الجهة الرابعة: فی قضیّة الأدلّة والاُصول العملیّة
إذا سقطت الأدلّـة الـلّفظیّـة عن الاستدلال سنداً أودلالـة،فهل عند ذلک لابدّ من الـقول : بأنّ الـقدر الـمتیقّن من الـمنفعل، ما کان أقلّ من سبعـة وعشرین؛ لأنّ الأصل الأوّلی عدم انفعال الـماء مطلقاً؟
أو الـقول : بأنّ الـقدر الـمتیقّن من الـلاّانفعال هو الـثلاثـة والأربعون، فلو نقص منـه شیء ینفعل؛ لأنّ الأصل انفعال الـماء إلاّ إذا کان کرّاً؟
وقد مضیٰ شطر من الـبحث حول ماهو الـحقّ فی الـمسألـة؛ حسب الأدلّـة اللفظیّـة.
والذی هو الأقرب: أنّ الـماء إذا ثبت قابلیّتـه للنجاسـة فی الـجملـة، فلابدّ فیـه من الـعاصم، وهو الـبالـغ إلـی الـحدّ الأکثر لـدی الـشکّ؛ لـرجوعـه إلـی الـشکّ فیما یعصمـه.
وتوهّم: أنّ الـقلّـة مقتضیـة لـلانفعال، فی غیر محلّـه؛ لأنّها لـیست أمراً خارجیّاً حتّیٰ یکون مقتضیاً لـشیء.
اللهمّ إلاّ أن یقال: ظاهر الـنبویّ، هو أنّ الـماء لاینجّسـه شیء إلاّ إذا
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.۱)صفحه 342
کان متغیّراً بالاستثناء، أو قلیلاً بالـتخصیص الـمنفصل، وإذا کان مفهوم «الـقلیل» و «الـکرّ» و«الـکثیر» مجملاً، فلابدّ من الـمراجعـة إلـی الـعامّ؛ وهو عدم تنجّس الـماء، والـقدر الـمتیقّن منـه الـذی ینجس، هو غیر الـبالـغ إلـی الـحدّ الأقلّ.
فبالجملة : قضیّـة ما حرّر فی الاُصول، هو الـرجوع إلـی الـعمومات فی الـشبهـة الـمصداقیّـة الـمفهومیّـة للمخصّص، وأمّا الـنظر إلـی الـمقتضیات؛ وأنّ الـکثیر فیـه الاقتضاء دون الـقلیل، فغیر جائز؛ للزوم الاجتهاد فی مقابل الـنصّ کما لایخفیٰ.
نعم، فی ثبوت الـنبویّ سنداً، وفی وضوحـه دلالـة، مباحث هامّـة مضت.
ولو فرغنا عن جمیع تلک الـمباحث، وفرضنا الإطلاق لـه من هذه الـجهـة أیضاً، فالـذی هو الـمحرّر عندی: عدم جواز الـرجوع إلـی الـعمومات فی الـمفروض من الـکلام أیضاً، لـما تقرّر من رجوع الـشبهـة الـمصداقیّـة إلـی الـموضوعیّـة فی محیط الـتقنین والـتشریع مطلقاً.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.۱)صفحه 343