الجهة السادسة : فی حکم الأجزاء التی لا تحلّها الحیاة

‏‏الجهة السادسة : فی حکم الأجزاء التی لا تحلّها الحیاة‏

‏‏ ‏

‏‏الأجزاء الـتی لا تحلّها الـحیاة طاهرة عند الـمسلمین إجمالاً،‏‎ ‎‏والـخلاف بینهم فی خصوص بعض منها کما یأتی، وقد عدّها الأصحاب إلـیٰ‏‎ ‎‏عشرة وعلیها الإجماعات الـمحکیّـة عن «کشف اللثام» و«الـمدارک»‏‎ ‎‏و«الـذخیرة»‏‎[1]‎‏ وفی بعض منهـا الاتفاق الـمحصّل، کالـشعر والـصوف،‏‎ ‎‏وعلیـه الإجماع فی «الـغنیـة» وفی «الـمنتهیٰ»‏‎[2]‎‏ دعوی الإجماع علیٰ‏‎ ‎‏خصوص الـعظم.‏

‏‏وقال الـشیخ فی «الـخلاف»: «لا بأس باستعمال أصواف الـمیّت‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏وشعره ووبره إذا جزّ وعظمـه، وبـه قال أبوحنیفـة.‏

‏‏وقال الـشافعیّ: شعر الـمیّت وصوفـه وعظمـه نجس، وبـه قال عطا.‏

‏‏وقال الأوزاعیّ: الـشعور کلّها نجسـة، لـکنّها تطهر بالـغسل، وبـه قال‏‎ ‎‏الـحسن الـبصریّ، واللیث بن سعد.‏

‏‏وقال مالـک: الـشعر والـریش والـصوف لا روح فیـه، ولا ینجس‏‎ ‎‏بالـموت کما قلناه، والـعظم والـقرن والـسنّ یتنجّس.‏

‏‏وقال أحمد: صوف الـمیتـة وشعرها طاهر»‏‎[3]‎‏ انتهیٰ.‏

‏‏وحیث یرجع فتوی الـقائل بزوال الـنجاسـة بالـغسل إلـی الـنجاسـة‏‎ ‎‏الـعرضیّـة ظاهـراً، ینحصـر الـمخالـف بالـشافعیّ وعطا فی الـشعر‏‎ ‎‏والـصوف، ویلحق بهما مالـک فی الـمذکورات، مع ما فی عبارتـه من سوء‏‎ ‎‏الـتعبیر‏‎[4]‎‏، فراجع.‏

‏‏وحیث إنّ الـمسألـة ذات الـروایـة عموماً وخصوصاً، فلا حاجـة إلـیٰ‏‎ ‎‏تلک الإطالـة. مع أنّک عرفت إمکان وجود الـتقیّـة فی الـجملـة لـو فرضنا‏‎ ‎‏صدور روایـة دالّـة علیٰ طهارة بعض المذکورات.‏

‏‏إذا عرفت ذلک فاعلم: أنّ قضیّـة الـقاعدة نجاسـة جمیع أجزاء الـمیتـة؛‏‎ ‎‏قضاءً لـحقّ ما دلّ علیٰ نجاستها، فإنّ ما یورث سرایتها من الـمیتـة إلـیٰ سائر‏‎ ‎‏الأجزاء، یستلزم ذلک بالـنسبـة إلـیٰ جمیعها وإن لـم تحلّها الـحیاة.‏

‏‏وربّما یستظهر من الـسیّد الـوالـد ـ مدّظلّـه ـ أنّ ما یدلّ علیٰ نجاسـة‏‎ ‎
‏‎

‎‏الـجیفـة، قاصـر عن إثبات نجاستها؛ لـعدم سریان الإنتان والـتجیّف إلـیها؛‏‎ ‎‏لـما لیس فیها الـروح مثلاً، وأنّ ما یدلّ علیٰ نجاسـة الـمیتـة لا یورث لـحوق‏‎ ‎‏الأجزاء بها.‏

‏‏نعم، الـعرف کان قاضیاً بذلک، وهو یخصّ مصبّ حکمـه وقضائـه بغیر‏‎ ‎‏تلک الأجزاء، ولا أقلّ من الـشبهـة والـشکّ‏‎[5]‎‏.‏

