الأمر الثانی : فی کیفیة جریان النزاع فی بعض الجوامد
قضیّة عنوان المبحث؛ خروج الجوامد التی تکون من قبیل «الزوج، والصرورة، والحرّ، والعبد، والرقّ، والمال» وأمثال ذلک ممّا یحمل علی الذوات.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 345
ویقتضی ملاک البحث وثمرة النزاع؛ دخولَ هذه المذکورات فی الجهة المبحوث عنها، من غیر الحاجة إلی الاستشهاد بکلام جمع من الفقهاء، حتّیٰ یدخل الأصحاب الاُصولیّون فی بحث الفقه هنا، مع عدم المناسبة؛ ضرورة أنّ ماهو الملاک، هو کون الذات باقیة فی الحالتین، وکون الصفة من الأوصاف العرضیّة الزائد علیها المفارقة إیّاها أحیاناً.
وماهی ثمرة البحث فی الفقه کثیرة غیر خفیّة، خصوصاً فی مباحث الرضاع، وفی مسألة تجویز نظر الزوج إلی الزوجة المیّتة وبالعکس، وجواز لمسها، وغیر ذلک، وفی مسألة اشتراط المماثلة بین الغاسل والمغسول، فإنّه لو طلّق الزوج زوجته، ثمّ تزوّجت، ثمّ مات الزوج الثانی، ثمّ ماتت الزوجة، فهل یجوز للزوج الأوّل غسلها؛ لصدق «الزوج والزوجة» علیهما؛ بناءً علی الأعمّی، أو لایجوز؛ بناءً علی الأخصّی؟ فافهم وتدبّر.
وأمّا توهّم شمول العنوان لمثلها کما فی «الکفایة» فلعلّه صدر غفلةً. وأمّا لزوم حصر البحث بما یشمل العنوان، فهو أسوء حالاً من الأوّل، فلابدّ من أحد أمرین: إمّا الإلحاق، وإمّا تغییر عنوان المسألة:
أمّا الإلحاق، فلا مشاحّة فیه، إلاّ أنّه یکون البحث فی المذکورات من الاستطراد، وهذا غیر صحیح؛ لاحتمال وجود العناوین الاُخر القابلة للبحث، والمغفول عنها فعلاً.
فیتعیّن حسب الذوق تغییر عنوان المسألة، فیقال: «هل العناوین الجاریة علی الذوات، حقیقة فی خصوص حال تلبّسها بمبادئها، أو حقیقة فی الأعمّ من ذلک؛ فیکفی لذلک نفس الاتصاف وأصل التلبّس ولو کان فی آنٍ ما من الزمان الماضی؟».
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 346
إن قلت : قضیّة ذلک العنوان دخول مطلق الجوامد ـ کـ «الشجر، والحجر، والجسم، والملح، والکلب، والماء» ـ فی محلّ البحث، مع أنّه لا نزاع فی ذلک، ولم یعهد من أحد من الأصحاب توهّم صدق المذکورات علیٰ غیرها.
قلت أوّلاً : صریح العنوان بقاء الذات فی الحالتین، ولا معنیٰ لذلک فی الأمثلة المزبورة؛ ضرورة أنّ تغییر الحالة فیها یوجب تغییراً فی الذات، فإذا صار الکلب ملحاً فلیست الجهة الباقیة هی الذات، بل هی قوّة الذات، وقد تقرّر: أنّ شیئیّة الشیء بصورته، فعلیه لاتندرج هذه الاُمور فی عنوان المسألة.
والمراد من «الذات المحفوظة فی الحالتین» هی الذات العرفیّة، لا العقلیّة، فلایرد ما أورده الوالد المحقّق ـ مدّ ظلّه : من انحفاظ الذات فی مثل «الثلج، والماء، والخمر، والخلّ» ضرورة أنّ هذه الاُمور وإن کانت داخلة فی العنوان، ولکنّها فی الفرض المزبور تکون خارجة؛ لاختلاف ذاتهما عرفاً، ومن هذا القبیل «البخار، والماء، والحرارة، والنار» وهکذا.
