المقصد الثالث فی الشروط

الوجه الثانی: عدم التراضی

الوجه الثانی: عدم التراضی

‏ ‏

‏وأمّا الـوجـه الـثانی : فهو أنّ الـشرط الـفاسد یوجب قصوراً فی‏‎ ‎‏الـطیب والـتراضی الـمعتبر فی صحّـة الـعقد ، بل فی تحقّقـه ؛ وذلک لأنّ‏‎ ‎‏الـشرط وإن لـم یکن اُصولیّاً ، کی لا یکون الـتراضی متحقّقاً حین الـعقد‏‎ ‎‏بالـنسبـة إلـی الـمبادلـة ؛ سواء کانت کلّیـة أو شخصیّـة ، ولکن کفایـة مطلق‏‎ ‎‏الـتراضی محلّ منع .‏

‏وذلک لـما فی صحیحـة أبی ولاّد‏‎[1]‎‏ الـحاکمـة بمراجعـة أبی ولاّد إلـیٰ‏‎ ‎‏طرفـه بعد رضاه ؛ معلّلاً بأنّـه یرجع إلـیـه ، ویسأل عن سبب رضاه ، وأنّـه هل‏‎ ‎‏هو فتوی الـفقیـه الـفاسد ، أم هو راضٍ علی الإطلاق ؟‏

‏فإنّـه یعلم منـه : أنّـه ولو کان الـتراضی الـتکوینیّ موجوداً فی الـنفس‏‎ ‎‏بالـنسبـة إلـی الـکلّی والـشخصیّ، إلاّ أنّـه لابدّ من ملاحظـة منشأه ، فإنّـه إن‏‎ ‎‏کان منشأه أمراً فاسداً فلا یعتنیٰ بـه ، وإلاّ فلابأس بـه . وحیث إنّ الـتراضی‏‎ ‎‏فی الـمقام لـه الـمنشأ ؛ وهو الـشرط ، وهو فاسد ، فلا یعتنیٰ بالـرضا‏‎ ‎‏الـموجود بالـفعل ، فلا یصلح الإطلاقات والـعمومات لـلتمسّک .‏

ومن هنا یظهر‏ عدم توجّـه الإشکال إلـی الـتقریب الـمذکور فی موارد‏‎ ‎‏تخلّف الـدواعی الـصحیحـة ، بخلاف الـدواعی الـباطلـة ، کاشتراء آلات‏‎ ‎‏الـقمار لـلملاعبـة دون الـطبخ ، أو اشتراء الـخشب لـصنعـة تلک الآلات ،‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 236
‏فإنّـه وإن کان الـتراضی حاصلاً ، إلاّ أنّـه باطل عند الـشرع .‏

ومن هنا یظهر‏ وجـه بطلان بیع الـمکره وإن رضی بـه ، فإنّـه رضا‏‎ ‎‏حاصل من منشأ باطل ، کما ذکرنا تفصیلـه فی محلّـه ، واستفدنا ذلک من قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ : ‏‏«‏ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ ‏»‏‎[2]‎‏ فإنّ الـتقیـید بقولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ : ‏‏«‏ مِنْکُمْ ‏»‏‏فیـه إفادة أنّ الـتراضی لابدّ وأن یحصل عندکم‏‎ ‎‏بسلطانکم ، لا بسلطان الآخرین ، فاغتنم .‏

ویظهر أیضاً‏ فساد تقریب الـشیخ وأتباعـه من الـتمسّک بتعدّد‏‎ ‎‏الـمطلوب ‏‎[3]‎‏، فانّـه تقریب لاینفع فی باب الـمعاملات ولا الـعبادات لـو‏‎ ‎‏کانت متقوّمـة بالإنشاء . وقضیّـه انحلال الإنشاء غیر تامّـة ، کما مرّ فی هذا‏‎ ‎‏الـکتاب مراراً ، إلاّ فی بعض الـصور ، وما نحن فیـه لـیس منها ، بل الانحلال‏‎ ‎‏لا أصل لـه حتّی بالـنسبـة إلـی الأجزاء ، فضلاً عن الـمشروط والـشرط .‏

‏وکان ینبغی أن ینکر أصل الانحلال وتعدّد الـمطلوب فی باب‏‎ ‎‏الـشروط ؛ لـکونها أجنبیّـة عن الـعقود ، ولاحقـة بها ، کما اختاره الـسیّدان :‏‎ ‎‏الـیزدیّ‏‎[4]‎‏ والـوالـد الـمحقّق‏‎[5]‎‏ عفی عنهما .‏

