المآثیر المحددة لوزن الکرّ

‏‏المآثیر المحددة لوزن الکرّ‏

‏‏ ‏

‏‏ثمّ إنّ الـمآثیر فی هذه الـمسألـة، علیٰ طوائف:‏

‏‏أوّلها:‏‏ صحیحـة محمّد بن مسلم، عن أبی عبدالـلّٰـه ‏‏علیه السلام‏‏ قال: قلت لـه:‏‎ ‎‏الـغدیر فیـه ماء مجتمع تبول فیـه الـدوابّ، وتلغ فیـه الـکلاب، ویغتسل فیـه‏‎ ‎‏الـجنب قال : «‏‏إذا کان قدر کُرّ لم ینجّسه شیء، والکرّ ستمائة رطل»‏‎[1]‎‏.‏

‏‏وما فی «الـتهذیب» و«الاستبصار» محمّد بن أبی عمیر، قال: روی لـی‏‎ ‎‏عن عبدالـلّٰـه ـ یعنی ابن الـمغیرة ـ یرفعـه إلـیٰ أبی عبدالـلّٰـه ‏‏علیه السلام‏‏: «‏‏إنّ الکرّ‏‎ ‎‏ستمائة رطل»‏‎[2]‎‏.‏

‏‏وقد یستظهر اتحاد الـخبرین.‏

‏‏وقد یشکل سندهما؛ لـقول الـشیخ: «إنّ ذلک لـم یعتبره أحد من‏‎ ‎‏أصحابنا فهو متروک بالإجماع»‏‎[3]‎‏، ولأنّ مراسیل ابن أبی عمیر ـ علیٰ ما هو‏‎ ‎‏الـمشهور فیها من الاعتبار، وصحّـة الاعتماد ـ غیر معتبرة.‏

‏‏اللهمّ إلاّ أن یقال:‏‏ باعتبار تلک الـمراسیل خصوصاً؛ لـتصریح الـنجاشی‏‎ ‎‏فی ترجمتـه بسکون الأصحاب إلـیٰ مرسلاتـه‏‎[4]‎‏.‏

‏
‏‎

‎‏نعم، کون الـمراد من «الـمراسیل» فی عبارتـه ما هو الـمصطلح علیـه،‏‎ ‎‏غیر واضح، فعلّـه یرید الـمقطوعـة، وهی ما یکون مسنداً إلـی الـراوی‏‎ ‎‏الأخیر، دون مالا یکون مسنداً أصلاً.‏

‏‏هذا مع أنّ هذه الـروایـة من مراسیل ابن الـمغیرة وابن أبی عمیر، فربّما‏‎ ‎‏یکون ما هو الـحجّـة هی الـصورة الأخیرة، لا مطلق الـصور، فلیتدبّر.‏

‏‏ویمکن دعویٰ عدم ثبوت الإعراض الـموهن؛ لـما عرفت منّا مراراً: أنّ‏‎ ‎‏الـروایـة إذا کانت صریحـة أو ظاهرة فی أمر، وکانت بمرأیٰ ومنظر من‏‎ ‎‏الـمجمعین، وأعرضوا عنها، فهی الـموهونـة، ولکنّها إذا کانت قابلـة للجمع مع‏‎ ‎‏سائر ما ورد، فلا یثبت الـوهن؛ لـجمعهم بینها وبین غیرها فی الـمدلول، وفیما‏‎ ‎‏نحن فیـه الأمر کذلک.‏

‏‏ثانیها:‏‏ مرسلـة ابن أبی عمیر، عن بعض أصحابنا عن أبی عبدالـلّٰـه ‏‏علیه السلام‏‎ ‎‏قال: «‏‏الکرّ من الماء الّذی لا ینجّسه شیء ألف ومائتا رطل»‏‎[5]‎‏.‏

‏‏وفی «الـمقنع» مرسلاً نحوه، قال: «وروی...» إلـیٰ آخره‏‎[6]‎‏.‏

‏‏والإشکال فی الـسند بما مضیٰ قد اتّضح.‏

‏‏وهنا خصوصیّـة اُخریٰ قد تعرّض لـها الـمتضلّع الـنوریّ فی‏‎ ‎‏الـخاتمـة، وهو قولـه: «عن بعض أصحابنا» أو «أصحابـه»‏‎[7]‎‏ فإنّـه ظاهر فی‏‎ ‎‏أنّـه من الـذین فی رتبتـه فقهاً وحدیثاً، دیناً ومذهباً وعملاً، أو أدنیٰ منـه‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏برتبـة، وتکون الـمرسلـة الـمذکورة مقطوعـة، فلا تغفل.‏