وثانیاً : لابأس بالالتزام بخروجها؛ لاتفاقهم علی أنّ الألفاظ الموضوعة لها، وضعت علی الوجه الأخصّ.
وثالثاً : الالتزام بکونها داخلة فی محلّ البحث ممّا لا بأس به؛ لإمکان ترتّب الثمرة فی بعض الأحیان.
مع أنّ من الممکن إرادة الأعمّ من کلمة «الذات» فإنّها کما تطلق علی الصور النوعیّة، تطلق علی الهیولی المنحفظة فی الأحوال والحرکات، کیف؟! وقد قال أرباب المعقول: «النطفة إنسان بالقوّة» وهکذا، فیعلم منه: أنّ الموضوع له فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 347
الجوامد، ربّما کان علیٰ وجه یشمل الأعمّ بلحاظ المستقبل، فلا منع من اختلاف الأعمّی والأخصّی فی أنّ الموضوع له فی الجوامد، دائر مدار الصور النوعیّة العرفیّة، أو هو أعمّ؛ ضرورة أنّ صدق «الإنسان» علیٰ میتته، مبنیّ علی القول بالأعمّ، وإلاّ فـ «المیّت» جامد، و «الإنسان» هو الحیّ الدرّاک، فلیتدبّر.
هذا، ومن الألفاظ الداخلة فی محلّ النزاع قطعاً، کلمة «الجامد» وهو من المشتقّات، وکلمة «المعدِن» وهکذا ما شابههما؛ ممّا لایصدق إلاّ علی الموجودات التی تفقد الحیاة النباتیّة والحیوانیّة، فعلیه لایمکن تصویربقاء الذات فی مثل ما اُشیر إلیه؛ لأنّه بعدما صار موضوعها ذا حیاة نباتیّة، تبدّلت صورته النوعیّة، فتأمّل جدّاً.
إن قلت : لیست الجوامد ذات مبدأ، وقضیّة ما فی العنوان دخول ذوات المبادئ فی محلّ البحث.
قلت : نعم، إلاّ أنّ المراد من «المبدأ» لیس المبدأ اللفظیّ الاشتقاقیّ، بل المراد أعمّ من ذلک، فلاتکون کلمة «الزوج، والحرّ، والعبد» خالیة من المبدأ، بل مبادئها «الزواج والحرّیة والعبودیّة» وهکذا.
وإن شئت قلت : المراد من «المبدأ» أعمّ من المبدأ اللفظیّ والمعنویّ، وقد تعارف أن یقال فی تعابیرهم: «إنّ مبدأ اعتبارمفهوم الوجود...» أو یقال: «مبدأ انتزاع مفهوم الإنسان والفوق» کما یقال: «منشأ انتزاع مفهوم کذا کذا» فعلیه لا منع من الالتزام بذلک، فیکون جمیع الجوامد والمشتقّات، داخلةً فی محیط البحث والتشاحّ.
أو یقال : إنّ جمیع الألفاظ ذات مصادر جعلیّة، وتکون هی مبدأ العناوین الجاریة.
أو یراد من «المبدأ» فی الجمیع المبادئ المعنویّة؛ فإنّ المبدأ المعنویّ فی المشتقّات، دخیل فی انتزاع عناوینها من الذوات، فلولا الضرب الصادر من زید، لاینتزع عنوان «الضارب» ولیس هو «الضرب» متعیّناً لأن مبدئیة المصادر
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 348
للمشتقات محلّ خلاف .
فإذا کان الأمر کذلک، وکان المراد من «الذات» أعمّ من الصورة النوعیّة والهیولی المشترکة، فلایلزم الإشکال، ویندرج قهراً فی محلّ النزاع حتّی الأعلامُ الشخصیّة، فلو صار زید ملحاً أو میتةً، فالصورة النوعیّة بمنزلة الوصف الزائل، والمبدأ المعنویّ والهیولی المشترکة، بمنزلة الذات المحفوظة فی الحالتین، فتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 349