فبالجملة :‏ مقتضی الـتقریب الـمذکور ؛ الـمناقشـة فی کفایـة مطلق‏‎ ‎‏الـتراضی ، فیکون الـشرط الـفاسد موجباً لـلبحث الـکبرویّ الآخر : وهو‏‎ ‎‏کفایـة مطلق الـتراضی ، أم لا ؟ کما عرفت فی هذا الـوجـه ، وهکذا فی‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 237
‏الـوجـه الأوّل ، فإنّـه یرجع الـبحث الـمذکور إلـیٰ بحث کبرویّ آخر : وهو‏‎ ‎‏اشتراط مطلق الـمعلومیّـة . فما ربّما یقال : من أنّ الـبحث فی هذه الـوجوه‏‎ ‎‏صغرویّ لا کبرویّ، ناشئ من عدم الالتفات إلـیٰ حقیقـة الأمر .‏

أقول :‏ الـشروط علی ثلاثـة أقسام :‏

الأوّل :‏ ما یکون دخیلاً فی حصول الـتراضی بالـنسبـة إلـی الـعقد .‏

والثانی :‏ ما یکون الـمتعاقدان راضیـین بالـعقد علی الإطلاق ،‏‎ ‎‏ویعتبرانـه زائداً علیٰ ما هو الـسبب الـمنتهی إلـیٰ عقدهما .‏

والثالث :‏ ما هو الأصل ، والـعقد تبعـه فی الـرضا ؛ وإن کان بالـعکس‏‎ ‎‏بحسب مقام الإنشاء .‏

‏فما کان من الـقسم الـثانی ، لا یستلزم فساده فساد الـعقد ولو کان‏‎ ‎‏الـتقریب الـمزبور صحیحاً وتامّاً .‏

‏وأمّا الآخران ، فمقتضی الـقاعدة الأوّلیـة ـ ولاسیّما فی الـبیوع‏‎ ‎‏الـشخصیّـة ـ صحّـة الـعقد ؛ بعد کون الـمراد من « الـشرط » ما هو الالتزام‏‎ ‎‏فی الالتزام الموجب لتقیّد الالتزام الأوّل ؛ بحیث یکون الـرضا بالـنسبـة إلـی‏‎ ‎‏العقد حاصلاً بالفعل ، ولیس تعلیق فی البین الراجع إلـی الـشرط الاُصولیِّ.‏

‏مع أنّـه قد تحرّر منّا ؛ رجوع جمیع الواجبات المشروطـة والإنشاءات‏‎ ‎‏الـمعلّقـة إلـیٰ أمر واحد بحسب الـلبِّ، وتفصیلـه فی الاُصول ‏‎[6]‎‏.‏

فعلیٰ کلّ تقدیر :‏ قضیّـة الـصناعـة صحّـة الـعقد بالـضرورة ؛ لإطلاق‏‎ ‎‏أدلّتـه ، وموجودیّـة شرطه ، بل وقوامه ، ولاسیّما فی موارد لـم تکن الشروط‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 238
‏إکراهیّـة کما هو الـمفروض ، بل یکون بطلانـه لأجل الـتعبّدات الـشرعیّـة .‏

‏وأمّا مقتضیٰ صحیحـة أبی ولاّد‏‎[7]‎‏ ، فهو وإن کان - کما اُشیر إلـیـه ، بعد‏‎ ‎‏ضمّ الـفهم الـعرفیّ إلـیـه - عدم الـخصوصیّـة لـمورده وهو الـرضا‏‎ ‎‏بالـنسبـة إلـیٰ أمر غیر معاملیِّ، إلاّ أنّ إلـغاء الـخصوصیّـة بالـنسبـة إلـی‏‎ ‎‏احتمال تشدید الأمر فی مورد إفتاء أمثال أبی حنیفـة وشرکائـه ، مشکل جدّاً ،‏‎ ‎‏فیرجع بعد ذلک إلـی الإطلاقات ؛ لـعدم سقوطها بمجرّد الاحتمال الـمذکور ،‏‎ ‎‏فلیلا حظ جیّداً .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 239

  • )) الکافی 5: 290 / 6، وسائل الشیعة 19: 119، کتاب الإجارة، الباب 17، الحدیث 1.
  • )) النساء (4): 29.
  • )) المکاسب، الشیخ الأنصاری: 288 / السطر 21.
  • )) حاشیة المکاسب، المحقّق الیزدی 2: 138 / السطر 12 ـ 28.
  • )) البیع، الإمام الخمینی قدس سره 5: 245 ـ 246.
  • )) تحریرات فی الاُصول 3: 66 ـ 67.
  • )) الکافی 5: 290 / 6، وسائل الشیعة 19: 119، کتاب الإجارة، الباب 17، الحدیث 1.