‏‏وأنت خبیر:‏‏ بأنّ ذلک منقوض أوّلاً؛ بما ورد فی أخبار لـزوم الـغُسل علیٰ‏‎ ‎‏من مسّ الـمیّت‏‎[6]‎‏، بأنّـه لـو کان الأمر کما توهّم لـما کان یجب عند إمساس‏‎ ‎‏الـشعر، فهو شاهد علیٰ لـحوقـه بها عرفاً.‏

‏‏وثانیاً: ‏‏قد عرفت أنّ «الـمیتـة» معنی أعمّ ممّا تخیّلوه‏‎[7]‎‏، وتصدق علی‏‎ ‎‏الأجزاء إذا سقطت عن الآثار الـمرغوبـة فیها فتأمّل، ففی الـباب الـثامن‏‎ ‎‏والـستّین من أبواب الـنجاسات، عن قتیبـة بن محمّد قال قلت: «إنّا نلبس‏‎ ‎‏الـطیالـسـة الـبربریّـة، وصوفها میّت»‏‎[8]‎‏ فراجع.‏

‏‏وثالثاً:‏‏ کما لا یجد الـعرف فرقاً بین الـدم والـعظم، وبین الـید‏‎ ‎‏والـرجل، کذلک لا یجد ذلک فیما نحن فیـه بالـوجدان.‏

‏‏ولو قطعنا الـنظر عمّا ورد فی خصوص هذه الـمسألـة من الـدلیل اللّبّی‏‎ ‎‏واللفظی، لـما ظننت الـتزام أحد بالـطهارة بعد ما وردت الـمآثیر علیٰ نجاسـة‏‎ ‎
‏‎

‎‏الـمیتـة، فما تریٰ فی «الـجواهر» من إنکار الـحاجـة إلـی الـتخصیص‏‎ ‎‏والـتقید‏‎[9]‎‏، فی غیر محلّـه جدّاً.‏

‏‏نعم، لـو شکّ فی ذلک فقضیّـة الاستصحاب هی الـطهارة الـثابتـة حال‏‎ ‎‏الـحیاة الـمشکوک زوالـها بالـموت. ولو کان دلیل نجاسـة الأجزاء الـمبانـة‏‎ ‎‏من الـمیتـة الإجماعات الـمحکیّـة، کان للقول الـمزبور وجـه کما لا یخفیٰ.‏

‏‏وأمثال هذه الالتحاقات عرفاً فی الـفقـه غیر عزیزة، فإنّ الأصحاب ‏‏رحمهم الله‏‎ ‎‏جوّزوا أکل دم الـسمک إذا کان یبتلع الـسمک‏‎[10]‎‏، وما ذاک إلاّ لـهذا.‏

‏‏إذا اطلعت علیٰ ما اسمعناک خبراً، فالـکلام یتمّ فی مرحلتین:‏

‏‏المرحلة الاُولیٰ: ‏‏حول هذا الـعنوان الـعامّ؛ وأنّـه هل یمکن إثباتـه‏‎ ‎‏حسب ما وصل إلـینا، أم لا؟‏

‏‏المرحلة الثانیة:‏‏ حول خصوص الأخبار الـواردة فی خصوص الأشیاء‏‎ ‎‏الـمستثناة من نجاسـة الـمیتـة.‏

‏‏ ‏

‏‎ ‎

‏‎

‎

• )) کشف اللثام 1 : 49 / السطر 7 ، مدارک الأحکام 2 : 272 ، ذخیرة المعاد : 147 / السطر38.
• )) الغنیة، ضمن الجوامع الفقهیّة: 489 / السطر 5، منتهی المطلب 1 : 164 / السطر25.
• )) الخلاف 1 : 66 .
• )) المجموع 1 : 231 / السطر 17 و 236 / السطر 12 ـ 13 ، بدایة المجتهد 1 : 80 .
• )) الطهارة، الإمام الخمینی  قدس سره 3 : 99.
• )) وسائل الشیعة 3: 289، کتاب الطهارة، أبواب غسل المس، الباب 1.
• )) تقدّم فی الصفحة 391 ـ 392 .
• )) وسائل الشیعة 3: 514، کتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحدیث 7.
• )) جواهر الکلام 5: 321.
• )) جواهر الکلام 36: 170.