الجهة الثانیة : فی التوضّی به

‏‏الجهة الثانیة : فی التوضّی به‏

‏‏ ‏

‏‏وقد عرفت:‏‏ أنّـه باطل عند الـجمهور، وخالـفهم بعض الأعلام‏‎[1]‎‏. وما‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏یمکن أن یکون وجهاً لـذلک اُمور:‏

‏‏أحدها:‏‏ ما مرّ منّا فی الـجهـة الاُولیٰ: من أنّـه یصحّ الـوضوء، ولاٰیجوز‏‎ ‎‏الـتصرّف؛ لـما تقرّر من إمکان الاجتماع‏‎[2]‎‏.‏

‏‏ثانیها:‏‏ أنّ الـمستفاد من الأدلّـة، أنّ ماهو الـموضوع لـخطاب :‏‎ ‎‏«لاتـتوضّأ» هو الـمغصوب الـمعلوم إجمالاً أو تفصیلاً، وعلیـه لا علم‏‎ ‎‏إجمالـیّ فی الـبین یؤثّر فی تنجیز الـحکم الـمعلوم، حتّیٰ یقال: «بأنّ جریان‏‎ ‎‏الاُصول فی الأطراف، یورث الـمخالـفـة الـقطعیّـة»‏‎[3]‎‏ أو یقال: «إنّ مجرّد‏‎ ‎‏إمکان اجتماع الأمر والـنهی، غیر کافٍ لـصحّـة الـعبادة؛ لأنّ فی خصوص‏‎ ‎‏الـعبادات تکون الـغلبـة مع جانب الـنهی، کاشفـة عن الـقید فی الـمأمور بـه‏‎ ‎‏عرفاً، بل وعقلاً»‏‎[4]‎‏ فإنّ هذه الـکلمات من أرباب الـفضل حول هذه‏‎ ‎‏الـمسألـة، غفلـة محضـة، فلاتغفل، ولاتخلط.‏

‏‏بل بعد الـفراغ عن قبول الـمبنی الـمزبور، فهو کمبنی «الـحدائق» فی‏‎ ‎‏الـنجاسات، فلا تکلیف معلوم أصلاً بالـنسبـة إلـی الـتوضّی، فتکون قاعدة‏‎ ‎‏الـطهارة من هذه الـجهـة جاریةً، فیصحّ الـتوضّی؛ لأنّـه بالـنسبة إلـی‏‎ ‎‏الـمغصوب الـواقعیّ لا تکلیف قطعاً، لـعدم تمامیّـة موضوعـه، نظیر الـعلم‏‎ ‎‏الإجمالـیّ: بأنّـه إمّا یجب علیـه الأداء فی الـوقت، أو الـقضاء خارجـه، فإنّـه‏‎ ‎‏لایورث الـتنجیز إلاّ علیٰ تقدیر ترک الـطرف؛ لأنّ موضوع الـقضاء هو‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏«الـفوت» وإذا أتیٰ بها فی الـوقت لایحرز ذلک حتّیٰ یجب، فلیتدبّر.‏

‏‏نعم، لو قلنا:‏‏ بأنّ الـمبنیٰ فاسد، أو قلنا: بأنّ الـموضوع هو الـمغصوب‏‎ ‎‏الـمنجّز إجمالاً، یمکن دعویٰ بطلان الـوضوء؛ لأنّ حکم الـغصب بالـنسبـة‏‎ ‎‏إلـیٰ شرب الـماء منجّز. بل یلزم الاحتیاط ـ علیٰ رأینا ـ حتّیٰ فی الـشبهـة‏‎ ‎‏الـبدویّـة، کما عرفت‏‎[5]‎‏. ومن هنا یظهر خلط الأعلام، وإطالـة الأفاضل حولـه‏‎ ‎‏بما لا طائل تحتـه، وکأنّهم ذهلوا عمّا تعلّموه فی الأوائل.‏

‏‏ثالثها:‏‏ أنّ شرطیـة إباحـة ماء الـوضوء، غیر ظاهرة رأساً، فلو تصرّف‏‎ ‎‏فیـه بالـتوضّی، فإن قلنا: بحرمـة جمیع الـتصرّفات، فتکون الـمسألـة من‏‎ ‎‏صغریات مسألـة اجتماع الأمر والـنهی، علیٰ إشکال فیـه. اللهمّ إلاّ أن یتوضّأ‏‎ ‎‏بالاغتراف والارتماس. وهکذا حکم غسلـه.‏

‏‏وإن قلنا:‏‏ بجوازها فلا وجـه لـبطلانـه، کما لایخفیٰ. ویأتی حکم سائر‏‎ ‎‏الـتصرّفات من ذی قِبَل، إن شاء اللّٰـه تعالـیٰ.‏

‏‏ولعلّ وجـه احتیاط الـوالـد الـمحقّق ذلک، لا الذی مرّ آنفاً. کما أنّ‏‎ ‎‏وجـه فتوی الـعلمین الـمذکورین، هو الـثانی، علیٰ ماهو الـمشهور بین‏‎ ‎‏أفاضل الـعصر فی الـنجف الأشرف.‏

‏‏والـذی هو غیر خفیّ: أنّ الـمسألـة لایتفاوت حکمها فی مفروض‏‎ ‎‏الـبحث مع ما لـو کان هناک ماءان، أحدهما: مغصوب والآخر: نجس.‏

‏‏نعم، بناءً علیٰ رجوع الـعلم الإجمالـیّ إلـی الـتفصیلیّ، فهو من‏‎ ‎‏خصائص هذا الـفرض، دون ذاک، کما یخفیٰ.‏

‏
‏‎

‎‏ثمّ إنّـه قد یتوهّم بعض الـوجوه الـردیئـة من عدم تنجیز الـعلم‏‎ ‎‏الإجمالـیّ فی الـمسألـة، کما عن «الـحدائق»‏‎[6]‎‏ وغیره‏‎[7]‎‏، ولکنّـه فی غیر‏‎ ‎‏محلّـه.‏

‏‏ ‏

‏‎ ‎

‏‎

‎

• )) تقدّم فی الصفحة 257 ـ 258 .
• )) تقدّم فی الصفحة 259 .
• )) الطهارة (تقریرات المحقّق الحائری) الأراکی 1 : 276 .
• )) التنقیح فی شرح العروة الوثقیٰ 1: 410.
• )) تقدّم فی الصفحة 250 .
• )) الحدائق 1 : 517 ، ولاحظ فرائد الاُصول 2 : 408  و 416 ، فوائد الاُصول 3 : 50 .
• )) لاحظ دلیل العروة الوثقیٰ 1 : 221 ، التنقیح فی شرح العروة الوثقیٰ 1 : 409 .