـیٰ : « مِنْکُمْ »فیـه إفادة أنّ الـتراضی لابدّ وأن یحصل عندکم بسلطانکم ، لا بسلطان الآخرین ، فاغتنم .
ویظهر أیضاً فساد تقریب الـشیخ وأتباعـه من الـتمسّک بتعدّد الـمطلوب ، فانّـه تقریب لاینفع فی باب الـمعاملات ولا الـعبادات لـو کانت متقوّمـة بالإنشاء . وقضیّـه انحلال الإنشاء غیر تامّـة ، کما مرّ فی هذا الـکتاب مراراً ، إلاّ فی بعض الـصور ، وما نحن فیـه لـیس منها ، بل الانحلال لا أصل لـه حتّی بالـنسبـة إلـی الأجزاء ، فضلاً عن الـمشروط والـشرط .
وکان ینبغی أن ینکر أصل الانحلال وتعدّد الـمطلوب فی باب الـشروط ؛ لـکونها أجنبیّـة عن الـعقود ، ولاحقـة بها ، کما اختاره الـسیّدان : الـیزدیّ والـوالـد الـمحقّق عفی عنهما .
فبالجملة : مقتضی الـتقریب الـمذکور ؛ الـمناقشـة فی کفایـة مطلق الـتراضی ، فیکون الـشرط الـفاسد موجباً لـلبحث الـکبرویّ الآخر : وهو کفایـة مطلق الـتراضی ، أم لا ؟ کما عرفت فی هذا الـوجـه ، وهکذا فی
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 237
الـوجـه الأوّل ، فإنّـه یرجع الـبحث الـمذکور إلـیٰ بحث کبرویّ آخر : وهو اشتراط مطلق الـمعلومیّـة . فما ربّما یقال : من أنّ الـبحث فی هذه الـوجوه صغرویّ لا کبرویّ، ناشئ من عدم الالتفات إلـیٰ حقیقـة الأمر .
أقول : الـشروط علی ثلاثـة أقسام :
الأوّل : ما یکون دخیلاً فی حصول الـتراضی بالـنسبـة إلـی الـعقد .
والثانی : ما یکون الـمتعاقدان راضیـین بالـعقد علی الإطلاق ، ویعتبرانـه زائداً علیٰ ما هو الـسبب الـمنتهی إلـیٰ عقدهما .
والثالث : ما هو الأصل ، والـعقد تبعـه فی الـرضا ؛ وإن کان بالـعکس بحسب مقام الإنشاء .
فما کان من الـقسم الـثانی ، لا یستلزم فساده فساد الـعقد ولو کان الـتقریب الـمزبور صحیحاً وتامّاً .
وأمّا الآخران ، فمقتضی الـقاعدة الأوّلیـة ـ ولاسیّما فی الـبیوع الـشخصیّـة ـ صحّـة الـعقد ؛ بعد کون الـمراد من « الـشرط » ما هو الالتزام فی الالتزام الموجب لتقیّد الالتزام الأوّل ؛ بحیث یکون الـرضا بالـنسبـة إلـی العقد حاصلاً بالفعل ، ولیس تعلیق فی البین الراجع إلـی الـشرط الاُصولیِّ.
مع أنّـه قد تحرّر منّا ؛ رجوع جمیع الواجبات المشروطـة والإنشاءات الـمعلّقـة إلـیٰ أمر واحد بحسب الـلبِّ، وتفصیلـه فی الاُصول .
فعلیٰ کلّ تقدیر : قضیّـة الـصناعـة صحّـة الـعقد بالـضرورة ؛ لإطلاق أدلّتـه ، وموجودیّـة شرطه ، بل وقوامه ، ولاسیّما فی موارد لـم تکن الشروط
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 238
إکراهیّـة کما هو الـمفروض ، بل یکون بطلانـه لأجل الـتعبّدات الـشرعیّـة .
وأمّا مقتضیٰ صحیحـة أبی ولاّد ، فهو وإن کان - کما اُشیر إلـیـه ، بعد ضمّ الـفهم الـعرفیّ إلـیـه - عدم الـخصوصیّـة لـمورده وهو الـرضا بالـنسبـة إلـیٰ أمر غیر معاملیِّ، إلاّ أنّ إلـغاء الـخصوصیّـة بالـنسبـة إلـی احتمال تشدید الأمر فی مورد إفتاء أمثال أبی حنیفـة وشرکائـه ، مشکل جدّاً ، فیرجع بعد ذلک إلـی الإطلاقات ؛ لـعدم سقوطها بمجرّد الاحتمال الـمذکور ، فلیلا حظ جیّداً .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 239