المرحلة الأولیٰ : فی مقام الثبوت
وأنّـه هل یعقل أن یکون الـشرط مفسداً لـلعقد ، أم لا ؟
وجهان ، بل قولان أظهرهما عدم إمکانـه ؛ وذلک لـما تحرّر فی الـمرکّبات الاعتباریـة : من أنّ تصویر الـمانعیّـة فیها غیر معقول؛ وذلک لأنّ الاعتباریّات الـتی توصف بالـصحـة والـفساد ، لا یعقل أن لا یتحقّق فیها الـمعنی الأعمّ مع وجود الـمانع ، وحیث إنّ الألفاظ موضوعـة لـلأعمِّ، فیلزم تحقّق الـمرکّب والـمأمور بـه بالـضرورة ، ومقتضی الإطلاق لـزوم الـخلف ؛ لأنّ الـمفروض مانعیّـة الـثوب الـکذائیّ عن الـصلاة ، کمانعیّـة الـرطوبـة عن الاحتراق ، وحیث إنّ الـصلاة متحقّقـة فلا یتصوّر الـمانعیّـة . والـتعبّد بعدم الـتحقّق یحتاج إلـی الـدلیل الـخاصِّ، وهو مفقود فی الـمقام .
وأما الـمرکّبات الـدائر أمرها بین الـوجود والـعدم ، فلاٰبدّ أن یرجع قید الـشرط إلـی اعتبار تقیّد الـعقد بعدم الـشرط الـمذکور ، وهذا خلاف الـفرض ؛ وهو کون الـشرط مفسداً ، فإنّ الإفساد معناه الـمنع عن تحقّقـه صحیحاً ، لا عن أصل تحقّقـه ، وهو أیضاً خلف .
فبالجملة : لا معنیٰ لـهذا الـبحث ؛ وهو أنّ الـشرط هل هو مفسد أم لا ؟ بل الـبحث لابدّ أن یرجع إلـیٰ أنّـه هل یعتبر فی صحّـة الـعقد ونفوذه ـ بل فی تحقّقـه ـ عدم اشتراط الـشرط الـفاسد ، أم لا ؟
وما قد یقال : من أنّ لـلعدم لایکون تأثیر حتّیٰ یعتبر دخیلاً ، ففیـه الـخلط بین الاعتباریّات والـتکوینیّات .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 220
ودعویٰ : أنّ من هذا الـباب أصل الإشکال الـمذکور ، غیر مسموعـة ، کما لایخفیٰ ، وتحریره وتفصیلـه قد مضیٰ فی کتب الـصلاة وغیرها ، وفی نفس هذا الـکتاب فی مواضع اُخر .
إن قلت : بناءً علیـه لایبقیٰ لـلبحث مجال ؛ لأنّ مصبّ الـخلاف هو الـشرط غیر الـمسری إلـی اختلال رکن الـعقد ، کالـعجز ، والـجهالـة ، والـسفاهـة ، وغیر ذلک ، فلو کان الـبحث حول أنّ الـعقد هل یتقیّد نفوذه بعدم الـشرط الـفاسد ؟ فلازمـه سرایـة الـشرط الـفاسد إلـی الاختلال برکنـه ، وهو الـتقیّد الـمذکور .
قلت : نعم ، إلاّ أنّـه یمکن الالتزام بوجود الـدلیل علیٰ بطلان الـعقد من ناحیـة الـشرط الـفاسد ؛ لأجل الـجهالـة ، دون غیرها مثلاً ، ویترتّب علیـه فساد ما یظهر من الـشیخ وأتباعـه من إخراج هذه الـشروط عن مصبّ الـبحث هنا ؛ بتوهّم أنّ الـکلام حول الـشرط الـفاسد غیر الـمسری إلـی اختلال رکن الـعقد .
ویؤید ما ذکرنا إطلاق کلمات الـقوم ؛ من غیر إخراج الـشروط الـمسریـة عن محطّ الـبحث ؛ لأنّـه لا معنیٰ لـلإسراء إلاّ بمعنی اختلال رکن الـعقد وقیده ، وهو عدم کونـه متقیّداً بالـشرط الـفاسد ، فلابدّ من الـبحث والـفحص عن حدود الـدلیل الـناهض علیٰ هذه الـمسألـة .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 221
وبعبارة اُخریٰ : ماسلکـه الـقوم ومنهم الـوالـد الـمحقق ـ مدظلّـه ـ من انحصار الـبحث هنا حول الـشرط غیر الـمسری ، وإلاّ فما یسری إلـی اختلال رکن الـعقد ـ فیصیر الـعقد سفهیّاً ، أو مجهولاً ، أو غیر ذلک ممّا یکون دخیلاً فی صحّتـه ـ فهو یوجب الـفساد طبعاً ، غیر تامّ من جهـة اُخری أیضاً : وهی إمکان الـتفصیل بین الـجهالـة الـذاتیّـة ، والـجهالـة الـتی تجیء من ناحیـة الـشرط ؛ لعدم وجود إطلاق علی اشتراط الـمعلومیّـة علی الإطلاق ، وتصیر الـنتیجـة وقوع الـبحث فی مرحلتین :
المرحلة الاُولیٰ : فی أنّ فی الـشروط الـمسریـة ، هل یبطل الـعقد لأجل قصور الأدلّـة الـناهضـة علی اشتراط الـقدرة فی الـعقد ، أو الـمعلومیّـة ؟
فیکون الـبحث کبرویّاً من هذه الـجهـة .
والمرحلة الثانیة : هل الـشرط غیر الـمسری یوجب الـبطلان ، أم لا ؟ وهو أیضاً بحث کبرویِّ.
وأمـّا بناءً علیٰ ما تحرّر منّا ، فیتمحّض الـبحث حول أنّ الـشرط فی نفوذ الـعقد ، ربّما یکون وجودیّاً ، کالـقدرة مثلاً ، واُخریٰ یکون عدمیّاً ، کعدم اشتراط الـشرط الـفاسد فی ضمنـه ، ومثلـه اشتراط عدم الـعجز ، وعدم الـجهل .
ومن هنا یظهر : أنّ الـجهـة الـمبحوث عنها هنا ، عین الـجهـة الـمبحوث عنها فی اشتراط عدم الـعجز وعدم الـجهل ، وکان ینبغی ذکره فی
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 222
ذلک الـمقام .
کما یظهر : أنّـه یتمحّض الـبحث فی أنّ نفس عدم ذکر الـشرط الـفاسد ، شرط فی نفوذ الـعقد ، أم لا ؟ وأمّا إذا کان ذکر الـشرط الـفاسد موجباً للجهالـة ، فهو بعینـه مثل رجوع الـعجز إلـی الـجهالـة فی بعض الأحیان ، فلا ینبغی الـخلط فیما هو الـمهمّ بالـبحث ، فافهم واغتنم .
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 223