تأریخ وسبب النزول
عن جماعـة، کابن عبّاس وقتادة والـحسن ومقاتل، بل والـفرّاء: أنّ الآیـة الـثانیـة من هذه الـمجموعـة، وهی الآیات الـثلاثـة، نزلت فی الـیهود عقیب ما ضرب اللّٰه مثلاً وأمثالاً فی الـکتاب؛ بالـعناکب والـذباب والـحجارة والـتراب من الـمحقّرات، فقالـوا اعتراضاً: إنّ اللّٰه أعظم شأناً وأعزّ جلالاً من أن یصنع ذلک، فنزلت الآیـة رغم أنفهم وهدم بنیانهم.
وعن مجاهد والـسدیّ، وأیضاً الـحسن وجماعـة: أنّها نزلت فی الـمنافقین، فإنّهم قالـوا بعد ما ضربت حالـهم بالأمثال الـسابقـة، کالـنار الـمتوقّدة والـصیّب الـنازل، قالـوا: هو تعالـیٰ کذا وکذا، فردّهم اللّٰه بهذه الآیـة. ویؤیّد ذلک ارتباط الآیات الـسابقـة واللاحقـة.
وقیل إنّها نزلت فی الـمشرکین.
وعن الـقفّال: أنّ الـکلّ محتمل لإمکان ارتباط الآیـة بالآیات الاُولیٰ من سورة الـبقرة إلـی هنا، وقال: یجوز أن لایکون لـه سبب أصلاً.
وعن الـربیع بن أنس: هذا من الأمثال الـمضروبـة لأهل الـدنیا، فإنّ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 34
«الـبعوضـة» تحیا ما جاعت، فإذا شبعت وامتلأت ماتت، وأهل الـدنیا مثلها.
وعن بعضهم: أنّـه ضرب مثلاً لأعمال الـعباد، فإنّـه لایمتنع أن یذکر ما قلّ منها أو کثر لیجازیٰ علیها ثواباً وعقاباً.
والأظهر ما یکون أقرب إلـیٰ ذات الآیات، فإنّ کثیراً ما یستفاد ویتبیّن تأریخ نزول الآیات من نفس الآیات، ووجـه نزولها وسبب هبوطها من الـقرائن الـموجودة فیها، فإذا انضمت إلـیها بعض الأخبار والأقوال یحصل الـوثوق والاطمئنان بصدق الاستنباط وفی أخبارنا ما یؤیّد الـقول الأوّل إلاّ أنّـه غیر نقیّ الـسند مع أنّـه لاتنافی بین الـقولین الأوّلین لإمکان إرداف اعتراضهم الـخاصّ بالاعتراض الـعامّ بعد نزول الآیات الـسابقـة، فلا تخلط.
وفی بعض روایاتنا عن الـباقر علیه السلام: «فلمّا قال اللّٰه تعالیٰ: «یَا أَیُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ»، والذُّباب فی قوله: «إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لَنْ یَخلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ» ولمّا قال: «مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَوْلِیَاءَ کَمَثَلِ الْعَنْکَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ البُیُوتِ لَبَیْتُ العَنْکَبُوتِ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ»، وضرب المثل فی هذه السورة بالذی استوقد ناراً، أو بالصیِّب من السماء، قال الکفّار والنواصب: ما هذا من الأمثال فیضرب، ویریدون به الطعن علیٰ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم، فقال اللّٰه: یا محمّد إنّ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 35
اللّٰه لایستحیی».
وعن الـصافی روی: أنّ قولـه تعالـیٰ: «بَشِّرِ الـَّذِینَ ...» إلـی آخره نزل فی علیّ علیه السلاموحمزة وجعفر وعبیدة بن الـحارث بن عبدالـمطّلب.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 36