المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

الأمر الثانی : فی کیفیة جریان النزاع فی بعض الجوامد

الأمر الثانی : فی کیفیة جریان النزاع فی بعض الجوامد

‏ ‏

‏قضیّة عنوان المبحث؛ خروج الجوامد التی تکون من قبیل «الزوج،‏‎ ‎‏والصرورة، والحرّ، والعبد، والرقّ، والمال» وأمثال ذلک ممّا یحمل علی الذوات.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 345
‏ویقتضی ملاک البحث وثمرة النزاع؛ دخولَ هذه المذکورات فی الجهة‏‎ ‎‏المبحوث عنها، من غیر الحاجة إلی الاستشهاد بکلام جمع من الفقهاء‏‎[1]‎‏، حتّیٰ‏‎ ‎‏یدخل الأصحاب الاُصولیّون فی بحث الفقه هنا، مع عدم المناسبة؛ ضرورة أنّ ماهو‏‎ ‎‏الملاک، هو کون الذات باقیة فی الحالتین، وکون الصفة من الأوصاف العرضیّة الزائد‏‎ ‎‏علیها المفارقة إیّاها أحیاناً.‏

‏وماهی ثمرة البحث فی الفقه کثیرة غیر خفیّة، خصوصاً فی مباحث الرضاع،‏‎ ‎‏وفی مسألة تجویز نظر الزوج إلی الزوجة المیّتة وبالعکس، وجواز لمسها، وغیر‏‎ ‎‏ذلک، وفی مسألة اشتراط المماثلة بین الغاسل والمغسول، فإنّه لو طلّق الزوج‏‎ ‎‏زوجته، ثمّ تزوّجت، ثمّ مات الزوج الثانی، ثمّ ماتت الزوجة، فهل یجوز للزوج‏‎ ‎‏الأوّل غسلها؛ لصدق «الزوج والزوجة» علیهما؛ بناءً علی الأعمّی، أو لایجوز؛ بناءً‏‎ ‎‏علی الأخصّی؟ فافهم وتدبّر.‏

‏وأمّا توهّم شمول العنوان لمثلها کما فی «الکفایة»‏‎[2]‎‏ فلعلّه صدر غفلةً. وأمّا‏‎ ‎‏لزوم حصر البحث بما یشمل العنوان، فهو أسوء حالاً من الأوّل، فلابدّ من أحد‏‎ ‎‏أمرین: إمّا الإلحاق، وإمّا تغییر عنوان المسألة:‏

‏أمّا الإلحاق، فلا مشاحّة فیه، إلاّ أنّه یکون البحث فی المذکورات من‏‎ ‎‏الاستطراد، وهذا غیر صحیح؛ لاحتمال وجود العناوین الاُخر القابلة للبحث،‏‎ ‎‏والمغفول عنها فعلاً.‏

‏فیتعیّن حسب الذوق تغییر عنوان المسألة، فیقال: «هل العناوین الجاریة علی‏‎ ‎‏الذوات، حقیقة فی خصوص حال تلبّسها بمبادئها، أو حقیقة فی الأعمّ من ذلک؛‏‎ ‎‏فیکفی لذلک نفس الاتصاف وأصل التلبّس ولو کان فی آنٍ ما من الزمان الماضی؟».‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 346
إن قلت :‏ قضیّة ذلک العنوان دخول مطلق الجوامد ـ کـ «الشجر، والحجر،‏‎ ‎‏والجسم، والملح، والکلب، والماء» ـ فی محلّ البحث، مع أنّه لا نزاع فی ذلک، ولم‏‎ ‎‏یعهد من أحد من الأصحاب توهّم صدق المذکورات علیٰ غیرها.‏

قلت أوّلاً :‏ صریح العنوان بقاء الذات فی الحالتین، ولا معنیٰ لذلک فی الأمثلة‏‎ ‎‏المزبورة؛ ضرورة أنّ تغییر الحالة فیها یوجب تغییراً فی الذات، فإذا صار الکلب‏‎ ‎‏ملحاً فلیست الجهة الباقیة هی الذات، بل هی قوّة الذات، وقد تقرّر: أنّ شیئیّة الشیء‏‎ ‎‏بصورته‏‎[3]‎‏، فعلیه لاتندرج هذه الاُمور فی عنوان المسألة.‏

‏والمراد من «الذات المحفوظة فی الحالتین» هی الذات العرفیّة، لا العقلیّة،‏‎ ‎‏فلایرد ما أورده الوالد المحقّق ـ مدّ ظلّه ‏‎[4]‎‏: من انحفاظ الذات فی مثل «الثلج،‏‎ ‎‏والماء، والخمر، والخلّ» ضرورة أنّ هذه الاُمور وإن کانت داخلة فی العنوان، ولکنّها‏‎ ‎‏فی الفرض المزبور تکون خارجة؛ لاختلاف ذاتهما عرفاً، ومن هذا القبیل «البخار،‏‎ ‎‏والماء، والحرارة، والنار» وهکذا.‏

