فی طهارة الإنفحة

‏‏فی طهارة الإنفحة‏

‏‏ ‏

‏‏وأمّا حکم الـمسألـة، فقد عرفت بما لا مزید علیـه من الأخبار ما یدلّ‏‎ ‎‏علیٰ طهارتها وجواز أکلها، ولکن هناک بعض ما یدلّ علیٰ نجاستها:‏

‏‏فمنها:‏‏ ما رواه «الـوسائل» فی الـباب الـحادی والـستّین من أبواب‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏الأطعمـة الـمباحـة عن «الـمحاسن» بإسناده الـمعتبر عن بکر بن حبیب قال:‏‎ ‎‏سُئل أبو عبداللّٰـه عن الـجبن، وأنّـه توضع فیـه الإنفحـة من الـمیتـة.‏

‏‏قال: «‏‏لا تصلح‏‏» ثمّ أرسل بدرهم فقال: «‏‏اشتر من رجل مسلم، ولا تسأله‏‎ ‎‏عن شیء»‏‎[1]‎‏.‏

‏‏وتوهّم الـحمل علی الـتقیّـة‏‎[2]‎‏ بعد ما عرفت من رأی الـحنفیّـة‏‎ ‎‏بالـطهارة‏‎[3]‎‏، فی غیر محلّـه؛ لأنّ رأیـه کان مشهوراً فی عصره ‏‏علیه السلام‏‏ وکان ینبغی‏‎ ‎‏أن یتّقیٰ منـه، فما یدلّ علی الـطهارة أولیٰ بالـحمل علی الـتقیّـة عند‏‎ ‎‏الـمعارضـة.‏

‏‏وأمّا بکر بن حبیب، فهو وإن لـم یوثّق فی الـمتون الـرجالـیّـة‏‎[4]‎‏،‏‎ ‎‏ولکنّـه عندنا حسب الـتحقیق معتبر، ولا سیّما بعد انضمام روایـة صفوان، عن‏‎ ‎‏منصور بن حازم، عنـه، فهو یورث الـوثوق بأصل الـروایـة.‏

‏‏وأمّا ما أفاده الـشیخ کما ذکرناه سابقاً من بکر بن محمّد بن حبیب، فهو‏‎ ‎‏غیر بکر بن حبیب، فإنّ ذاک هو الـمازنیّ الـنحویّ الـمتوفّیٰ (248هـ ) ولا‏‎ ‎‏یتمکّن من الـروایـة عن الـباقر والـصادق ‏‏علیهماالسلام‏‏، فلا تخلط.‏

‏‏ومنها: ‏‏ما رواه فی الـباب الـمزبور عن الـکتاب الـمذکور، عن أبیـه،‏‎ ‎‏عن محمّد بن سِنان، عن أبی الـجارود قال: سألت أبا جعفر ‏‏علیه السلام‏‏ عن الـجبن،‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏فقلت لـه: أخبرنی من رأیٰ أنّـه یُجعل فیـه الـمیتـة.‏

‏‏فقال: «‏‏أمِن أجل مکان واحد یجعل فیه المیتة ، حرّم فی جمیع‏‎ ‎‏الأرضین ؟! ...»‏‎[5]‎‏.‏

‏‏ومنها:‏‏ غیر ذلک ممّا ذکر فی الـباب الـمذکور‏‎[6]‎‏.‏

‏‏وأمّا الإشکال علیها سنداً بمحمّد بن سِنان‏‎[7]‎‏، وأبی الـجارود، ولا سیّما‏‎ ‎‏فی خصوص روایـة ابن سِنان عن أبی الـجارود، ممّا نصّ ابن الـغضائری علیٰ‏‎ ‎‏«أنّ حدیثـه فی حدیث أصحابنا أکثر منـه فی الـزیدیّـة، وأصحابنا یکرهون ما‏‎ ‎‏رواه محمّد بن سِنان عنـه، ویعتمدون ما رواه محمّد بن أبی بکر الأرجنیّ»‏‎[8]‎‎ ‎‏انتهیٰ.‏

‏‏فهو قابل للدفع؛ لـما أنّ جمعاً من الأعلام اعتبروا أحادیثهما.‏

‏‏ولکنّ الـکلام فی عدول الإمامیّـة عنها، وذهابهم إلـیٰ طهارة الإنفحـة.‏

‏‏والـجمع بینهما بحمل الـطائفـة الاُولیٰ علی الـمظروف، وهذه علی‏‎ ‎‏الـظرف، أو الـحمل علیٰ أنّ الاستدلال کان من الأخذ بما الـتزموا بـه، وإیجاد‏‎ ‎‏الـشبهـة إثباتاً علیٰ تقدیر نجاستها ثبوتاً‏‎[9]‎‏، من الـمحامل الـبعیدة عن اُفق‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏الاعتبار. بل هذا غیر صحیح؛ لـما عرفت من ذهاب أبی حنیفـة إلـی‏‎ ‎‏الـطهارة‏‎[10]‎‏.‏

‏‏أو الـحمل علیٰ أنّ الـمقصود إطلاق لـفظـة «الـمیتـة» علیـه؛ لـما أنّ‏‎ ‎‏قتادة قال: «إنّها من الـمیتـة»‏‎[11]‎‏ فإنّـه أیضاً غیر مقبول؛ لأنّـه من أرباب‏‎ ‎‏الـفتاویٰ غیر الـمعروفـة، فلا یتّقیٰ منـه، فلا تصل الـنوبـة إلـی الـمعارضـة؛‏‎ ‎‏لـعدم حجیّـة هذه الـطائفـة بعد الإعراض عن الـمضمون.‏

‏‏ولو سلّمنا الـمعارضـة ـ کما علیـه جمع؛ حسب اقتضاء الـصناعـة‏‎ ‎‏ذلک ـ فالـترجیح مع طائفـة الـطهارة؛ لأکثریتها عدداً، وأشهریّتها روایـة،‏‎ ‎‏وأظهریّتها دلالـة، وأصحیّتها سنداً.‏

‏‏ ‏

‏‎ ‎

‏‎

‎

• )) المحاسن : 496 / 598، وسائل الشیعة 25: 118، کتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحدیث4.
• )) مصباح الفقیه، الطهارة : 532 / السطر 27، الطهارة، الإمام الخمینی  قدس سره 3: 105.
• )) تقدّم فی الصفحة 422 .
• )) معجم رجال الحدیث 3: 343.
• )) المحاسن : 495 / 597، وسائل الشیعة 25: 119، کتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحدیث 5 .
• )) المحاسن : 496 / 599، وسائل الشیعة 25: 119، کتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحدیث6.
• )) مهذّب الأحکام 1: 312.
• )) مجمع الرجال 3: 74.
• )) مصباح الفقیه، الطهارة : 532 / السطر 17.
• )) تقدّم فی الصفحة 424 .
• )) مصباح الفقیه ، الطهارة : 532 / السطر 18 .