سورة البقرة

المسألة العاشرة : حول کلمة «الفاسق»

المسألة العاشرة

‏ ‏

حول کلمة «الفاسق»

‏ ‏

‏الـفاسقون جمع الـفاسق. قال ابن الأعرابی: «لم یُسمع قطّ فاسق فی کلام‏‎ ‎‏الـجاهلیـة ولاشعرهم»، مع أنّـه عربیّ، ونطق بـه الـقرآن. الـفسق مصدر‏‎ ‎‏واسم. قیل: هو عدم إطاعـة أمر اللّٰه، فیشمل الـکافر والـمسلم الـعاصی.‏‎ ‎‏وقیل: أصلـه خروج الـشیء من الـشیء علیٰ وجـه الـفساد. وفسق فسوقاً:‏‎ ‎‏ترک أمر اللّٰه وعصیٰ، وجار عن قصد الـسبیل. انتهیٰ ما فی «الأقرب»‏‎[1]‎‏.‏

‏ویؤیّد الـوجـه الأخیر، ما فیـه أیضاً: الـفوَیسقـة ـ مصغّر الـفاسقـة :‏‎ ‎‏الـفأرة. سُمّیت بها لخروجها من جُحرها علی الـناس‏‎[2]‎‏. انتهیٰ.‏

‏ولاشبهـة فی أنّ الـفسق بحسب أصل اللغـة معناه الأعمّ، وربّما یقال: إنّ‏‎ ‎‏الـفُسْتُق سمّی بـه لجوره وتعدّیـه من الـباطن إلـیٰ الـظاهر بفتح فم جلده عن‏‎ ‎‏تعدٍّ وعمد.‏

‏وفی الـراغب: عن ابن الأعرابی: لم یسمع الـفاسق فی وصف الإنسان فی‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 14
‏کلام الـعرب، وإنّما قالـوا: فسقت الـرطبـة عن قشرها‏‎[3]‎‏.‏

‏وإنّما الـکلام فی أنّـه قد اشتهر: أنّ من مصطلحات الـقرآن کون الـمراد‏‎ ‎‏من الـفاسق هو الـخارج عن رقّ الـعبودیـة بالـکفر والإلحاد، دون الـعصیان‏‎ ‎‏والـطغیان، فالـمسلم الـعاصی لیس مراداً من الـفاسق فی الـکتاب الإلهی،‏‎ ‎‏لکثرة استعمالـه فیهم دون غیرهم؛ حتّیٰ صار حقیقـة ثانویـة یحتاج الـمعنیٰ‏‎ ‎‏الأوّل إلـی الـقرینـة، وصار الـمعنی الأوّل مهجوراً بالـمرّة.‏

‏وهذا فی خصوص لفظـة «فاسق» دون سائر مشتقّاتـه، کما أنّ الأمر‏‎ ‎‏بالـعکس فی محیط الـفقاهـة وأهل الـسوق، فإنّ الـفاسق هنا ینصرف إلـی‏‎ ‎‏الـمسلم الـخارج عن أدب الـشرع؛ حتّی یقال: هو فاسق ولیس بکافر، وهذا‏‎ ‎‏هو أیضاً حقیقـة ثانویـة اُخریٰ فی محیط آخر.‏

‏والـذی یسهل الـخطب: أنّ مراجعـة کتاب اللّٰه الـعزیز تفید کثرة هذا‏‎ ‎‏الـمشتقّ استعمالاً فی الـکافر: إمّا للمقابلـة، نحو ‏‏«‏أَفَمَنْ کَانَ مُؤمِناً کَمَنْ کَانَ‎ ‎فَاسِقاً لاَ یَسْتَوُونَ‏»‏‎[4]‎‏؛ أو لما یُشبـه الـمقابلـة، نحو ‏‏«‏وَمَا یَکْفُرُ بِهَا إِلاَّ‎ ‎الفَاسِقُونَ‏»‏‎[5]‎‏، ‏‏«‏کَفَرُوا بِاللّٰهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ‏»‏‎[6]‎‏، ‏‏«‏وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ‎ ‎ذَ ٰلِکَ فَأُولَـٰئِکَ هُمُ الفَاسِقُونَ‏»‏‎[7]‎‏، ‏‏«‏بِئْسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِیمَانِ‏»‏‎[8]‎‏، وإمّا‏‎ ‎‏لأنّ الإیعاد بالـنار وبالـخزی فی الـدنیا، محمول علیهم ومخصوص بهم، نحو‏‎ ‎


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 15
‏«‏اَلَّذینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا یَمَسُّهُمُ العَذَابُ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ‏»‏‎[9]‎‏، ‏‏«‏وَیَوْمَ لاَیَسْبِتُونَ‎ ‎لاَتَأْتِیهِمْ کَذَلِکَ نَبْلُوهُمْ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ‏»‏‎[10]‎‏، ‏‏«‏وَأَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ‎ ‎بَئِیسٍ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ‏»‏‎[11]‎‏ وغیر ذلک.‏

‏وکون الـمراد الاستعمالـی أعمّ والـجدّی أخصّ، لایضرّ بالاستعمال‏‎ ‎‏الـحقیقی، أمر تحقیقیّ محرّر فی اُصولنا، إلاّ أنّـه بعد کثرة الاستعمال ـ ولا‏‎ ‎‏سیّما الـتقابل ـ یظهر أنّ لهذه اللغـة فی الـقرآن شأناً، وإن کان فیـه قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏کَرَّهَ إِلَیْکُمُ الکُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْیَانَ‏»‏‎[12]‎‏. ولأنّه لایُنافی ما ادّعیناه،‏‎ ‎‏لأنّ سائر مشتقّاته باقیة علیٰ معانیها الأوّلیـة اللغویـة کما یظهر بمراجعـة‏‎ ‎‏الـکتاب أیضاً.‏

‏والمسألة بعدُ تحتاج إلی الـتأمّل والـفحص الـزائد إن شاء اللّٰه تعالیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 16

  • )) راجع أقرب الموارد 2 : 925 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) راجع المفردات فی غریب القرآن : 380.
  • )) السجدة (32): 18.
  • )) البقرة (2): 99.
  • )) التوبة (9): 84 .
  • )) النور(24) : 55.
  • )) الحجرات (49): 11.
  • )) الأنعام (6): 49.
  • )) الأعراف (7) : 163.
  • )) الأعراف (7): 165.
  • )) الحجرات (49) : 7 .