‏‏ثالثها:‏‏ مرسلـة ابن الـمغیرة ـ وهو من أصحاب الإجماع ـ عن بعض‏‎ ‎‏أصحابـه عن أبی عبدالـلّٰـه ‏‏علیه السلام‏‏ قال: «‏‏إذا کان الماء قدر قلّتین لم ینجّسه شیء،‏‎ ‎‏والقلّتان: جرّتان»‏‎[8]‎‏.‏

‏‏ومقتضی الإطلاق فی الـتفسیر، وظهور خبر سعید الأعرج ـ أنّـه سأل أبا‏‎ ‎‏عبدالـلّٰـه ‏‏علیه السلام‏‏ عن الـجرّة تسع مائـة رطل، یقع فیها اُوقِیّـة من دم، أشرب منـه‏‎ ‎‏وأتوضّأ؟ قال: «لا»‏‎[9]‎‏ فی أنّ الـجرّة الـمسؤول عنها کانت تسع الـمقدار‏‎ ‎‏الـمذکور، هـو أنّ الـکرّ ألـف وثمانمائـة رطل، وقد عرفت وجـه إمکان‏‎ ‎‏الاعتماد علیها.‏

‏‏رابعها:‏‏ علیّ بن جعفر فی کتابـه، عن أخیـه، قال: سألتـه عن جرّة (حبّ)‏‎ ‎‏ماء فیـه ألف رطل، وقع فیـه اُوقِیّـة بول، هل یصلح شربـه أو الـوضوء منـه؟‏

‏‏قال: «‏‏لا یصلح»‏‎[10]‎‏.‏

‏‏إن قلت: ‏‏قضیّـة هذه الـروایـة وسابقتها، فساد الـماء بالـملاقاة ولو کان‏‎ ‎‏کثیراً عرفاً، وهذه «‏‏الجرّة‏‏» قد وقعت فی الـروایـة الاُولیٰ الـتی کانت عمدة ما‏‎ ‎‏استدلّ بها علی ذلک.‏

‏
‏‎

‎‏قلت:‏‏ فیـه نظر؛ لـعدم تمامیّـة سندهما فتأمّل، ولعدم تمامیّـة دلالتهما؛‏‎ ‎‏لـما عرفت من أنّ الـمفروض وقوع الاُوقِیّـة من الـدم والـبول، وهذا ربّما‏‎ ‎‏یورث الـمنع الـتنزیهیّ؛ لاستلزام استعمال ما لا ینبغی وهو أکل تلک الأجزاء،‏‎ ‎‏أو للزوم الـمنافرة، بل فی الـسؤال الـمزبور قرینـة علیٰ أنّ الـماء الـبالـغ‏‎ ‎‏إلـیٰ هذه الـحدود، ما کان ینجس، إلاّ أنّ کثرة الـنجاسـة ألجأتهم إلـی‏‎ ‎‏الـسؤال، فلا تختلط.‏

‏‏فبالجملة:‏‏ هذه الـطوائف متکاذبـة، واتفاق الـطوائف الـثلاث علیٰ کذب‏‎ ‎‏الاُولیٰ، لا یورث الـوهن، وهذا من خواصّ الـموضوع الـمتنازع فیـه؛ لأنّـه‏‎ ‎‏من الأمر الـدائر بین الأقلّ والأکثر.‏

‏‏ ‏

‏‎ ‎

‏‎

‎

• )) تهذیب الأحکام 1 : 414 / 1308 ، وسائل الشیعة 1 : 159 ، کتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحدیث 5 .
• )) تهذیب الأحکام 1 : 43 / 119 ، الاستبصار 1 : 11 / 16 .
• )) الاستبصار 1 : 11 ذیل الحدیث 17 .
• )) رجال النجاشی : 326 / الرقم 887 .
• )) تهذیب الأحکام 1 : 41 / 113 ، وسائل الشیعة 1 : 167 ، کتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 11 ، الحدیث 1 .
• )) المقنع : 31 .
• )) مستدرک الوسائل (الخاتمة) 3 : 541 / السطر 30 .
• )) تهذیب الأحکام 1 : 415 / 1309 ، وسائل الشیعة 1 : 166 ، کتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 10 ، الحدیث 8 .
• )) تهذیب الأحکام 1 : 418 / 1320 ، وسائل الشیعة 1 : 169 ، کتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 13 ، الحدیث 2 .
• )) مسائل علی بن جعفر : 197 / 420 ، وسائل الشیعة 1 : 156 ، کتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب8 ، الحدیث 16 .