المبحث الثانی عشر فی الماء المشتبه من حیث الحرمة والإباحة

الجهة الاُولیٰ : فی شربه

الجهة الاُولیٰ : فی شربه

‏ ‏

‏وهذا هو الـمتّفق علیـه، سواء قلنا: بأنّ الـعلم الإجمالـیّ منجّز، أم لا؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ حرمـة ذلک معلومـة بالـتفصیل.‏

اللهمّ إلاّ أن یقال:‏ هذا غیر ممکن؛ لأنّ حرمـة الـنجس غیر حرمـة شرب‏‎ ‎‏الـمغصوب جعلاً ودلیلاً، ولا یرجعان إلـی الـحرمـة الـواحدة.‏


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.2)صفحه 258
نعم، إن قلنا:‏ برجوع الـعنوان إلـی الـجهـة الـتعلیلیّـة، یمکن دعوی‏‎ ‎‏الـقطع بالـحرمـة؛ فإنّ شرب هذا الـماء حرام؛ إمّا لأنّـه نجس، أو لأنّـه‏‎ ‎‏مغصوب، فیکون الـتردید فی الـعلّـة.‏

‏وأنت خبیر بما فیـه؛ فالـحرمـة معلومـة بجنسها تفصیلاً، وبنوعها‏‎ ‎‏إجمالاً، وما هو منشأ الأثر هو الـثانی، دون الأوّل.‏

‏وعلیٰ هذا، یمکن دعویٰ: أنّ هذا الـعلم لـیس منجّزاً؛ لـما مرّ من أصالة‏‎ ‎‏الـحرمـة فی الأموال‏‎[1]‎‏، فتکون الـشبهـة الـبدویّـة منجّزة، ولاتجری أصالـة‏‎ ‎‏الـحلّیـة فی ناحیـة الـغصب، فتکون قاعدة الـطهارة فی الـطرف الآخر بلا‏‎ ‎‏معارض، فیجوز شربـه؛ بمعنیٰ أنّـه یجوز شربـه ذاتاً، ولا یکون من شرب‏‎ ‎‏النجس، ولایجوز ذلک؛ لأجل أنّـه من الـتصرّف فی مال الـغیر احتمالاً منجّزاً.‏

‏وتظهر الـثمرة فی صحّـة الـوضوء؛ فإنّها وإن کان تصرّفـه فیـه‏‎ ‎‏بالـتوضّی محرّماً، ولکنّـه صحیح؛ لـعدم تمامیّـة دلیل اعتبار الإباحـة فی‏‎ ‎‏صحّتـه وضعاً. ولعلّ لـمثل ذلک اختار الأعلام ـ عفی عنهم ـ ذلک‏‎[2]‎‏.‏

‏وربّما یخطر بالـبال دعویٰ أن یقال: بأنّ تقدّم الـمنجّز زماناً ورتبـة،‏‎ ‎‏کافٍ فی إسقاط تأثیر الـمنجّز الآخر مثلاً؛ لـما اشتهر: «أنّ الـمتنجّز لایتنجّز»‏‎ ‎‏وأمّا إذا کان مثل ما نحن فیـه فلا؛ ضرورة أنّ الـعلم الإجمالـیّ بالـنجاسـة‏‎ ‎‏والـغصبیّـة حصل، ولاتکون شبهـة الـغصبیّـة متقدّمـة علیـه، بل هی من‏‎ ‎‏محصّلات الـعلم، ویکون الـعلم قائماً بها، فلا وجـه لـعدم استناد الـتنجیز إلـی‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.2)صفحه 259
‏الـعلم. ومجرّد إمکان أنّ الـشبهـة کافیـة ، لایستلزم قصوراً فیـه.‏

‏نعم، إذا فرضنا أنّـه کان یحتمل غصبیّـة الـماء أوّلاً، ثمّ علم إجمالاً بها‏‎ ‎‏وبالـنجاسـة، فلک دعویٰ قصوره عن تنجیز جمیع الأطراف.‏

‏هذا مع أنّ حدیث «أنّ الـمتنجّز لایتنجّز» ممّا لا برهان علیـه؛ لإمکان‏‎ ‎‏استناد الـتنجّز بقاءً إلـی الـعلّتین، لا الـعلّـة الاُولیٰ، والـتفصیل فی مقامـه‏‎[3]‎‏.‏

‏ثمّ إنّ قضیّـة ما نسب إلـی «الـحدائق»: من أنّ ماهو الـموضوع فی‏‎ ‎‏خطاب: «اجتنب عن الـنجس» هو الـنجس الـمعلوم‏‎[4]‎‏، هو أنّـه یجوز شرب‏‎ ‎‏هذا الـماء، والـوضوء بـه:‏

‏أمّا جواز شربـه، فلعدم تحقّق موضوعـه؛ لا بالـعلم الـتفصیلیّ، ولا‏‎ ‎‏بالإجمالـیّ.‏

‏وأمّا جواز الـتوضّی ، فلقاعدة الـحلّ؛ بناءً علیٰ ماهو الـمشهور من‏‎ ‎‏جریانها فی الـبدویّات.‏

وبالجملة:‏ لا علم إجمالـیّ بالـتکلیف الـفعلیّ، حتّیٰ یلزم من جریان‏‎ ‎‏الاُصول فی الأطراف، مخالـفـة عملیّـة قطعیّـة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره (ج.2)صفحه 260

  • )) تقدّم فی الصفحة 250 .
  • )) العروة الوثقیٰ 1 : 113 ، (طبعة مؤسسة النشر الإسلامی) .
  • )) تحریرات فی الاُصول 7 : 186 ، 192 ـ 193 و 505 .
  • )) الحدائق الناضرة 1 : 133 وما بعدها .