وثانیاً :‏ لابأس بالالتزام بخروجها؛ لاتفاقهم علی أنّ الألفاظ الموضوعة لها،‏‎ ‎‏وضعت علی الوجه الأخصّ.‏

وثالثاً :‏ الالتزام بکونها داخلة فی محلّ البحث ممّا لا بأس به؛ لإمکان ترتّب‏‎ ‎‏الثمرة فی بعض الأحیان.‏

‏مع أنّ من الممکن إرادة الأعمّ من کلمة «الذات» فإنّها کما تطلق علی الصور‏‎ ‎‏النوعیّة، تطلق علی الهیولی المنحفظة فی الأحوال والحرکات، کیف؟! وقد قال‏‎ ‎‏أرباب المعقول: «النطفة إنسان بالقوّة»‏‎[5]‎‏ وهکذا، فیعلم منه: أنّ الموضوع له فی‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 347
‏الجوامد، ربّما کان علیٰ وجه یشمل الأعمّ بلحاظ المستقبل، فلا منع من اختلاف‏‎ ‎‏الأعمّی والأخصّی فی أنّ الموضوع له فی الجوامد، دائر مدار الصور النوعیّة‏‎ ‎‏العرفیّة، أو هو أعمّ؛ ضرورة أنّ صدق «الإنسان» علیٰ میتته، مبنیّ علی القول‏‎ ‎‏بالأعمّ، وإلاّ فـ «المیّت» جامد، و «الإنسان» هو الحیّ الدرّاک، فلیتدبّر.‏

‏هذا، ومن الألفاظ الداخلة فی محلّ النزاع قطعاً، کلمة «الجامد» وهو من‏‎ ‎‏المشتقّات، وکلمة «المعدِن» وهکذا ما شابههما؛ ممّا لایصدق إلاّ علی الموجودات‏‎ ‎‏التی تفقد الحیاة النباتیّة والحیوانیّة، فعلیه لایمکن تصویربقاء الذات فی مثل ما اُشیر‏‎ ‎‏إلیه؛ لأنّه بعدما صار موضوعها ذا حیاة نباتیّة، تبدّلت صورته النوعیّة، فتأمّل جدّاً.‏

إن قلت :‏ لیست الجوامد ذات مبدأ، وقضیّة ما فی العنوان دخول ذوات‏‎ ‎‏المبادئ فی محلّ البحث.‏

قلت :‏ نعم، إلاّ أنّ المراد من «المبدأ» لیس المبدأ اللفظیّ الاشتقاقیّ، بل المراد‏‎ ‎‏أعمّ من ذلک، فلاتکون کلمة «الزوج، والحرّ، والعبد» خالیة من المبدأ، بل مبادئها‏‎ ‎‏«الزواج والحرّیة والعبودیّة» وهکذا.‏

وإن شئت قلت :‏ المراد من «المبدأ» أعمّ من المبدأ اللفظیّ والمعنویّ، وقد‏‎ ‎‏تعارف أن یقال فی تعابیرهم: «إنّ مبدأ اعتبارمفهوم الوجود...» أو یقال: «مبدأ انتزاع‏‎ ‎‏مفهوم الإنسان والفوق» کما یقال: «منشأ انتزاع مفهوم کذا کذا» فعلیه لا منع من‏‎ ‎‏الالتزام بذلک، فیکون جمیع الجوامد والمشتقّات، داخلةً فی محیط البحث والتشاحّ.‏

أو یقال :‏ إنّ جمیع الألفاظ ذات مصادر جعلیّة، وتکون هی مبدأ العناوین‏‎ ‎‏الجاریة.‏

‏أو یراد من «المبدأ» فی الجمیع المبادئ المعنویّة؛ فإنّ المبدأ المعنویّ فی‏‎ ‎‏المشتقّات، دخیل فی انتزاع عناوینها من الذوات، فلولا الضرب الصادر من زید،‏‎ ‎‏لاینتزع عنوان «الضارب» ولیس هو «الضرب» متعیّناً لأن مبدئیة المصادر‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 348
‏للمشتقات محلّ خلاف .‏

‏فإذا کان الأمر کذلک، وکان المراد من «الذات» أعمّ من الصورة النوعیّة‏‎ ‎‏والهیولی المشترکة، فلایلزم الإشکال، ویندرج قهراً فی محلّ النزاع حتّی الأعلامُ‏‎ ‎‏الشخصیّة، فلو صار زید ملحاً أو میتةً، فالصورة النوعیّة بمنزلة الوصف الزائل،‏‎ ‎‏والمبدأ المعنویّ والهیولی المشترکة، بمنزلة الذات المحفوظة فی الحالتین، فتأمّل.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 349

  • )) إیضاح الفوائد 3: 52، مسالک الأفهام 1: 379 / السطر 34.
  • )) کفایة الاُصول: 57 .
  • )) شرح المنظومة، قسم الحکمة: 128.
  • )) مناهج الوصول 1: 189.
  • )) شرح المنظومة، قسم الحکمة: 77.